الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس والمئة
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا حَضَرَ أُحُدٌ دَعَانِي أَبِي مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ مَا أُرَانِي إِلَاّ مَقْتُولاً فِي أَوَّلِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَإِنِّي لَا أَتْرُكُ بَعْدِي أَعَزَّ عَلَيَّ مِنْكَ، غَيْرَ نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّ عَلَيَّ دَيْنًا فَاقْضِ، وَاسْتَوْصِ بِأَخَوَاتِكَ خَيْرًا. فَأَصْبَحْنَا فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ، وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ فِي قَبْرٍ، ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ الآخَرِ فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً غَيْرَ أُذُنِهِ.
قوله: عن جابر، هكذا أخرجه البخاريّ بهذا السند عن جابر، وقال في الفتح: لم أره بعد التتبع الكثير في شيء من كتب الحديث، بهذا الإِسناد إلى جابر، إلا في البخاري. وقد عز على الإِسماعيلي مخرجه فأخرجه في مستخرجه من طريق البخاري، وأما أبو نعيم فأخرجه عن أبي الأشعث عن بشر بن المفضل فقال: عن سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن جابر.
وقال بعده: ليس أبو نضرة من شرط البخاريّ. قال: وروايته عن حسين من عطاء عزيزة جدًا، وطريق سعيد مشهورة عنه، أخرجها أبو داود وابن سعد والحاكم والطبرانيّ من طريقه عن أبي نضرة عن جابر، قال: واحتمل عندي أن يكون لبشر بن المفضل فيه شيخان إلى أن رأيته في المستدرك للحاكم.
أخرجه عن معاذ بن المثنى عن مسدد عن بشر، ما رواه أبو الأشعث عن بشر، وكذا أخرجه في الإِكليل بهذا الإِسناد إلى جابر، ولفظه ولفظ البخاريّ سواء، فغلب على الظن حينئذ أن في هذه الطريق وهمًا، لكن لم يتبين لي من هو، ولم أر من نبّه علي ذلك، وكأن البخاريّ استشعر بشيء من ذلك، فعقب هذه الطريق بما أخرجه عن ابن أبي، نَجيح عن عطاء عن جابر، مختصرًا، ليوضح أن له أصلًا من طريق عطاء عن جابر.
وقوله: ما أراني: هو بضم الهمزة، بمعنى الظن. وذكر الحاكم في المستدرك عن الواقديّ أن سبب ظنه ذلك منامٌ رآه أنه رأى مُبَشِّر بن عبد المُنذر، وكان ممن استشهد ببدر، يقول له: أنت قادم علينا في هذه الأيام، فقصها على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هذه الشهادة. وفي رواية أبي نضرة المذكورة عند ابن السكن عن جابر أن أبان قال له: إني مُعَرض نفسي للقتل الحديث، وقال ابن التين: إنما قال ذلك بناء على ما كان عزم عليه، وإنما قال "من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" إشارة إلى ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، أن بعض أصحابه سيقتل، كما سيأتي في المغازي إن شاء الله تعالى.
وقوله: إنّ عليَّ دينًا، سيأتي حديث دينه مستوفى في البيوع. والوصايا وفي علامات النبوءة، وسأستوفي الكلام عليه عند أول ذكره. وقوله: فاقض، كذا في الأصل بحذف المفعول، وفي رواية الحاكم "فاقضه". وقوله: بأخواتك، وعدة أخوات جابر اختلف فيها، ففي رواية النفقات "هلك أبي وترك سبع بنات أو تسع بنات" وفي المغازي من رواية سفيان عن عمرو "وترك تسع بنات كن لي تسع أخوات"، وفي رواية الشعبي فيها "فترك ست بنات فكان ثلاثًا منهن كن متزوجات أو بالعكس".
قال في الفتح: لم أقف على تسميتهن، فقد أكد عليه بالوصية عليهن مع ما كان في جابر من الخير، فوجب لهن حق القرابة، وحق وصية الأب، وحق اليتيم، وحق الإِسلام.
وقوله: ودفن معه آخر، قد مرَّ الكلام عليه قبل بابين. وقوله: فاستخرجه بعد ستة أشهر، أي: من يوم دفنه، وهذا يخالف في الظاهر ما وقع في الموطأ، عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين، كانا قد حفر السيل قبرهما، وكانا في قبر واحد، فحفر عنهما ليغير من مكانهما، فوجدا لم يتغيرا، كأنهما ماتا بالأمس، وكان بين أُحد ويوَم حُفِر عنهما ست وأربعون سنة.
وقد جمع بينهما ابن عبد البَر بتعدد القصة، وفيه نظر، لأن الذي في حديث جابر أنه دَفَن أباه في قبر وحده بعد ستة أشهر. وفي حديث الموطأ أنهما وجدا في قبر واحد بعد ستة وأربعين سنة، فإما أنّ المراد بكونهما في قبر واحد قرب المجاورة، أو أن السيل خرق أحد القبرين فصارا كقبر واحد.
وقد ذكر ابن إسحاق القصة في المغازي فقال: حدثني أبي عن أشياخ من الأنصار قالوا: لما ضرب معاوية عينه التي مرت على القبور الشهداء، انفجرت العين عليهم، فجئنا فأخرجناهما، يعني عمرًا وعبد الله، وعليهما بُردتان قد غطى بهما وجوههما، وعلى أقدامهما شيء من نبات الأرض، فأخرجناهما يتثنيان تثنيًا، كأنهما دفنا بالأمس.
وله شاهد بإسناد صحيح عند ابن سعد عن أبي الزبير عن جابر. وقوله: فإذا هو كيوم وضعته هنية غير أذنه، وقال عِياض في رواية ابن السكن والنَّسَقِيّ "غير هُنَيَّة في أُذُنه" بتقدم غير وزيادة في، وهو الصواب. وفي الأول تغيير. قال: ومعنى قوله "هنية" أي: شيء يسير، وهو بنون بعدها تحتانية مصغر، وهو تصغير هَنَة، أي: شيء، فصغره لكونِه أثرًا يسيرًا، وقد قال الإِسماعيليُّ بعد سياقه بلفظ الأكثر: إنما هو "عند" وهكذا وقع في رواية أبي ذَرٍّ عن الكشميهنيّ، لكن يبقى في الكلام نقص يبينه ما في رواية أبي خيثمة والطبرانيّ عن عتبان بن مُضر عن أبي سلمة بلفظ "وهو كيوم دفنته إلا