الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخرج سعيد بن منصور عن فضيل بن عمرو قلت لإبراهيم: إني أُكنَّى أبا النضر، وليس لي ولد، وأسمع الناس يقولون: مَنْ اكتنى وليس له ولد، فهو أبو جَعْر. قال إبراهيم: كان علقمة يكنى أبا شِبل، وكان عقيمًا لا يولد له.
وقوله: جَعْر بفتح الجيم وسكون المهملة، وهو ما يبس من العِذرة في المَجْعر، أي الدُّبر، وشِبل، بكسر المعجمة وسكون الموحدة، وهو ولد الأسد إذا أدرك الصيد. وأخرج المصنف في الأدب المفرد عن علقمة قال: كنّا في عبد الله بن مسعود قبل أن يولد لي، وقد كان ذلك مستعملًا عند العرب، قال الشاعر:
لها كنية عمرو وليس لها عمر
وأخرج ابن أبي شَيبة عن الزُّهريّ قال: كان رجال من الصحابة يكتنون قبل أن يولد لهم، وأخرج الطبرانيّ عن علقمة عن ابن مسعود أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كنّاه أبا عبد الرحمن قبل أن يولد له، وسنده صحيح. قال العلماء: كانوا يكنون الصبيّ تفاؤلًا بأنه سيعيش حتى يولد له، وللأمن من التلقيب، لأن الغالب أنَّ مَنْ يذكر شخصًا فيعظمه، أن لا يذكره باسمه الخاص به، فإذا كانت له كنية أَمِنَ من تلقيبه، ولهذا قال قائلهم: بادروا أبناءكم بالكنى قبل أن تغلب عليه الألقاب. وقالوا: الكنية للعرب كاللقب للعجم، ومن ثم كره للشخص أن يكني نفسه إلا إن قَصَد التعريف.
الحديث الثامن والأربعون والمئة
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُسَنَّمًا.
أي: مرتفعًا كسَنَم البعير، زاد أبو نعيم في "المستخرج": وقبر أبي بكر وعمر كذلك، واستدل به على أن المستحب تسنيم القبور، وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد والمُزَنِيّ والكثير من الشافعية. وادعى القاضي حسين اتفاق الأصحاب عليه، وتعقب بأن جماعة من قدماء الشافعية استحبوا التسطيح، كما نص عليه الشافعي، وبه جزم الماورديّ وآخرون.
وقال البيهقي: إن قول سفيان التمار لا حجة فيه، لاحتمال أن قبره صلى الله عليه وسلم لم يكن في الأول مسنمًا، فقد روى أبو داود والحاكم عن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: دخلت على عائشة فقلت: يا أمّه، اكشفي لي عن قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، فكشفت له عن ثلاثة قبور لا مشرفة، ولا لائطة، مبطوحة ببطحاء العَرْصَة الحمراء. زاد الحاكم "فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمًا، وأبا بكر رأسه بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر رأسه عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كان في خلافة معاوية، فكأنها كانت في الأول مسطحة، ثم لما بني جدار القبر في إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة، من قبل الوليد بن عبد الملك، صَيَّروها مرتفعة.
وقد روى أبو بكر الآجُريّ في كتاب "صفة قبر النبي صلى الله عليه وسلم" عن إسحاق بن عيسى بن بنت داود بن أبي هند عن غُنيم بن بُسطام المَدِينيّ قال: رأيت قبر النبيَّ صلى الله عليه وسلم، في إمارة عمر بن عبد العزيز، فرأيته مرتفعًا نحوًا من أربع أصابع، ورأيت قبر أبي بكر وراء قبره، ورأيت قبر عمر وراء قبر أبي بكر، أسفل منه.
وما استدل به من رواية القاسم بن محمد عند أبي داود يرده أن رواية البخاري في صحيحه أصح وأثبت من رواية أبي داود. والاحتمال لا يرد المنصوص، وأيضًا فقد قال إبراهيم النخعيّ: أخبرني مَنْ رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه: مُسَنَّمة ناشرة من الأرض عليها مرمر أبيض.
وقال الشعبي: رأيت قبور شهداء أُحد مسنمة، وكذا فعل بقبر ابن عمر وابن عباس، رضي الله تعالى عنهم، واستدل الشافعي للتسطيح أيضًا بما رواه التِّرمِذِيّ عن أبي الهياج، قال لي عليّ: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا أدع قبرًا مشرفًا إلَاّ سوَّيته، ولا تمثالًا إلا طمسته. ويجاب عن هذا بأن الشرفة المذكورة فيه هي المبنية التي يطلب بها المباهاة، ورجح المزنيّ التسنيم من حيث المعنى، بأن المسطح يشبه ما يصنع للمجوس، بخلاف المسنمَّ ورجحّه ابن قدامة بأنه يشبه أبنية أهل الدنيا، وهو من شعار أهل البِدع، فكان مكروهًا.
ويرجح التسطيح أيضًا بما رواه مسلم من حديث فَضالة بن عبيد أنه أَمر بقبر فسوِّي ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها. ثم إن الاختلاف في ذلك، أيهما أفضل، لا في أصل الجواز، وذكر الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود بن النجار في كتابه "الدرة الثمينة" أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبر صاحبيه في صُفَّة بيت عائشة، رضي الله تعالى عنها، قال: وفي البيت موضع قبر في السَّهْوَة المشرفة، قال سعيد بن المسيب: فيه يدفن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام.
وأخرج التِّرمِذِيّ عن عبد الله بن سَلَام قال: مكتوب في التوراةِ صفة محمد وعيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام، يدفن معه. قال: أبو داود أحد رواته، وقد بقي في البيت موضع قبر، وفي رواية الطبرانيّ: يدفن عيسى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فيكون قبرًا رابعًا. قال ابن بطال عن المهلب: إنما كرهت عائشة أن تدفن معهم، خشية أن يظن أحد أنها أفضل الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وصاحبيه، فقد سأل الرشيد مالكًا عن منزلة أبي بكر وعمر من النبي صلى الله عليه وسلم في حياته؟ فقال: كمنزلتهما منه بعد مماته، فركاهما بالقرب منه في البقعة المباركة، والتربة التي خلق منها، فاستدل على أنهما أفضل الصحابة باختصاصهما بذلك، وفي "الحلية" لأبي نعيم عن أبي هُريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مولود إلا وقد ذُرَّ عليه من تراب حُفرته. وقال: هذا حديث غريب.
وفي الأصول للحكيم التِّرمِذِيّ عن ابن مسعود، أنَّ المَلَكَ الموكَّل بالرّحم يأخذ النطفة فيعجنها بالتراب الذي يدفن في بقعته، فذلك قوله تعالى:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} وفي "التمهيد" عن عطاء الخراساني أن المَلَكَ ينطلق، فيأخذ من تراب المكان الذي يدفن فيه، فيذره