الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أيضًا في القدر، ومسلم فيه، وأبو داود في السنة، والنسائيّ في الجنائز.
الحديث الحادي والأربعون والمئة
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: "اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ".
هذا الحديث عين ما قبله، ومباحثه مباحثه.
رجاله خمسة:
قد مرّوا، مرَّ أبو اليمان وشعيب في السابع من بدء الوحي، والزهريّ في الثالث منه، ومرَّ عطاء بن يزيد في العاشر من الوضوء، وأبو هريرة في الثاني من الإيمان. أخرجه البخاريّ أيضًا، ومسلم في القَدَر، والنّسائيّ في الجنائز.
الحديث الثاني والأربعون والمئة
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ، هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ".
هذا الحديث قد مرت مباحثه مستوفاة غاية الاستيفاء في باب "إذا أسلم الصبي فمات".
رجاله خمسة:
قد مرّوا، مرَّ آدم في الثالث من الإِيمان، وأبو هريرة في الثاني منه، وابن أبي ذيب في السنين من العلم، والزُّهريّ في الثالث من بدء الوحي، وأبو سلمة في الرابع منه. وقد مرَّ هذا الحديث ثم قال المصنف باب.
كذا ثبت لجميعهم إلا لأبي ذَرٍّ، وهو كالفصل من الباب الذي قبله، وتعلق الحديث به ظاهر من قوله في حديث سمرة المذكور "والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم، والصبيان حوله أولاد الناس" وقد تقدم التنبيه على أنه أورده في التعبير بزيادة "قالوا: وأولاد المشركين؟ فقال: وأولاد المشركين".
الحديث الثالث والأربعون والمئة
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ:
مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا. قَالَ فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا، فَيَقُولُ: مَا شَاءَ اللَّهُ، فَسَأَلَنَا يَوْمًا، فَقَالَ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا. قُلْنَا: لَا. قَالَ: لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي، فَأَخْرَجَانِي إِلَى الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مُوسَى إِنَّهُ يُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ، حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ. قُلْتُ مَا هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ أَوْ صَخْرَةٍ، فَيَشْدَخُ بِهِ رَأْسَهُ، فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ، فَلَا يَرْجِعُ إِلَى هَذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ، وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ، فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ، قُلْتُ مَنْ هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ، أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ، يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا، فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا، وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ، فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ، فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، فِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ، وَفِى أَصْلِهَا شَيْخٌ وَصِبْيَانٌ، وَإِذَا رَجُلٌ قَرِيبٌ مِنَ الشَّجَرَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ يُوقِدُهَا، فَصَعِدَا بِي فِي الشَّجَرَةِ، وَأَدْخَلَانِي دَارًا لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا، فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وَشَبَابٌ، وَنِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ، ثُمَّ أَخْرَجَانِي مِنْهَا فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلَانِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ، فِيهَا شُيُوخٌ وَشَبَابٌ. قُلْتُ: طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ، فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ؟. قَالَا: نَعَمْ، أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَالَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ، وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ، يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَالَّذِى رَأَيْتَهُ فِي الثَّقْبِ فَهُمُ الزُّنَاةُ. وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُو الرِّبَا. وَالشَّيْخُ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ فَأَوْلَادُ النَّاسِ، وَالَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ. وَالدَّارُ الأُولَى الَّتِي دَخَلْتَ دَارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ، وَأَنَا جِبْرِيلُ، وَهَذَا مِيكَائِيلُ، فَارْفَعْ رَأْسَكَ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا فَوْقِي مِثْلُ السَّحَابِ. قَالَا: ذَاكَ مَنْزِلُكَ. قُلْتُ دَعَانِي أَدْخُلْ مَنْزِلِي. قَالَا: إِنَّهُ بَقِيَ لَكَ عُمْرٌ لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ، فَلَوِ اسْتَكْمَلْتَ أَتَيْتَ مَنْزِلَكَ".
قوله: أقبل علينا بوجهه فقال: من رأى منكم الليلة رؤيا، وفي رواية مُؤَمْل في التعبير: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني مما يكثر أن يقول لأصحابه، وهذه رواية أبي ذَرٍّ عن الكشميهنيّ، وله عن غيره
بإسقاط "يعني" وكذا وقع عند الباقين، وفي رواية النَّسَفِي، وكذا في رواية محمد بن جعفر "مما يقول لأصحابه" وقد مرَّ في حديث ابن عباس في بدء الوحي ما قيل في معنى "مما يحرك شفتيه" وهذه هنا في معناها.
وقال الطيبي: قوله: مما يكثر، خبر كان، وما موصولة، ويكثر صلته، والضمير العائد إلى "ما" هو فاعل يقول المستتر، "وأن يقول" فاعل يكثر، وقوله: هل رأي أحد منكم رؤيا، هو المقول، وفي رواية الباب هنا "فقال: من رأى عنكم الليلة رؤيا" المعني في الرواية الأولى، أي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كائنًا من النفر الذين كثر منهم هذا القول، فوضع ما موضع من تفخيماً وتعظيمًا لجانبه.
وتحريره كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيد تعبير الرؤيا، وكان له مشارك في ذلك منهم؛ لأن الإكثار من هذا القول لا يصدر إلا ممن تدرب فيه، ووُفق بإصابته، كقولك: كان زيد من علماء النحو، ومنه قول صاحبي السجن ليوسف عليه السلام:{نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} وعلما ذلك مما رأياه منه، هذا من حيث البيان، وأما من حيث النحو فيحتمل أن يكون قوله:"هل رأى أحد منكم رؤيا" مبتدأ والخبر مقدم، وهو مما يكثر، وهذا على تأويل: هل رأى بهذا القول؟ أي هذا القول مما يكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوله، ثم أشار إلى ترجيح الوجه السابق، والمتبادر هو الثاني، وهو الذي إتفق أكثر الشارحين عليه.
وقوله: فإن رأى أحدًا قصها، فيقول ما شاء الله. وفي رواية التعبير: فيُقَصّ عليه ما شاء الله أن يقص، وفي رواية يزيد: فَيَقُص عليه من شاء، وفي الأولى فيُقَصق بضم الياء وفتح القاف، والثانية بفتح الياء وضم القاف، وما في الرواية الأولى للمقصوص، وما في الثانية للقاص.
وقوله: فسأل يومًا، فقال: هل رأى رؤيا: قلنا: لا، قال: لكني رأيت الليلة رجلين أتياني. قال الطيبي: وجه الاستدراك أنه كان يحب أن يعبر لهم الرؤيا، فلما قالوا ما رأينا شيئًا، كأنه قال: أنتم ما رأيتم شيئًا، لكني رأيت. وأخرج أبو عُوانة عن سمرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد يومًا فقال: رأى أحد منكم رؤيا، فليحدث بها، فلم يحدث أحد بشيء، فقال: إني رأيت رؤيا، فاسمعوا مني" وفي رواية التعبير "وأنه قال لنا ذات غداة".
لفظ "ذات" زائد، أو هو من إضافة الشيء إلى اسمه، وفي رواية يزيد بن هارون عنه "إذا صلى صلاة الغداة، وفي رواية وهب بن جرير عن أبيه عند مسلم: إذا صلى الصبح، وبه تظهر مناسبة الترجمة للحديث في التعبير.
وذكر ابن أبي حاتم عن زيد بن علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن جده عن علي، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا صلاة الفجر، فجلس .. الحديث بطوله، نحو حديث سمرة، والراوي له عن زيد ضعيف، وأخرج أبو داود والنَّسائيّ عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول "هل رأى أحد الليلة رؤيا".
وأخرج الطبراني بسند جيد عن أبي أمامة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الصبح، فقال:"إني رأيت الليلة رؤيا هي حق فاعقلوها .. فدكر حديثًا فيه أشياء بعضها ما في حديث سمرة، لكن يظهر من سياقه أنه حديث آخر، فإن في أوله "أتاني رجل فأخذ بيدي فاستتبعني حتى أتى جبلًا وعرًا طويلًا، فقال لي: ارقه، فقلت: لا أستطيع، فقال: إني سأسهله لك، فجعلت كلما وضعت قدمي وضعتها على درجة، حتى استويت على سواء الجبل، ثم انطلقنا، فإذا نحن برجال ونساء مشققة أشداقهم، فقلت: من هؤلاء؟ فقال: الذين يقولون ما لا يعلمون .. " الحديث.
وقوله: رأيت الليلة رجلين أتياني، فأخذا بيدي، وفي رواية التعبير "أنه أتاني في الليلة آتيان، وفي رواية ابن أبي شيبة "اثنان أو آتيان" بالشك، وفي رواية علي "رأيتُ ملكين" ويأتي في آخر الحديث أنهما جبريل وميكائيل. وقوله "فإذا رجل جالس ورجل قائم بيده" قال بعض أصحابنا عن موسى "كَلَّوب من حديد .. إلخ"، والكلوب، بفتح الكاف وتشديد اللام المضمومة، وهي الحديدة التي ينشل بها اللحم عن القدر، وكذلك الكُلَّاب، وكذا وقع في رواية الطبراني، والبعض المبهم لم يعرف المراد به، إلا أن الطبراني أخرجه في الكبير عن العباس بن الفضل الإسقاطي عن موسى بن إسماعيل، فذكر الحديث بطوله، وفيه "بيده كلّاب من حديد".
وقوله: "وإنا أتينا على رجل مضطجع على قفاه، وفي رواية الباب "حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه" وفي رواية "مستلقٍ على قفاه"، وقوله: بفِهْر أو صخرة، بكسر الفاء وسكون الهاء وفي آخره راء، هو الحجر ملأ الكف، وقيل: هو الحجَر مَطلقًا، وفي رواية "بصخرة" فقط وفي حديث عليّ "فمررت على مَلَك وأمامه آدمي، وبيد الملك صخرة يضرب بها هامة الأدمي".
وقوله: إلى الأرض المقدسة، عند أحمد إلى أرض فضاء، أو أرض مستوية، وفي حديث عَليّ "فانطلقا بي إلى السماء"، وقوله: فيشدخ به رأسه، الشدخ كسر الشيء الأجوف، وفي رواية "فيثلغ" بفتح أوله وسكون المثلثة وفتح اللام بعدها عين معجمة، أي يشدخه. وقوله: فإذا ضربه تدهده الحجر، بفتح المهملتين بينهما هاء ساكنة، وفي رواية الكشميهنيّ "فيتدأدأ" بهمزتين بدل الهاءين، وفي رواية "فيتهدأ" بهاء ثم همزة، وكل بمعنى، والمراد أنه دفعه من علو إلى أسفل، وتدهده إذا انحط، والهمزة تبدل من الهاء كثيرًا، وتدأدأ تدحرج، وهو بمعناه.
وقوله: فانطلق إليه ليأخذه، وفي رواية، فإذا ذهب إليه ليأخذه. وقوله: حتى يلتئم رأسه، وفي التعبير حتى يصبح رأسه، وعند أحمد "عاد رأسه كما كان" وفي حديث على "فيقع دماغه جانبًا، وتقع الصخرة جانبًا". قال ابن العربي: جعلت العقوبة في رأس هذه النومة عن الصلاة، والنوم موضعه الرأس. وقوله: فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور، أعلاه ضيق وأسفله واسع، يتوقد نارًا، كذا بالنصب، وفي رواية أحمد "تتوقد تحته نارٌ" بالرفع، وهي رواية أبي ذر، وعليها اقتصر الحميدي في جمعه، وهو واضح. وقال ابن مالك:"يتوقد تحته نارًا" بالنصب على التمييز، وأسند يتوقد إلى
ضمير عائد إلى الثقب، كما يقال: مررت بامرأة يتضوع من أردانها طيبًا، أي يتضوع طيبٌ من أردانها، فكأنه قال: يتوقد ناره تحته، فيصح نصب نارًا على التمييز. ويجوز أن يكون فاعل يتوقِد موصولًا تحته، فحذف، وبقيت صلته دالة عليه لوضوح المعنى، والتقدير يتوقد الذي تحته نارًا، وهو على التمييز أيضًا، وذكر لحذف الموصول في مثل هذا عدة شواهد.
وقوله: فإذا اقترب ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، اقترب من القرب، وهي رواية أب ذرٍ والأصيليّ، والضمير في اقترب يرجع إلى الوقود، أو الحر الدال عليه قولُه "يتوقد"، وفي رواية القابسيّ وابن السكن وعَبْدوس "فإذا اقترب" بالفاء والتاء المثناة من فوق، أي: فإذا خمدت، وأصله من الفترة، وهو الانكسار والضعف. وقد فتر الحر وغيره يَفْتُر فتورًا، وفَتَّره الله تفتيرًا، وقال ابن التين بالقاف، قترت، ومعناه ارتفعت، من القَتَرة وهو الغبار. وقال الجوهري: قتر اللحم يَقْتِر بالكسر، إذا ارتفع قُتَاره، والقتار ريح الشُّواء.
وقال ابن التين: وأما فترت، بالفاء، فما علمت له وجهًا؛ لأن بعده "فإذا خمدت رجعوا" ومعنى خمدت وفترت واحد، وعند النسفي: فإذا أُوقدت ارتفعوا، وقال الطيبي في شرح المشكاة: فإذا ارتقت، من الارتقاء، وهو الصعود. ثم قال: كذا في الحميدي وجامع الأصول، وهو الصحيح رواية ودراية.
وقوله: "حتى كادوا أن يخرجوا"، أي كاد خروجهم، والخبر محذوف، أي كاد خروجهم يتحقق، قال الطيبيّ وفي نسخ المصابيح حتى يكادوا يخرجوا، وحقه إثبات النون، اللهم إن يحتمل، ويقدّر "أن يخرجوا" تشبيهًا لكاد بعسى، ثم حذف أن وترك على حاله، وفي التوضيح: وروي بإثبات النون. وقوله: فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم، وفيه رجل قائم على وسط النهر، قال يزيد ووهب بن جرير عن جرير بن حازم "وعلى شط النهر رجل"، وهذا التعليق ثبت عن هذين في رواية أبي ذرٍ، فأما حديث يزيد، وهو ابن هارون، فوصله أحمد عنه، فساق الحديث بطوله. وفيه "فإذا نهر من دم فيه رجل وعلى شط النهر رجل" وأما حديث وهب بن جرير فوصله أبو عُوانة في صحيحه، فساق الحديث بطوله، وفيه:"حتى ينتهي إلى نهر من دم، ورجل قائم في وسطه، ورجل قائم على شاطىء النهر" الحديث. وأصل الحديث في مسلم عن وهب لكن باختصار.
وقوله: "فانطلقنا حتى انتهيا إلى روضة خضراء فيها شجرة عظيمة .. إلخ"، وفي التعبير "فأتينا على روضة معتمة" أي بضم الميم وسكون المهملة وكسر المثناة وتخفيف الميم بعدها هاء تأنيث، ولبعضهم بفتح المثناة وتشديد الميم، يقال: اعتمَّ النبت إذا اكتهل، ونخلة عَتِيمة طويلة. وقال الداودي: اعتمت الروضة: غطاها الخصب، وهذا كله على الرواية بتشديد الميم. قال ابن التين: ولا يظهر للتخفيف وجه، والذي يظهر أنه من العتمة، وهو شدة الظلام، فوضعها بشدة الخضرة، كقوله تعالى:{مُدْهَامَّتَانِ} وضبط ابن بطال "روضة مُغِنّة" بكسر الغين المعجمة وتشديد النون، ثم نقل عن ابن دريد: واد أغرّة ومُغِنّ، إذا كثر شجره. وقال الخليل: روضة غناء كثيرة العشب.
وقوله: "وفي أصلها شيخ وصبيّانٍ، وإذا رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها، فصعدا بي في الشجرة وأدخلاني دارًا الخ
…
"، وفي التعبير: "وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولًا في السماء، وإذا الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط" قال الطيبي: أصل هذا الكلام: "وإذا حول الرجل وِلدان ما رأيت ولدانًا قط أكثر منهم"، ونظير قوله:"لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن" ولما كان هذا التركيب يتضمن معنى النفي جازت زيادة من وقَط التي تختص بالماضي المنفي. وقال ابن مالك: جاز استعمال قط في المثبت في هذه الرواية، وهو جائز، وغفل بعضهم عن ذلك فخصوه بالماضي المنفي، والذي وجهه به الطيبي حسن جدًا، ووجهه الكرمانيّ بأنه يجوز أن يكون اكتفى بالنفي الذي يلزم من التركيب، إذ المعنى "ما رأيتهم أكثر من ذلك" أو النفي مقدر، وسبق نظيره في صلاة الكسوف "فصلى بأطول قيام رأيته قط".
وقوله: "وأدخلاني دارًا لم أر قط أحسن منها، فيها رجال شيوخ وشبان ونساء وصبيان، وفي التعبير "فانتهينا إلى مدينة مبنية بلَبن ذهب ولبن فضة، فأتينا بابَ المدينة، فاستفتحنا ففتح لنا، فدخلناها، فتلقانا فيها رجال، شطرٌ من خلقهم كأحسن ما أنت راءٍ، وشطر كاقبح ما أنت راءٍ. اللَّبِن بفتح اللام وكسر الموحدة جمع لَبَنة، وأصلها ما ينبى به، وفي التعبير قال: قالا لهم اذهبوا، فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة.
وقوله: "شطر من خَلقهم، بفتح الخاء وسكون اللام بعدها قاف، أي هيئتهم، وقوله: شطر، مبتدأ، وكأحسن الخبر، والكاف زائدة، والجملة صفة رجال، وهذا الإطلاق يحتمل أن يكون المراد أن نصفهم حسن كله، ونصفهم قبيح كله، ويحتمل أن يكون كل واحد منهم نصفه حسن ونصفه قبيح، والثاني هو المراد، ويؤيده قوله في صفتهم: هؤلاء قوم خَلَطوا، أي عمل كل منهم عملًا صالحًا، وخلطه بعمل سيء.
وقوله: "فقعوا في ذلك النهر"، بصيغة فعل الأمر بالوقوع، والمراد أنهم ينغمسون فيه ليغسل تلك الصفة بهذا الماء الخاص. وقوله:"نهر معترض" أي: يجري عرضًا، وقوله:"كأنَّ ماءه المَحْض" بفتح الميم وسكون المهملة بعدها صاد معجمة، هو اللَّبَن الخالص عن الماء، حلوًا كان أو حامضاً، وقد بين جهة التشبيه بقوله: من البياض. وفي رواية النَّسَفِي والإسماعيليّ "في البياض" قال الطيبيّ: كأنهم سموا اللَّبَن بالصفة، ثم استعمل في كل صاف، قال: ويحتمل أن بالماء المذكور عفو الله عنهم، أو التوبة منهم، كما في الحديث "اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد".
وقوله: "ذهب ذلك السوء عنهم"، أي: صار القبيح كالشطر الحسن، فلذلك قال: وصاروا في أحسن صورة. وقوله: قال قالا لي، هذه جنة عدن، وهذا منزلك، قال: فسما بصري صًعُدًا فإذا قصر مثل الرَّبابة البيضاء، قال: قالا لي: هذاك منزلك، قال: قلت لهما: بارك الله فيكما، ذراني فأدخله، قالا: أما الآن فلا، وأنت داخله. وقوله: فسما، بفتح السين المهملة وتخفيف
الميم، أي نظر إلى فوق، وقوله:"صُعُدا" بضم المهملتين أي ارتفع كثيرًا، وضبطه ابن التين بفتح العين، وأستبعد ضمها.
وقوله: "مثل الرَّبابة"، بفتح الراء وتخفيف الموحدتين، وهي السحابة البيضاء، ويقال لكل سحابة منفردة دون السحاب، ولو لم تكن بيضاء. وقال الخطابيّ: الربابة السحابة التي رَكِب بعضها بعضًا، وفي رواية الباب فرفعت رأسي فإذا فوقي مثل السحاب، وفيها فقلت: دعاني أدخل منزلي، قالا: إنه قد بقي لك عمر لم تستكمله، ولو استكملت به أتيت منزلك. وفي رواية الباب "ثم أخرجاني منها، فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني دارًا هي أحسن وأفضل" وقد مرَّ في رواية الباب "وإذا رجل بين يديه نار يوقدها" وفي التعبير: فأتينا على رجل كريه المَرْآةِ كأكره ما أنت راءٍ رجلًا مَرْآة، فإذا عنده نارٌ يحشها ويسعى حولها.
وقوله: "وأما الرجل الذي رأيته يشق شدقه، فكذاب يحدث بالكذبة، فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به ما رأيت إلى يوم القيامة. قال ابن مالك: لابد من جعل الموصوف الذي هنا للمعين كالعام حتى جاز دخول الفاء في خبره، أي المراد هو وأمثاله، ولفظ ابن مالك في هذا شاهد على أن الحكم قد يستحق بجزء العلة، وذلك أن المبتدأ لا يجوز دخول الفاء على خبره إلا إذا كان شبيهًا بمن الشرطية في العموم، واستقبال ما يتم به المعنى، نحو الذي يأتيني فمكرم، ولو كان المقصود بالذي معينًا زالت مشابهته بمن، وامتنع دخول الفاء على الخبر، كما يمتنع دخولها على أخبار المبتدآت المقصود بها التعيين، نحو زيد فمكرم لم يخبر، وكذا لا يجوز الذي يأتيني فمكرم إذا قصدت به معينًا، لكن الذي يبنى عند قصد التعيين شبيه في اللفظ بالذي يأتيني عند قصد العموم، فجاز دخول الفاء حملًا للشبيه على الشبيه، ونظيره قوله تعالى:{مَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ} فإن مدلول ما معين، ومدلول أصابكم ماضٍ إلا أنه روعي فيه التشبيه اللفظي، لشبه هذه الآية بقوله تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} فأجرى ما في مصاحبة الفاء مجرى واحدًا.
قال الطيبي: هذا كلام متين، لكن جواب الملكين تفصيلٌ لتلك الرؤيا المتعددة المبهمة، لابد من ذكر كلمة التفصيل، أو تقديرها، فالفاء جواب إما. قلت: رواية الباب مصرح فيها بإما، فلا احتياج إلى ما ذكره ابن مالك، وقوله: فتحمل عنه، بالتخفيف للأكثر، ولبعضهم بالتشديد، وإنما استحق التعذيب لما ينشأ عن تلك الكذبة من المفاسد، وهو فيها مختار، غير مكره، ولا مُلْجأ.
قال ابن هبيرة: لما كان الكاذب يساعد أنفُه وعينُه لسانَه على الكذب بترويج باطله، وقعت المشاركة بينهم في العقوبة، لما في رواية التعبير "بشر شر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه".
وقوله: "والذي رأيته يشدخ رأسه، فرجل علَّمه الله القرآن، فنام عنه بالليل، ولم يعمل فيه بالنهار، يفعل به إلى يوم القيامة". وفي رواية التعبير: "أما الرجل الأول، الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ بالقرآن فيرفِضه، وينام عن الصلاة المكتوبة"، وقوله:"فيرفِضه"، بكسر الفاء، ويقال بضمها، قال ابن هبيرة: رفض القرآن بعد حفظه جناية عظيمة؛ لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب رفضه، فلما رفض أشرف الأشياء، وهو القرآن، عوقب في أشرف أعضائه. وهو الرأس.
وقوله: "عن الصلاة المكتوبة" هذا أوضح من رواية الباب المارة؛ لأن ظاهرها أنه يعذب على ترك قراءة القرآن بالليل، بخلاف رواية التعبير هذه، فإنه على تركه الصلاة المكتوبة، ويحتمل أن يكون التعذيب على مجموع الأمرين، ترك القراءة وترك العمل. وقوله: والذي رأيته في الثقب فهم الزناة، مناسبة العري لهم لاستحقاقهم أن يفضحوا؛ لأن عادتهم أن يستتروا في الخلوة، فعوقبوا بالهتك، والحكمة في إتيان العذاب من تحتهم كون جنايتهم من أعضائهم السفلى.
وقوله: "والذي رأيته في النهر آكلو الربا"، قال ابن هبيرة:"إنما عوقب آكل الربا بالسباحة في النهر الأحمر، والقامه الحجارة، إن أصل الربا يجري في الذهب، والذهب أحمر، وأما المقام الملك له الحجر، فإنه إشارة إلى أنه لا ينفي عنه شيئًا، وكذلك الربا، فإن صاحبه يتخيل أن ماله قد زاد، والله من ورائه مَحَقَه".
وقوله: "والشيخ في أصل الشجرة، إبراهيم عليه السلام، والصبيان حوله فأولاد الناس". وقوله: "فأولاد الناس"، إنما جاز دخول الفاء على الخبر لأن الجملة معطوفة على مدخول أما في قوله:"أما الرجل"، وقد تحذف الفاء في بعض المحذوفات نظرًا إلى أن "ما" لما حذفت، حذف مقتضاها، وكلاهما جائز، وإنما اختص إبراهيم لأنه أبو المسلمين. قال تعالى:{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} وقال تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} الآية.
وفي التعبير: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فقال: وأولاد المشركين. وظاهره أنه ألحقهم بأولاد المسلمين، ولا يعارض ذلك قوله:"هم من آبائهم" لأن ذلك حكم الدنيا. وقوله: والذي يوقد النار مالكٌ خازنُ النار، وقد مرَّ في رواية التعبير"فأتينا على رجل كريه المرآة .. إلخ"، وإنما كان كريه الرؤية لأن في ذلك زيادة في عذاب النار، وفي التعبير زيادة "وأما القوم الذين كانوا شطرًا منهم حسن، وشطرًا منهم قبيح" كذا في الموضعين، بنصب شطرًا، ولغير أبي ذرٍّ "شطر" في الموضين بالرفع، وحسنًا وقبيحًا بالنصب، ولكلٍ وجهٌ، وللنَّسفَيّ والإسماعيلي في الجميع بالرفع، وعليه اقتصر الحميديّ في جمعه، وكان في هذه الرواية تامة، والجملة حالية.
وفي رواية الباب "والدار الأولى التي دخلت دار عامة المسلمين، وهذه الدار دار الشهداء، وأنا جبريل وهذا ميكائيل" وفي حديث أبي أمامة: "ثم انطلقنا، فإذا نحن برجال ونساء أقبح شيء