الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب مثل المتصدق والبخيل
قال الزين بن المنير: قام التمثيل في خبر الباب مقام الدليل على تفضيل المتصدق، فاكتفى المصنف بذلك عن أن يُضَمِّن الترجمة مقاصد الخبر على التفصيل.
الحديث السابع والأربعون
حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ، عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ".
هذا الحديث يأتي الكلام عليه في الذي بعده.
رجاله خمسة:
قد مرّوا، مرّ موسى بن إسماعيل في الخامس من بدء الوحي، ومرّ وهيب في تعليق بعد الخامس عشر من الإيمان، وأبو هُريرة في الثاني منه، ومرّ عبد الله بن طاوس في الرابع والثلاثين من الحيض، ومرّ أبوه في باب "مَنْ لم يتوضأ إلا من المخرجين" بعد الأربعين من الوضوء.
الحديث الثامن والأربعون
ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُنْفِقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ، عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، مِنْ ثُدِيِّهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا، فَأَمَّا الْمُنْفِقُ فَلَا يُنْفِقُ إِلَاّ سَبَغَتْ أَوْ وَفَرَتْ عَلَى جِلْدِهِ حَتَّى تُخْفِيَ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ، وَأَمَّا الْبَخِيلُ فَلَا يُرِيدُ أَنْ يُنْفِقَ شَيْئًا إِلَاّ لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا، فَهُوَ يُوَسِّعُهَا وَلَا تَتَّسِعُ".
لم يسق المصنف المتن من الطريق الأُولى هنا، وقد أورده في الجهاد عن موسى بهذا الإسناد، فساقه بتمامه. وقوله:"مثل البخيل والمنفق" وقع عند مسلم عن سفيان عن أبي الزناد "مثل المنفق والمتصدق". قال عياض: وهو وهم، ويمكن أن يكون حذف مقابلة لدلالة السياق عليه، لكن رواه الحميديّ. وأحمد وابن أبي عمر في مسانيدهم عن ابن عُيينة فقالوا في رواياتهم:"مثل المنفق والبخيل"، كما في رواية شُعيب عن أبي الزناد، وهو الصواب. وفي رواية الحسن بن مُسْلم عن طاووس "ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مَثَل البخيل والمتصرف" أخرجها المصنف في اللباس.
وقوله: "عليهما جُبتان من حديد" كذا في هذه الرواية، بجيم بعدها موحدة، ومن رواه فيها بالنون، فقد صحّف، وكذا رواية الحسن بن مسلم. ورواه حنظلة بن أبي سفيان عن طاووس بالنون، ورجحت، لقوله من حديد، والجنة في الأصل الحصف وسميت بها الدرع، لأنها تِجن صاحبها أي: تُحصّنه، والجبة بالموحدة، ثوب مخصوص، ولا مانع من إطلاقه على الدرع. واختلف في رواية الأعرج، والأكثر على أنها بالموحدة.
وقوله: "من ثُديهما" بضم المثلثة، جمع ثدي، وتراقيهما، بمثناة وقاف جمع تَرْقُوة، والتَّرْقُوتان: العظمان والمشرفان في أعلى الصدر من رأس المَنْكِبَين إلى طرف ثُغْرة النحر. وقوله: "سبغت" أي: امتدت وغطت. وقوله: "أو وفرت" شك من الراوي، وهو بتخفيف الفاء من الوفور، وفي رواية الحسن بن مسلم "انبسطت" وفي رواية أعرج "اتسعت عليه" وكلها متقاربة.
وقوله: "حتى تخفي بَنَانه" أي: تستر أصابعه، وللحميدي "حتى تَجِنُّ" بكسر الجيم وتشديد النون، وهي بمعنى تخفي، وبَنَانه، بفتح الموحدة ونونين، الأولى خفيفة، الأُصبع، ورواه بعضهم "ثيابه" بمثلثة، وبعد الألف موحدة، وهو تصحيف، وفي رواية الحسن بن مسلم "حتى تغشى" بمعجمتين "أناملَه"، وقوله:"وتعفو أثره" بالنصب، أي: تستر أثره. يقال: عما الشيءُ وعَفوْته أنا، لازم ومتعد، ويقال: عفت الدار إذا غطّاها التراب، والمعنى: أَن الصدقة تستر خطاياه، كما يغطي الثوبُ الذي يجر على الأرض أَثَر صاحبه إذا مشى، بمرور الذيل عليه.
وقوله: "لزقت" في رواية مسلم: "انقبضت" وفي رواية همام "غاصت كل حلقة مكانها" وفي رواية سفيان عند مسلم "قَلَصَت" والمفاد واحد، لكن الأُوْلى نظر فيها إلى صورة الضيق، والأخيرة نظر فيها إلى سبب الضيق، وزعم ابن التين أن فيه إشارة إلى أن البخيل يكون بالنار يوم القيامة.
قال الخطابيّ وغيره: هذا مَثَلٌ ضربه النبي صلى الله عليه وسلم للبخيل والمتصدق، فشببههما برجلين أراد كل واحد منهما أن يَلْبَس درعًا يستتر به من سلاح عدوه، فصبها على رأسه ليلبسها، والدروع أول ما تقع على الصدر والثديين إلى أن يُدخل الإنسان يديه في كميها، فجعل المنفق كمن لَبِس درعًا سابغةً، فاسترسلتْ عليه حتى سترت جميع بدنه، وهو معنى قوله:"حتى تَعْفُو أثره" أي: تستر جميع بدنه.
وجعل البخيل كمثل رجل غُلَّت يداه إلى عنقه، كلما أراد لُبْسَها اجتمعت في عنقه، فلزمت تَرْقُوته، وهو معنى قوله:"قَلَصَت" أي: تَضَامَّت واجتمعت. والمراد أن الجواد إذا هم بالصدقة انفسح لها صدره، وطابت نفسه، فتوسعت في الإنفاق. والبخيل إذا حدث نفسه بالصدقة، شحت نفسه، فضاق صدره، وانقبضت يداه. ومن يوق شح نفسه، فأولئك هم المفلحون.
وقال المهلب: المراد أن الله يستر المنفق في الدنيا والآخرة بخلاف البخيل، فإنه يفضحه. ومعنى "تعفو أثره" تمحو خطاياه، وتعقبه عياض بأن الخبر جاء على التمثيل لا على الإخبار ع ن كائن. قال: وقيل: هو تمثيل لنماء المال بالصدقة، والبخل بضده. وقيل: تمثيل لكثرة الجود