الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أهل المعاصِي، ويحتمل أن يكون العمل المذكور لابد منه، عقوية له بذلك، ليفتضح على رؤوس الأشهاد، وأما بعد ذلك، فإلى الله الأمر في تعذيبه أو العفو عنه. وقال غيره: هذا الحديث يفسر قوله عز وجل: {يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: يأت به حاملًا له على رقبته، ولا يقال إن بعض ما يسرق من النقد أخف من البعير مثلًا والبعير أرخص ثمنًا، فكيف يعاقب الأخف جناية بالأثقل؟ وعكسه؛ لأن الجواب أن المراد بالعقوبة بذلك، فضيحة الحامل على رؤوس الأشهاد في ذلك الموقف العظيم، لا بالثقيل والخفة.
قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الغالّ عليه أن يعيد ما غل قبل القسمة، وأما بعدها، فقال مالك والثَّوْرِيّ والأوزاعيّ واللَّيث: يدفع إلى الإِمام خمسه، ويتصدق بالباقي، وكان الشافعيّ لا يرى ذلك، ويقول: إن كان ملكه، فليس عليه أن يتصدق به، وإن كان لم يملكه، فليس له الصدقة بمال غيره. قال: والواجب أن يدفعه إلى الإمام كالأموال الضائعة.
رجاله خمسة:
قد مرّوا: مرَّ الحكم بن نافع وشعيب في السابع من بدء الوحي، ومرَّ أبو الزناد والأعرج في السابع من الإيمان، ومرَّ أبو هريرة في الثاني منه.
لطائف إسناده:
فيه التحديث بالجمع والإفراد والإخبار بالجمع، والسماع والقول، وفيه أن نصف السند حُمصيّ، ونصفه مَدَنِيّ. أخرجه مسلم وأبو داود والنَّسَائيّ.
الحديث التاسع
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ، يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي شِدْقَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ ثُمَّ تَلَا {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} الآيَةَ.
قوله: "عن أبي صالح" كذا رواه عبد الرحمن، وتابعه زيد بن أسلم عن أبي صالح عند مسلم، وساقه مطولًا، وكذا رواه مالك عن عبد الله بن دينار، ورواه ابن حِبّان عن القعقاع بن حلية عن أبي صالح، لكنه وقفه على أبي هريرة، وخالفهم عبد العزيز بن أبي سَلَمة، فرواه عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر، أخرجه النَّسَائِيّ، ورجحه، لكن قال ابن عبد البَرَّ: رواية عبد العزيز خطأٌ بَيِّنْ؛ لأنه لو كان عند عبد الله بن دينار عن ابن عمر ما رواه عن أبي صالح أصلًا.
وفي هذا التعليل نظر، وما المانع أن يكون له فيه شيخان، نعم الذي يجري على طريقة أهل الحديث أن رواية عبد العزيز شاذة؛ لأنه لم يسلك الجادة، ومن عدل عنها دل على مزيد حفظه. وقوله:"مُثِّلَ له" أي: صوّر أو ضمِّن مثل معنى التصيير، أي: سير ماله على صورة شجاع. والمراد بالمال النّاضّ، وقد مرت رواية زيد بن أسلم في الذي قبله، ولا تنافي بين الروايتين، لاحتمال اجتماع الأمرين معًا، فرواية ابن دينار توافق الآية التي ذكرها، وهي سيطوقون، ورواية زيد بن أسلم توافق قوله تعالى:{يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ} الآية.
وقوله: "شُجاعًا" بضم المعجمة ثم جيم، الحية الذكر، وقيل: الذي يقوم على ذَنَبه ويواثب الفارس. وقوله: "أقرع" هو الذي تقرع رأسه أي: تَمَعَّط، لكثرة سمه. وفي كتاب أبي عبيد: سُمي أقرع لأن شعر رأسه يتمعَّط لجمعه السم فيه. وتعقبه القَزَّاز بأن الحية لا شعر برأسها، فلعله يذهب جلد رأسه، وفي تهذيب الأزهري: سمي أقرع لأنه يَقْرِي السم، ويجمعه في رأسه حتى يتمعَّط فروة رأسه. قال ذو الرمة:
قَرَى السم حتى انمار فروة رأسه
…
عن العظمِ صلّ قاتلُ اللسعِ ما رِدُه
وقال القرطبي: الأقرع من الحيات الذي ابيضّ رأسه من السم، ومن الناس الذي لا شعر برأسه.
وقوله: "له زبيبتان" تثنية زبيبة، بفتح الزاي وموحدتين، وهما الزبدتان اللتان في الشدقين، يقال: تكلم حتى زَبَّب شَدْقاه، أي: خرج الزَّبَد منهما. وقيل: هما النكتتان السوداوان فوق عينيه، وقيل: نقطتان يكتنفان فاه، وقيل: هما في حلقه بمنزلة زَنَمَتْي العنز. وقيل: لحمتان على رأسه مثل القرنين، وقيل: نابان يخرجان من فيه.
وقوله: "يُطَوَّقُه" بضم أوله وفتح الواو الثقيلة، يصير له ذلك الثعبان طوقًا. وقوله:"ثم يأخذ بلِهْزِمتيه" فاعل يأخذ هو الشجاع، والمأخوذ يد صاحب المال كما وقع مبينًا في رواية همّام عن أبي هريرة الأتية في ترك الحيل بلفظ "لا يزال يطلبه حتى يبسط يده، فيلقمها فاه" واللِّهْزِمة، بكسر اللام وسكون الهاء بعدها زاي مكسروة، وقد فسَّر في الحديث بالشدقين، وفي الصحاح: هما العظمان الناتئان في اللَّحْيَين تحت الأُذنين، وفي الجامع: هما لحم الخدين الذي يتحرك إذا أكل الإنسان.
وقوله: "ثم يقول: أنا مالُك، أنا كنزك" وفائدة هذا القول الحَسْرة والزيادة في التعذيب، حيث لا ينفعه الندم. وفيه نوع من التهكم، وزاد في ترك الحيل عن همام عن أبي هريرة "يفر منه صاحبه ويطلبه" وفي حديث ثوبان عند ابن حِبّان "يتبعه فيقول: أنا كنزك الذي تركته بعدك، فلا يزال يتبعه حتى يلقمه يده، فيمضغها، ثم يتبعه سائر جسده" ولمسلم عن جابر:"يتبع صاحبه حيث ذهب، وهو يفر منه، فإذا رأى أنه لابد منه أدخل يده في فيه، فجعل يقضمها كما يقضم الفحل" وللطبرانيّ عن ابن مسعود: "ينقر رأسه".