الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقع في حديث عوف بن مالك الآتي في الجزية، ذكرُ علامة أخرى مباينة لعلامة الحالة الثانية في حديث عوف بن مالك، رفعه "بين يدي الساعة موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم مَوَتان، ثم استفاضة المال حتى يعطي الرجل منه مئة دينار فيظل ساخطًا
…
" الحديث.
الحالة الثانية: الإشارة إلى فيضه من الكثرة، بحيث أن يحصل استغناء كل أحد عن أخذ مال غيره، وكان في آخر عصر الصحابة، وأول عصر مَنْ بعدهم، ومن ثم قيل: يهتم رب المال، وذلك ينطبق على ما وقع في زمن عمر بن عبد العزيز.
الحالة الثالثة: فيه الإشارة إلى فيضه، وحصول الاستغناء لكل أحد، حتى يهتم صاحب المال بكونه لا يجد من يقبل صدقته، ويزداد بأنه يعرضه على غيره، ولوكان ممن لا يستحق الصدقة، فيأبى أخذه، فيقول: لا حاجة لي فيه. وهذا في زمن عيسى عليه السلام، ويحتمل أن يكون هذا الأخير خروجُ النار واشتغال الناس بأمر الحشر، فلا يلتفت حينئذ إلى المال، بل يقصد أن يتخفف ما استطاع.
وقوله: "حتى يَهُمّ ربَّ المال" بفتح أوله وضم الهاء، ورب المال منصوب على المفعولية، وفاعله قوله:"من يقبله". يفال: همه الشيء: أُحْزنه، ويروى بضم أوله، يقال أَهَمه الأمر: أقلقه. وقال النّوويّ في شرح مسلم: ضبطوه بوجهين: أشهرهما بضم أوله وكسر الهاء، ورب المال مفعول، والفاعل "من يقبل" أي: يحزنه. والثاني بفتح أوله وضم الهاء، ورب المال فاعل، ومَنْ مفعوله، أي يقصد.
وقوله: "لا أرب لي" زاد في الفتن "به" أي: لا حاجة لي به، لاستغنائي عنه.
رجاله خمسة:
قد مرّوا، مرَّ أبو اليمان وشعيب في السابع من بدء الوحي، وأبو الزناد والأعرج في السابع من الإيمان، وأبو هريرة في الثاني منه.
الحديث الثامن عشر
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ أَخْبَرَنَا سَعْدَانُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُجَاهِدٍ حَدَّثَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ الطَّائِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ رضي الله عنه يَقُولُ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَهُ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا يَشْكُو الْعَيْلَةَ، وَالآخَرُ يَشْكُو قَطْعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا قَطْعُ السَّبِيلِ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكَ إِلَاّ قَلِيلٌ حَتَّى تَخْرُجَ الْعِيرُ إِلَى مَكَّةَ بِغَيْرِ خَفِيرٍ، وَأَمَّا الْعَيْلَةُ فَإِنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ حَتَّى يَطُوفَ أَحَدُكُمْ بِصَدَقَتِهِ لَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا مِنْهُ، ثُمَّ لَيَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ وَلَا تُرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ: أَلَمْ أُوتِكَ مَالاً؟ فَلَيَقُولَنَّ: بَلَى. ثُمَّ لَيَقُولَنَّ: أَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ رَسُولاً؟
فَلَيَقُولَنَّ: بَلَى. فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَاّ النَّارَ، ثُمَّ يَنْظُرُ عَنْ شِمَالِهِ فَلَا يَرَى إِلَاّ النَّارَ، فَلْيَتَّقِيَنَّ أَحَدُكُمُ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ".
قوله: "حتى يطوف أحدكم بصدقته، لا يجد مَنْ يقبلها منه" قد مرَّ ما قيل فيه في الحديثين اللذين قبله، ومرّ أن الذي في حديث عديّ يؤيد أن هذه الكثرة ليست من أشراط الساعة، بل هي الواقعة في زمن عمر بن عبد العزيز، وذلك لأن الذي رواه عَدِي ثلاثة أشياء، أمْن الطرق، والاستيلاء على كنوز كسرى، وفقد مَنْ يقبل الصدقة من الفقراء، فذكر عديّ أن الأوَّلَين وَقَعا، وشاهدهما. وأن الثالث سيقع، فكان كذلك بعد موت عدي، في زمن عمر بن عبد العزيز.
وقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث: "ولئن طالت بك حياةٌ، لتجدنَّ الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة، .. " إِلى آخره أدل دليل على ذلك. وقوله: "يشكو العَيْلة" بفتح العين المهملة، أي: الفقر، من عال إذا افتقر. قال تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} وقوله: قطع السبيل، هو من فساد قطاع الطريق. وقوله:"العِير" بكسر العين وسكون الياء: الإبل التي تحمل المِيْرة. وقيل: القافلة من الإبل والدوابّ، تحمل الطعام وغيره من التجارة. وأصلها عُيْر، بالضم، كسُقف وسِقف، إِلا أنه حوفظ على الياء بالكسرة، نحو عِين.
وقوله: "خَفير" بفتح الخاء المعجمة: المجير الذي يكون القوم في ضمانه وذمته. وقوله: "بين يدي الله" هو من المتشابهات، كاليمين ونحوه، والأمة في أمثالها طائفتان: المفوِّضة والمؤُوِّلة بما يناسبها. وقوله: "ولا تُرجمان" بضم التاء وفتحها والجيم مضمومة فيهما، والتاء أصلية، وقيل: زائدة، وقيل: بفتح الجيم، على وزن زَعْفران، وهذا على جهة التمثيل ليفهم الخطاب، فإن الله تعالى لا يحيط به شيء، ولا يحجبه، وإنما يستتر تعالى عن أبصارنا بما وضع فيها من الحجب، للعجز عن الإِدراك في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة كشف تلك الحجب عن أبصارنا، وقوّاها حتى نراه معاينة، كما نرى القمر ليلة البدر، كما ثبت في الأحاديث الصحاح.
وقوله: "فليتقينَّ أحدكم النار" وهذا أمر مؤكد بالنون الثقيلة وبلام الأمر، وفي رواية:"ولو بِشِق تمرة" بكسر المعجمة، نصفها أو جانبها، أي: ولو كان الاتقاء بالتصدُّق بِشِق تمرة واحدة، فإنه يفيد. وفي الطبرانيّ عن فَضَالة بن عبيد مرفوعًا:"اجعلوا بينكم وبين النار حجابًا، ولو بِشِق تمرة" ولأحمد عن ابن مسعود مرفوعًا بإسناد صحيح "ليتق أحدكم وجهه بالنار ولو بشق تمرة" وله عن عائشة بإسناد حسن "يا عائشة: استتري من النار، ولو بِشِق تمرة، فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان" ولأبي يعلى عن أبي بكر الصديق نحوه وأَتم منه، بلفظ:"تقع من الجائع موقعها من الشبعان" وكأنّ الجامع بينهما في ذلك الحلاوة.
وقوله: "فإن لم يجد فبكلمة طيبة" أي: فإن لم يجد أحدكم شيئًا يتصدق بيما على المحتاج، فليرده بكلمة طيبة، وهي التي فيها تطييب قلب، فدل على أن الكلمة الطيبة يُتّقى بها، كما أن