الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما يستخرج من البحر
أي: هل تجب فيه الزكاة أو لا؟ إطلاق الاستخراج أعم من أن يكون بسهولة، كما يوجد في الساحل أو بصعوبة كما يوجد بعد الغوص ونحوه. ثم قال: وقال ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما: ليس العنبر بركاز، إنما هو شيء دَسَرَه البحر. اختلف في العنبر، فقال الشافعيُّ في الأم: أخبرني عدد ممن أوثق بخبره أنه نبات يخلقه الله في جنبات البحر. قال: وقيل إنه يأكله حوت فيموت، فيلقيه البحر، فيؤخذ فيشق بطنه، فيخرج منه. وقال محمد بن الحسن: إنه ينبت في البحر بمنزلة الحشيش في البر. وقيل: هو شجر ينبت في البحر فينكسر، فيلقيه الموج إلى الساحل. وقيل: يخرج من عَين. قال ابن سينا: وقال وما يحكى من أنه روث دابة أو قيؤها، أو من زَبَد البحر بعيدٌ. وقال ابن البيطار: هو روث دابة بحرية، وقيل: هو شيء بنبت في قعر البحر. ثم حكى نحو ما تقدم عن الشافعيّ، ويأتي في الباب الذي بعده تحقيق الركاز.
وقوله: دسره، أي دفعه ورماه إلى الساحل، وهذا التعليق وصله الشافعيّ، وأخرجه البيهقيّ من طريقه، وأخرجه ابن أبي شَيبة في مصنفه عن وكيع، وقد جاء عن ابن عباس التوقف فيه، ويجمع بين القولين بأنه كان يشك فيه، ثم تبين له أنه لا زكاة فيه، فجزم بذلك. وابن عباس مرَّ في الخامس من بدء الوحي.
ثم قال: وقال الحسن: في العنبر واللؤلؤ الخمس. وهذا التعليق وصله أبو عبيد في كتاب الأموال، والحسن البصريّ مرَّ في الرابع والعشرين من الإيمان.
ثم قال: فإنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم في الركاز الخمس، ليس في الذي يصاب في الماء. سيأتي موصولًا في الذي بعده، وأراد بذلك الرد على ما قال الحسن، لأن الذي يستخرج من البحر لا يسمى في لغة العرب ركازًا، كما سيأتي شرحُه قريبًا. قال ابن القَصّار: ومفهومُ الحديث أن غير الرَّكاز لا خُمس فيه، ولاسيما اللؤلؤ والعنبر، لأنهما يتوالدان من حيوان البحر، فأشبها السمك.
الحديث المئة
وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا، فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ
دِينَارٍ، فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ فَأَخَذَهَا لأَهْلِهِ حَطَبًا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ.
هكذا أورده هنا مختصرًا، وقد أورده مطولًا في الكفالة، وسأشرحه هنا إن شاء الله تعالى، على ما في الكفالة، ووقع هنا في رواية أبي ذَرٍّ معلقًا، ووصله أبو ذَرٍّ عن علي بن وَصيف عن محمد بن غسان عن عبد الله بن صالح عن الليث به، وفي خط أبي عليّ الصدفيّ في هذا الحديث "رواه عاصم بن علي عن الليث"، فلعل البخاريّ إنما لم يسنده عنه لكونه ما سمعه منه، أو لكونه تفرّد به، فلم يوافقه عليه أحد، والأول بعيد سلمنا لكن لم ينفرد به عاصم، فقد اعترف أبو عليّ بذلك، فقال في آخر كلامه: رواه محمد بن رمح عن الليث، وكأنه لم يقف على الموضع الذي وصله فيه البخاريّ عن عبد الله بن صالح.
قال الإسماعيليّ ليس في هذا الحديث شيء يناسب الترجمة، رجل اقترض قرضًا فارتجع قرضه، وكذا قال الداودي: حديث الخشبة ليس من هذا الباب في شيء. وأجاب أبو عبد الملك بأنه أشار به إلى أن كل ما ألقاه البحر جاز أخذه، ولا خُمس فيه. وقال ابن المنير: موضع الاستشهاد منه أخذ الرجل الخشبة على أنها حطب، فإذا قلنا: إنَّ شرع من قبلنا شرع لنا، فيستفاد منه إباحة ما يلفظه البحر من مثل ذلك، مما نشأ في البحر أو عطب فانقطع ملك صاحبه. ولذلك ما لم يتقدم عليه ملك لأحد من باب أوْلى، وكذلك ما يحتاج إلى معاناة وتعب في استخراجه أيضًا.
وقد فرق الأوزاعيّ بين ما يوجد في الساحل، فيخمس، أو في البحر بالغوص ونحوه، فلا شيء فيه. وذهب الجمهور إلى أنه لا يجب فيه شيء إلا ما روى عن عمر بن عبد العزيز، كما أخرجه ابن أبي شيبة، وكذا الزّهريّ والحسن كما تقدم، وهو قول أبي يوسف، ورواية عن أحمد.
وقوله: إن رجلًا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، في رواية أبي سلمة "أن رجلًا من بني إسرائيل كان يسلف الناس، إذ أتاه الرجل بكفيل" لم يعرف اسم هذا الرجل، إلا أنه في مسند الصحابة الذين نزلوا مصر، لمحمد بن الربيع الجيزيّ، بإسناد له فيه مجهول، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، يرفعه "أن رجلًا جاء إلى النجاشيّ فقال له: أسلفني ألف دينار إلى أجل، فقال: من الحَميلُ بك؟ فقال: الله، فأعطاه الألف، فضرب الرجل، أي: سافر، بها في تجارة، فلما بلغ الأجل أراد الخروج إليه فحبسه الريح، فعمل تابوتًا". فذكر الحديث مثل حديث أبي هريرة.
واستفيد منه أن الذي أقرض هو النجاشيّ، فيجوز أنَّ نسبته إلى بني إسرائيل بطريق الاتباع، لا أنه من نسلهم. وقوله: كفى بالله كفيلا، قال: صدقت، في رواية أبي سلمة: سبحان الله، نعم. وقوله: فدفعها إليه، أي الألف دينار، وفي رواية أبي سلمة:"فعدله ستمائة دينار". والأول أرجح، لموافقته حديث عبد الله بن عمرو، ويمكن الجمع بينهما باختلاف العدد والوزن، مثلًا ألفًا والعدد
ست مئة أو بالعكس، وقوله: فخرج في البحر فقضى حاجته، في رواية أبي سلمة "فركب الرجل البحرَ بالمال يتَّجر فيه، فقدر الله أنْ حل الأجل وارتَجّ البحر بينهما" وقوله: فلم يجد مركبًا، زاد في رواية أبي سَلَمة "وغدا رب المال إلى الساحل يسأل عنه، ويقول: اللهم اخلفني، وإنما أعطيت لك". وقوله: فأخذ خشبة، فنقرها، أي حفرها. وفي رواية أبي سلمة: فنجر خشبة، وفي حديث عبد الله بن عمرو: فعمل تابوتًا، وجعل فيه الألف. وقوله: وصحيفة منه إلى صاحبه، في رواية أبي سلمة: وكتب إليه صحيفة من فلان إلى فلان، إني دفعت مالك إلى وكيلي الذي توكّل به. وقوله: ثم زَجَّجَ موضعها، كذا للجميع، بزاي وجيمين، قال الخطابيّ: أي: سوى موضع النقر وأصلحه، وهو من تزجيج الحواجب، وهو حذف زوائد الشعر، ويحتمل أن يكون مأخوذًا من الزُّج، وهو النصل، كأن يكون النقر في طرف الخشبة، فشد عليه زُجًّا ليمسكه، ويحفظ ما فيه. وقال عياض: معناه سَمَّرها بمسامير كالزُّج أو حشي شُقوقها لصاقها بشيء ورقعه بالزُّج. وقال ابن التين: معناه أصلح موضع النقر.
وقوله: تسلَّفت فلانًا، كذا وقع فيه، والمعروف تعديته بحرف الجر كما في رواية الإسماعيلي "استسلفت من فلان". وقوله: فرضي بذلك، كذا للكشميهنيّ ولغيره "فرضي به" وفي رواية الإسماعيليّ "فرضي بك" وقوله: إني جَهَدت، بفتح الجيم والهاء، وزاد في حديث عبد الله بن عمرو: فقال: اللهم أدّ جمالتك. وقوله. حتى وَلَجت فيه، بتخفيف اللام، أي دخلت في البحر. وقوله: فلما نشرها أي: قطعها بالمنشار. وقوله: وجد المال، في رواية النَّسائيّ: فلما كسرها، وفي رواية أبي سَلَمة: وغدا رَبُّ المالِ يسأل عن صاحبه، كما كان يسأل، فيجد الخشبة فيحملها إلى أهله، فقال: أوقدوا هذه فكسروها، فانتثرت الدنانير منها، والصحيفة فقرأها، وعرف.
وقوله: ثم قدم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار، وفي رواية أبي سلمة: ثم قدم بعد ذلك، فأتاه رب المال، فقال: يا فلان، الي، قد طالت النّطِرَة. فقال: أما مالُك فقد دفعتُه إلى وكيلي، وأما أنت فهذا مالُك. وفي حديث عبد الله بن عُمر: وإنه قاله له: هذه ألفك، فقال النجاشيّ: لا أقبلها منك حتى تخبرني ما صنعت، فأخبره فقال: لقد أدّى الله عنك. وقوله: وانصرف بالألف راشدًا، في حديث عبد الله بن عمرو: قد أدّى اله عنك، وقد بلغنا الألف في التابوت، فأمسك عليك ألفك. زاد أبو سلمة في آخره: قال أبو هريرة: ولقد رأيتنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر مراؤنا ولَغَطُنا أيهما آمن.
وفي الحديث جواز الأجل في القرض، ووجوب الوفاء، وقيل: لا يجب، وهو من باب المعروف، وفيه التحديث عما كان في بني إسرائيل وغيرهم من العجائب، للاتعاظ والإِتساء، وفيه التجارة في البحر. وجواز ركوبه. وفيه بداءة الكاتب بنفسه، وفيه طلب الشهود في الدَّيْن، وطلب الكفيل به، وفيه فضل التوكُّل على الله، وإنَّ من صح تركه تكفل الله بنصره وعونه.