الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها
قال الزين بن المنير: يجتمع التحريض والشفاعة في أن كلًا منهما إيصال الراحة للمحتاج، ويفترقان في أن التحريض معناه الترغيب بذكر ما في الصدقة من الأجر، والشفاعة فيها معنى السؤال والتقاضي للإجابة، ويفترقان أيضًا بأن الشفاعة لا تكون إلا في خير، بخلاف التحريض، وبأنها قد تكون بدون تحريض.
الحديث الخامس والثلاثون
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَدِيٌّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عِيدٍ فَصَلَّي رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ، ثُمَّ مَالَ عَلَى النِّسَاءِ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَتَصَدَّقْنَ، فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي الْقُلْبَ وَالْخُرْصَ.
وقوله: "القُلْب" بضم القاف وسكون اللام آخرها موحدة، هو السِّوار، وقيل: إنه مخصوص بما كان من عَظْم، والخُرْص، بضم المعجمة وسكون الراء: الحلقة، وهذا الحديث مرّت مباحثه في باب عظة الإِمام النساءَ من كتاب العلم. ومرَّ قليل منها في باب موعظة الإِمام النساءَ يوم العيد، من كتاب العيدين.
رجاله خمسة:
قد مرّوا، مرَّ مسلم بن إبراهيم في السابع والثلاثين من الإيمان، ومرَّ شعبة في الثالث منه، ومرَّ عديّ بن ثابت في الثامن والأربعين منه، ومرَّ سعيد بن جبير وابن عباس في الخامس من بدء الوحي، ومرَّ الكلام على الحديث في العيدين.
الحديث السادس والثلاثون
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ، أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ:"اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ".
قال ابن بطال: المعنى اشفعوا يحصل لكم الأجر مطلقًا، سواء قضيت الحاجة أم لا. وقد قالوا: إن الأجر على الشفاعة ليس على العموم، بل مخصوص بما تجوز فيه الشفاعة، وهي
الشفاعة الحسنة، وضابطها ما أذِن فيه الشرع دون ما لم يأذن فيه. وقوله:"كان إذا جاءه السائل أو طلبت إليه حاجة" هكذا الرواية هنا، وأخرجه مسلم عن بريد بلفظ "كان إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جُلسائه" وأخرجه المصنف في الأدب بلفظ:"إنه كان إذا أتاه السائل أو صاحب الحاجة" وأخرجه مسلم من هذا الوجه، وأخرجه أبو نعيم بلفظ "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه السائل، أوطالب الحاجة، أقبل علينا بوجهه" وكل هذه الروايات لا أشك فيها.
وقوله: "اشفعوا تؤجروا" بالجزم على جواب الأمر المُضَمَّن معنى الشرط، وهو واضح، وكذا وقع في مسلم. وجاء في الأدب بلفظ "فلتؤجروا" وينبغي أن تكون هذه اللام مكسورة؛ لأنها لام كيّ وتكون الفاء زائدة، كما زيدت في حديث "قوموا فلأُصلي لكم" ويكون معنى الحديث: اشفعوا كي يؤجروا، ويحتمل أن تكون لام الأمر، والمأمور التعرض للأجر بالشفاعة، فكأنه قال: اشفعوا فتعرضوا بذلك للأجر، وتكسر هذه اللام على أصل لام الأمر، ويجوز تسكينها تخفيفًا لأجل الحركة التي قبلها.
وفي رواية أبي داود "اشفعوا لتؤجروا" وهو يقوي أن اللام للتعليل، وجوّز الكرمانيّ أن تكون الفاء سببية، واللام بالكسر، وهي لام كي، وقال: جاز اجتماعهما؛ لأنهما لأمر واحد. ويحتمل أن تكون جزائية جوابًا للأمر، ويحتمل أن تكون زائدة على رأي، أو عاطفة على "اشفعوا" واللام لام الأمر، أو على مقدر، أي: اشفعوا لتؤجروا، فلتؤجروا، ولفظ "اشفعوا تؤجروا" في تقدير: ان تشفعوا تؤجروا والشرط يتضمن السببية، فإذا أُتي باللام وقع التصريح بذلك.
وقال الطيبيّ: الفاء واللام زائدتان للتأكيد، لأنه لو قيل "اشفعوا تؤجروا" صح، أي: إذا عرض المحتاج حاجته علي، فاشفعوا له إليّ، فإنكم إن شفعتم حصل لكم الأجر، سواءًا قبلت شفاعتكم أم لا. ويُجري الله على لسان نبيه ما شاء، أي: من موجبات قضاء الحاجة أو عدمها، أي أن قضيتها أو لم أقضها، فهو بتقدير الله تعالى وقضائه. وفي حديث ابن عباس بسند ضعيف، رفعه "مَنْ سعى لأخيه المسلم في حاجته، قضيت له أو لم تقضَ، غفر له".
وقوله: "ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء" بيان أن الساعي مأجور على كل حال، وإن خاب سعيه. قال عليه الصلاة والسلام:"والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" ولا يأبى كبير أن يشفع عند صغير، فإن شفع عنده ولم يقضها، لا ينبغي له أن يؤذي المشفوع له؛ لأنه عليه الصلاة والسلام شفع عند بُريدة لترد زوجها فأبت، ويجوز في قوله:"ويقضي الله" الرفعَ والنصبَ والجزم، لقول ابن مالك:
والفعل من بعد الجزا إن يقترنْ
…
بالفاء أو الواو بتثليث قَمِنْ
وفي رواية كتاب الأدب "وليقض الله على لسان نبيه ما شاء" وفي رواية مسلم "فليقض". قال القرطبيّ: "لا يصح أن تكون هذه اللام لام الأمر؛ لأن الله لا يؤمر، ولا لام كي؛ لأنه ثبت في الرواية