الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب
كذا للأكثر، وبه جزم الإسماعيليّ، وسقط لأبي ذَرٍّ، فعلى روايته هو من ترجمة فضل صدقة الصحيح، وعلى رواية غيره فهو بمنزلة الفصل منه، وأورد فيه المصنف قصة سؤال أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أيتهن أسرع لحوقًا به؟ وفيه قوله لهنَّ: "أطولكنّ يدًا
…
" الحديث، ووجه تعلقه بما قَبْلَه أنَّ هذا الحديث تضمّنَ أن الإيثار والاستكثار من الصدقة في زمن القدرة على العمل، سببٌ للحاقِ بالنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك الغاية في الفضيلة. قاله الزين بن المنير.
وقال ابن رشيد: وجه المناسبة أنه تبيَّن في الحديث أنّ المراد بطول اليد، المقتضي للحاق به، الطولُ وذلك إنما يتأتى للصحيح؛ لأنه إنما يحصل بالمداومة في حال الصحة، وبذلك يتم المراد.
الحديث الخامس والعشرون
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ فِرَاسٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قُلْنَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا؟ قَالَ: "أَطْوَلُكُنَّ يَدًا". فَأَخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا، فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا، فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَنَّمَا كَانَتْ طُولَ يَدِهَا الصَّدَقَةُ، وَكَانَتْ أَسْرَعَنَا لُحُوقًا بِهِ وَكَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ.
قوله: " إن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم" قال في "الفتح": لم أقف على تعيين المُسائلة منهن عن ذلك، إلا عند أبي عُوانة بهذا السند، قالت: فقلت، بالمثناة، وأخرجه النَّسائيّ من هذا الوجه بلغظ "فقلن" بالنون، وقوله:"أسرع بك لحوقًا" منصوبًا على التمييز. وكذا قوله: "يدًا" وأطولُكن مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف. وقوله: "فأخذوا قصبة يَذْرَعونها" أي: يَقَدِّرونها بذراع كل واحدة منهن، وإنما ذكره بلفظ جمع المذكر بالنظر إلى لفظ الجمع، لا بلفظ جماعة النساء. وقد قيل في قول الشاعر:
وإن شئت حرمت النساءَ سواكم
إنه ذكره بلفظ جمع المذكر تعظيمًا. وقوله: "أطولكن" يناسب ذلك، وإلّا لقال: طُولاكُنّ.
وقوله: "فكانت سَوْدَة" زاد ابن سعد "بنت زمعة بن قيس". وقوله: "أطولهن يدًا" في رواية عفّان عند ابن سعد "ذراعًا" وهي تعين أنهن فهمن من لفظ اليدِ الجارحةَ. قلت: كذلك لفظ "قَصَبة
يذرعونها" الوارد في حديث الباب، يعين ذلك. وقوله: "فكانت أسرعنا" كذا وقع في الصحيح بغير تعيين، وفي التاريخ الصغير للمصنف عن موسى بن إسماعيل، بهذا الإسناد، فكانت سودةُ أسرعنا .. إلخ. وكذا في رواية عفان عند أحمد وابن سعد، عنه، وقد ساقه يحيى بن حمّاد عن أبي عُوانة مختصرًا ولفظه: "فأخذنَ قصبة يتذارعنها، فماتت سَوْدة بنت زمعة، وكانت كثيرة الصدقة، فعلمنا أنه قال أطولكن يدًا بالصدقة" هذا لفظ عند ابن حِبّان. ولفظه عند النَّسَائيّ:"فأخذنَ قصبة، فجعلنَ يذرعنها، فكانت سَودة أسرعهن به لحوقًا، وكانَت أطولهن يدًا، وكان ذلك من كثرة الصدقة".
وهذا السياق لا يحتمل التأويل، إلا أنه محمول على ما يأتي ذكره من دخول الوهم على الراوي في التسمية خاصة، فقد قال ابن سعد: قال لنا الواقديّ هذا الحديث، وهو في سَودة وإنما هو في زينب بنت جَحش، فهي أول نسائه به لُحوقًا، وتوفيت في خلافة عمر، وبقيت سودة إلى أن توفيت في خلافة معاوية، في شوال سنة أربع وخمسين. وقال ابن بطال: هذا الحديث سقط منه ذكر زينب، لاتفاق أهل السير على أن زينب أول مَنْ مات من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يعني أن الصواب: فكانت زينب أسرعنا إلخ، ولكان يعكر على هذا التأويل تلك الروايات المتقدمة، المصرحة بأن الضمير لسَوَدة.
وفي خط الحافظ أبي علي الصدقي ظاهر هذا اللفظ، أن سودة كانت أسرع، وهو خلاف المعروف عند أهل العلم من أن زينب أوّل مَنْ مات من الأزواج. ثم نقله عن مالك من روايته عن الواقدي قال: ويقويه رواية عائشة بنت طلحة، وهي آتية. وقال ابن الجَوزيّ: هذا الحديث غلط من بعض الرواة، والعجب من البخاري كيف لم ينبه عليه، ولا أصحاب التعاليق، ولا عَلِم بفساد ذلك الخطّابيُّ، فإنّه فسره وقال: لُحوق سَودة به من أعلام النبوءة، وكل ذلك وهم، وإنما هي زينب، فإنها كانت أطولهن يدًا بالعطاء، كما رواه مسلم عن عائشة بنت طلحة عن عائشة بلفظ:"فكانت أطولنا يدًا زينب؛ لأنها كانت تعمل وتتصدق".
وقد جمع بعضهم بين الروايتين، فقال الطيبي: يمكن أن يقال في رواه البخاريّ: المراد الحاضرات من أزواجه دون زينب، وكانت في نسب أوّلهنَّ موتًا، لكن يعكر على هذا أن في رواية يحيى بن حماد عند ابن حِبّان أنَّ نِساء النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعن عنده، لم تغادر منهن واحدة، ثم هو مع ذلك إنما يتأتى على أحد القولين في وفاة سَودة، فقد روى البخاري في تاريخه بإسناد صحيح عن هلال بن سعيد أنه قال: ماتت سَودة في خلافة عمر، وجزم الذهبيّ في "التاريخ الكبير" بأنها ماتت في آخر خلافة عمر.
وقال ابن سيد الناس: إنه المشهور، وهذا يخالف ما أطلقه الشيخ محي الدين، حيث قال: أجمع أهل السير على أن زينت أوّل مَنْ مات من أزواجه، وسبقه إلى نقل الاتفاق ابن بطّال، كما مرَّ، ويمكن الجمع بأن النقل مقيد بأهل السير، فلا يرد نقل قول من خالفهم من أهل النقل ممن
لا يدخل في أهل السير، وأما على قول الواقديّ الذي تقدم، فلا يصح، وقد تقدم عن ابن بطال أن الضمير في قوله:"فكانت" لزينب، وقد مرّ ما يعكر، لكن يمكن أن يكون تفسيره بسودة، من بعض الرواة، لكون غيرها لم يتقدم له ذكر، فلما لم يطلع على قصة زينب، وكونها أوّل الأزواج لُحوقًا به، جعل الضمائر كلها لسَودة، وهذا من أبي عوانة، فقد خالفه في ذلك ابن عُيينة عن فِراس.
وروى يونس بن بكير في زيادات المغازي، والبيهقيّ في الدلائل عن الشعبيّ التصريحَ بأن ذلك لزينب عن عائشة، ولفظه:"قلنا النسوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أينا أسرع بك لُحُوقًا؟ قال: أطولكن يدًا، فأخذنَ يتذارعنَ أيتهنَّ أطول يدًا، فلما توفيت زينب، علمن أنها كانت أطولهن يدًا في الخير والصدقة".
ويؤيده ما روى الحاكم في مستدركه، وقال: على شرط مسلم عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه: "أسرعكن لُحوقًا بي أطولكن يدًا، قالت عائشة: فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، نمد أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيتْ زينب بنت جحش، وكانت امرأة قصيرة، ولم تكن أطولنا، فعرفنا حينئذ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بطول اليد الصدقةَ، وكانت زينب امرأة صناعة باليد، وكانت تدبغ وتَخْرِزُ، وتَصَدَّق في سبيل الله". وهذه رواية مفسِّرة مبيِّنة مرجِّحة لرواية عائشة بنت طلحة في أمر زينب.
قال ابن رشيد: والدليل على أن عائشة لا تعني سَودة قولها: "فعلمنا بعد" إذ قد أخبرت عن سَودة بالطول الحقيقي، ولم تذكر سبب الرجوع عن الحقيقة إلى المجاز إلا الموت، فإذا طلب السامع سبب العدول، لم يجد إلا الإضمار، مع أنه لم يصلح أن يكون المعنى "فعلمنا بعد" أن المخبر عنها، إنما هي الموصوفة بالصدقة، لموتها قبل الباقيات، فينظر السامع ويبحث، فلا يجد إلا زينب، فيتعين الحمل عليه، وهو من باب إضمار ما لا يصلح غيره، كقوله تعالى:{حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} .
قال الزين بن المنير: وجه الجمع أن قولها: "فعلمنا بعد" يشعر إشعارًا قويًا أنهن حملن طول اليد على ظاهره، ثم علمن بعد ذلك خلافه، وأنه كناية عن كثرة الصدقة، والذي علمنه آخرًا خلاف ما اعتقدنه أولًا، وقد انحصر الثاني في زينب، للاتفاق على أنها أولهن موتًا، فتعين أن تكون هي المرادة، وكذلك بقية الضمائر بعد قوله:"فكانت"، واستغنى عن تسميتها لشهرتها بذلك.
وقال الكرمانيّ: يحتمل أن يقال: إن في الحديث اختصارًا أو اكتفاءًا بشهرة القصة لزينب، أو يؤول الكلام بأنَّ الضمير راجع إلى المرأة التي علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها أول مَنْ يلحق به، وكانت كثيرة الصدقة. والأول هو المعتمد وكان هذا هو السر في كون البخاري حذف لفظ سودة من سياق الحديث، لما أخرجه في الصحيح، لعلمه بالوهم فيه، وأنه لما ساقه في "التاريخ" بإثبات ذكرها، ذكر ما يرد عليه عن الشعبيّ عن عبد الرحمن بن أبزى قال: صليت مع عمر على أُم المؤمنين زينب