الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويعشيه". قال التِّرمذيُّ في حديث ابن مسعود: العمل على هذا عند بعض أصحابنا كالثَّوريّ وابن المبارك وأحمد وإسحاق. قال: ووسع قوم في ذلك، فقالوا: إذا كان عنده خمسون درهمًا أو أكثر، وهو محتاج، فله أن يأخذ من الزكاة، وهو قول الشافعيّ وغيره من أهل العلم.
وقال الشافعي: قد يكون الرجل غنيًا بالدرهم مع الكسب، ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله، وفي المسألة مذاهب أخرى أحدها قول مالك أن الذي عنده ما يكفيه لعامه غنيٌّ، فلا يعطى من الزكاة، وتعطى عنده لمالِك نصابٍ لا يكفيه لعامه، ويعطى كفاية سنة. الثاني قول أبي حنيفة: إن الغني من ملك نصابًا، فيحرم عليه أخذ الزكاة، واحتج بحديث ابن عباس في بعث معاذ إلى اليمن، وقول النبي صلى الله عليه وسلم له "تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم"، فوصف من تؤخذ الزكاة منه بالغنيّ، وقد قال "لا تحل الصدقة لغني". ثالثها: أن حَدَّه من وجد ما يغذيه ويعيشه على ظاهر حديث سهل بن الحنظلية، حكاه الخطابيّ عن بعضهم، ومنهم من قال: وَجْهه من لا يجد غداء ولا عشاء على دائم الأوقات. رابعها: "أن حده أربعون درهمًا، وهو قول أبي عبيد بن سلام على ظاهر حديث أبي سعيد، وهو الظاهر من تصرف البخاريّ، لأنه اتبع ذلك قوله "لا يسألون الناس الحافًا" وقد تضمن الحديث المذكور أن من سأل وعنده هذا القدر، فقد سأل إلحافًا.
الحديث التاسع والسبعون
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ الأُكْلَةُ وَالأُكْلَتَانِ، وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ غِنًى وَيَسْتَحْيِ أَوْ لَا يَسْأَلُ النَّاسَ إِلْحَافًا.
قوله: ليس المسكين، مِفعيل من السكون، فكأنه من قلة المال سكنت حركاته، ولذا قال تعالى {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} أي: لاصق بالتراب. وقوله: الأُكلة والأُكلتان، بالضم فيهما، ويؤيده ما في رواية الأعرج الآتية آخر الباب "اللُّقمة واللُّقمتان، والتمرة والتمرتان" وزاد فيه "الذي يطوف على الناس". قال أهل اللغة: الأُكلة بالضم، للقمة، وبالفتح المرة من الغداء والعشاء. وقوله: ليس له غنى، في رواية الأعرج "غنى يغنيه" وهذه صفة زائدة على اليسار المنفي، إذ لا يلزم من حصول اليسار للمرء أن يغنى به، بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر، وكأن المعنى نفي اليسار المقيد بأنه يغنيه مع وجود أصل اليسار. وهذا كقوله تعالى {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} .
وقوله: ويستحي، زاد في رواية الأعرج، "ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس" وهو بنصب يسأل ويصدق، وموضع الترجمة منه قوله "ليس له غِنى". وقد أورده المصنف في التفسير عن أبي هُريرة بطريق يظهر تعلقها بهذه الترجمة أكثر من هذه الطريق، ولفظه هناك "إنما المسكين الذي يتعفف، اقرأوا إن شئتم، يعني قوله {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} وكذا في تفسير ابن أبي حاتم، بزيادة "يعني".