الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: قدمه في اللحد مما يلي القبلة، وحق لقارىء القرآن الذي خالط لحمه ودمه، وأخذ بمجامعه أن يقدم على غيره في حياته في الإِمامة، وفي مماته في القبر. وفيه تقديم الأفضل فيقدم الرجل ولو أمِّيًا ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة فإن اتحد النوع، قدم بالأفضلية المعروفة في نظائره، كالأفقه والأقرأ، إلا الأب فيقدم على الابن، وإنْ فَضَله للابن لحرمة الأبوة، وكذا الأم مع البنت.
رجاله ستة:
قد مرّوا، مرَّ محمد بن مقاتل في السابع من العلم، وعبد الله بن المبارك في السادس من بدء الوحي، والباقون هم رجال الذي قبله.
ثم قال: قال ابن المبارك: وأخبرنا الأوزاعي عن الزهريّ عن جابر بن عبد الله، رضي الله تعالى عنهما، "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لقتلى أُحُد: أيّ: هؤلاء أكثر أخذًا للقرآن؟ فهذا أشير له إلى رجل قدمه في اللحد قبل صاحبه"، وقال جابر: "فكفن أبي وعمي في نَمِرَة واحدة".
قوله: قال ابن المبارك، في رواية أبي ذرٍّ "وأخبرنا ابن المبارك" وهو بالإِسناد الأول محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا الأوزاعيّ عن الزُّهريّ. وقوله عن جابر، منقطع، لأن ابن شهاب لم يسمع من جابر، زاد ابن سعد في الطبقات "عن الوليد بن مسلم حدثني الأوزاعي" بهذا الإِسناد قال:"زمِّلوهم بجراحهم، فإنّي أنا الشهيد عليهم، ما من مسلم يُكْلَم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة يسيل دمًا .. " الحديث.
وقوله: وقال جابر: فكفن أبي وعمي، عمه المراد به عمرو بن الجَمُوح الآتي تعريفه قريبًا، وكان صديق والد جابر، وزوج أخته هند بنت عمرو، وكان جابرًا سماه عمه تعظيمًا له. قال ابن إسحاق في المغازي: حدثني أبي عن رجال من بني سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال حين أصيب عبد الله بن عمرو، وعمرو بن الجَموح:"اجمعوا بينهما، فإنهما كانا متصادقين في الدنيا" وفي مغازي الواقديّ عن عائشة أنها رأت هند بنت عمرو تسوق بعيرًا لها، عليه زوجها عمرو بن الجموح، وأخوها عبد الله بن عمرو بن حَرام لتدفنهما بالمدينة، ثم أمر صلى الله عليه وسلم بِرَدِّ القتلى إلى مضاجعهم.
وأما قول الدمياطيّ أن قوله "وعمي" وهمٌ، فليس بجيد، لأن له محملًا سائغًا، والتجوز في مثل هذا يقع كثيرًا. وحكى الكرمانيّ عن غيره أن قوله "وعمي" تصحيف من عمرو، وقد روى أحمد بإسناد حسن عن أبي قتادة قال: قتل عمرو بن الجموح وابن أخيه يوم أحد، فأمر بهما النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلا في قبر واحد".
قال ابن عبد البَرّ في "التمهيد" ليس هو ابن أخيه، إنما هو ابن عمه، وهو كما قال، فلعله كان أسن منه. وقوله: في نمرة، أي بفتح النون وكسر الميم، بردة من صوف أو غيره مخططة. وقال الفراء: هي دراعة فيها لونان: سواد وبياض، ويقال للسحابة إذا كانت كذلك نمرة. وذكر الواقديّ في المغازي، وابن سعد، أنهما كَفنا في نمرتين، فإن ثبت حمل على أن النمرة الواحدة شقت بينهما نصفين. والذي كفن معه في النمرة هو الذي دفن معه في قبر.
رجاله رجال ما قبله إلا الأوزاعي، قد مرَّ في العشرين من العلم، ومرَّ عبد الله بن حرام في السابع من الجنائز، وعمه المراد به عمرو بن الجموح بن زيد بن حَرام بن كعب بن غنم بن سَلَمة الأنصاري السلمي من سادات الأنصار. واستشهد يوم أُحُد، قال بان إسحاق في المغازي: كان عمرو بن الجموح سيدًا من سادات بني سَلَمة، وشريفًا من أشرافهم. وكان قد اتخذ في داره صنمًا من خشب يعظِّمه، فلما أسلم فتيان بني سلمة، منهم ابنه مُعاذ بن جبل، كانوا يدخلون على صنم عمرو، فيطرحونه في حفرة من حفر بني سلمة، فيغدو عمرو فيجده منكبًا لوجهه في العِذرة، فيأخذه ويغسله ويطيبه، ويقول: لو أعلم من صنع هذا بك لأخزيته، ففعلوا ذلك مرارًا، ثم جاء بسيفه فعلقه عليه، وقال: إن كان بك خير فامتنع، فلما أسمى أخذوا كلبًا ميتًا فربطوه في عنقه، وأخذوا السيف، فأصبح فوجده كذلك، فأبصر رُشْدَه، وقال في ذلك أبياتًا منها:
تاللهِ لو كنتَ إلها لم تكنْ
…
أنتَ وكلبٌ وَسْطَ بيرٍ في قَرَنْ
قال ابن الكلبي: كان عمرو بن الجَموح آخر الأنصار إسلامًا، وفي الإصابة عن جابر بطرق كثيرة جدًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سيدكم يا بني سَلَمة؟ فقالوا: الجَدَّ بن قيس، على أننا نُبَخِّله. فقال بيده هكذا، ومد يده، وقال: وأي داء أدوء من البخل؟ بل سيدكم عمرو بن الجموح".
وكان عمرو بن الجموح يُولم على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تزوج، وفي رواية "بل سيدكم الأبيض الجَعدْ عمرو بن الجموح". وفي ذلك يقول بعض الأنصار:
وقال رسول الله، والحقُّ قوله
…
لمن قال منا: من تسمون سيدًا
فقالوا له جَد بن قيس على التي
…
بنخله فيها وأنْ كان أسودًا
فتى ما تخطَّى حظوة لدنية
…
ولا مد في يوم إلى سوءَة يدًا
فسوّد عمرو بن الجموح لجُودهِ
…
وحقٌ لعمرو بالندا أن يسودا
إذا جاءه السؤال أنْهَبَ مالَه
…
وقال: خذوه إنه عائد غدًا
فلو كنت يا جد بن قيس على التي
…
على مثلها عمرو، لكنت المسَوَّدا
وذكر ابن إسحاق ومعمر هذه القصة في بشر بن البراء بن معرور، وكان عمرو بن الجموح
أعرج، فقيل له يوم أُحُد: والله ما عليك من حرج، لأنك أعرج، فأخذ سلاحه وولّى وقال: والله إني لأرجو أنْ أطأَ بعرجتي هذه في الجنة، ثم أقبل على القِبلة وقال: اللهم ارزقني الشهادة، ولا تردني إلى أهلي خائبًا، فلما قتل يوم أحد، جاءت زوجته هند بنت عمرو بن حَرام، فحملته وحملت أخاها عبد الله على بعير، ودفنا معًا في قبر واحد، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده إن منكم من لو أقسم على الله لأبَرَّه، منهم عمرو بن الجموح، ولقد رأيته في الجنة يطأ بعرجته".
وروى ابن أبي شيبة عن أبي قتادة قال: أتى عمرو بن الجموح النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل، تراني أمشي برجلي هذه في الجنة؟ فقال:"نعم"، وكانت عرجاء، فقتل هو وابن أخيه، فمر النبي صلى الله عليه وسلم به، فقال:"إني أراك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة". وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما ومولاهما، فجعلوا في قبر واحد، وأنشد له المرْزُبانيّ لما أسلم قوله:
أتوب إلى الله سبحانه
…
واستغفر الله من ناره
وأثني عليه بآلائه
…
بإعلان قلبي وإسراره
ثم قال: وقال سليمان بن كثير: حدثني الزُّهريّ من سمع جابرًا رضي الله تعالى عنه، وفي هذه الرواية إبهام شيخ الزهري، وقد مرَّ البحث فيه قبل بابين. قال الدارقطني في التتبع اضطراب فيه الزهري، وأجيب بمنع الاضطراب لأن الحاصل من الاختلاف فيه على الثقات أنّ الزهريّ حمله عن شيخين، وأما إبهام سُليمان لشيخ الزُّهريّ، وحذف الأوزاعي له فلا يؤثر ذلك في رواية من سماه، لأن الحجة لمن ضبط، وزاد إذا كان ثقة، لاسيما إذا كان حافظًا. وأما رواية أسامة وابن عبد العزيز، فلا تقدح في الرواية الصحيحة، لضعفهما. وقد بينا فيما مرَّ أن البخاريّ صرح بغلط أسامة فيه.
وفي الحديث فضيلة ظاهرة لقارىء القرآن، ويلحق به أهل الفقه والزهد وسائر وجوه الفضل. وهذا التعليق موصول في الزُّهريات للذُّهلي، وسليمان بن كثير مرَّ في التاسع والثلاثين من الجمعة، ومرَّ الزهريّ والراوي المبهم، الذي هو عبد الرحمن بن كعب، وجابر، في حديث المئة قبل هذا بأربعة أحاديث. ثم قال المصنف: