الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن عباس، فقال: هو مضطرب.
وإنما وصفه بالاضطراب للاختلاف في إسناده على الأعمش، ولهذا لم يجزم به البخاريّ. وهذا التعليق أيضًا رواه أبو بكر بن أبي شيبة موصولًا في مصنفه عن أبي جعفر، وقد مرَّ ابن عباس في الخامس من بدء الوحي.
ثم قال: وقال الحسن إن اشترى أباه من الزكاة جاز، ويعطي في المجاهدين، والذي لم يحج، ثم تلا {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الآية في أيها أعطيت جزت. هذا صحيح عنه، أخرج أوله ابن أبي شيبة، وهو مصير منه إلى القول بالمسألتين معًا: الاعتاق من الزكاة، والصرف منها في الحج، إلَاّ أن تنصيصه على شراء الأب لم يوافقه عليه الباقون، لأنه يعتق عليه، ولا يصير ولاؤه للمسلمين، فيستعيد المنفعة، ويوفر ما كان يخرجه من خالص ماله، لدفع عار استرقاق أبيه.
وقوله: في أيها أعطيت جزت، كذا في الأصل بغير همز، أي قضت. وفيه مصير منه إلى أن اللام في قوله "للفقراء" لبيان المصرف لا للتمليك، فلو صرف الزكاة في صنف واحد كفى، وهذا التعليق روى بعضه أبو بكر بن أبي شيبة، عن حفص عن أشعث. والحسن قد مرّ في الرابع والعشرين من الإيمان.
ثم قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن خالدًا احتبس أدرعه في سبيل الله". سيأتي موصولًا في هذا الباب، ويأتي الكلام عليه هناك. وخالد مرّ في التاسع من الجنائز.
ثم قال: ويذكر عن أبي لاس: حملنا النبي صلى الله عليه وسلم على إبل الصدقة للحج، وهذا التعليق وصفه الطبراني، وأخرجه أحمد وابن خُزيمة والحاكم وغيرهم. ولفظ أحمد "على إبل من إبل الصدقة ضِعاف للحج، فقلنا: يا رسول الله، ما نرى أن تحمل هذه؟ فقال: إنما يحمل الله .. " الحديث.
ورجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق، ولهذا توقف ابن المنذر في ثبوته. وأبو لاس خزاعيّ، وقيل حارثيّ. واختلف في اسمه. قيل اسمه زياد، وقيل عبد الله بن غَنَمة، بفتح العين والنون، وقيل محمد بن الأسود. سكن المدينة. له حديثان هذا أحدهما. روى عنه عمر بن الحكم بن ثوبان.
الحديث الثاني والسبعون
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّدَقَةِ فَقِيلَ مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَاّ أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَعَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهْيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا مَعَهَا.
قوله: عن الأعرج، في رواية النَّسائي "عن شُعيب مما حدثه عبد الرحمن الأعرج، مما ذكر أنه سمع أبا هُريرة يقول: قال عمر" فذكره، صرح بالتحديث في الإسناد، وزاد فيه عمر، والمحفوظ أنه من مسند أبي هُريرة، وإنما جرى لعمر فيه ذكر فقط. وقوله: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة، في رواية مسلم "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر ساعيًا على الصدقة"، وهو مشعر بأنها صدقة الفرض، لأن صدقة التطوع لا يبعث عليها السعاة.
وقال ابن القصّار المالكي: الأليق أنها صدقة التطوع؛ لأنه لا يظن بهؤلاء الصحابة أنهم منعوا الفرض، وتعقب بأنهم ما منعوه جحدًا ولا عنادًا. أما ابن جميل، فقد قيل إنه كان منافقًا، ثم تاب بعد ذلك. وجزم القاضي حُسين أن فيه نزلت {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} الآية. والمشهور أنها نزلت في ثعلبة. وأما خالد، فكان متأولًا بإجزاء ما حبسه عن الزكاة. وكذا العباس، لاعتقاده ما سيأتي التصريح به. ولهذا عذر النبي صلى الله عليه وسلم العباس، وخالدًا، ولم يعذر ابن جَميل.
وقوله: فقيل منع ابن جميل، قائل ذلك عمر، كما سيأتي في حديث ابن عباس في الكلام على قصة العباس، ويأتي في السند الكلامُ على ابن جميل. وقوله: والعباس، زاد ابن أبي الزناد عن أبيه عند أبي عُبيد أن يعطلوا الصدقة، فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَذَبَّ عن اثنين: العباسِ وخالدٍ، وقوله: ما يَنْقِم ابن جميل، بكسر القاف، أي ما ينكر أو يكره.
وقوله: فأغناه الله ورسوله، إنما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، لأنه كان سببًا في دخوله في الإِسلام، فأصبح غنيًا بعد فقره بما أفاء الله على رسوله، وأباح لأمته من الغنائم. قلت: ذكره عليه الصلاة وإلسلام نفسه في الحديث اقتداءًا بما في القرآن من قوله تعالى {وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} وهذا السياق من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم، لأنه إذا لم يكن له عذرٌ، إلا ما ذكر من أن الله أغناه، فلا عذر له.
وفيه التعريض بكفران النعم، والتقريع بسوء الصنيع في مقابلة الإحسان. وقوله: احتبس، أي: حبس. وقوله: وأعتُده، بضم المثناة جمع عَتَد بفتحتين، وفي رواية مسلم أعتاده، وهو جمعه أيضًا. قيل: ما يعده الرجل من الدواب والسلاح، وقيل: الخيل خاصة، يقال فرسٍ عَتِيد، أي صُلب أو معدٌ للركوب أو سريع الوثوب، أقوال، وقيل: إن لبعض رواه البخاري "وأَعْبُده" بضم الموحدة جمع عَبْد، حكاه عياض، والأول هو المشهور.
وقوله: فهي عليه صدقة ومثلها معها، كذا في رواية شُعيب، ولم يقل ورقاء ولا موسى بن عقبة: صدقة، فعلى الرواية الأولى يكون عليه الصلاة والسلام ألزمه بتضعيف صدقته ليكون أرفع لقدره، وأنْبه لذكره، وأنفى للذم عنه، فالمعنى: هي صدقة ثابتة عليه، سيصدق بها ويضيف إليها مثلها كرمًا. ودلت رواية مسلم على أنه صلى الله عليه وسلم التزم بإخراج ذلك عنه، لقوله "فهي عليّ" وفيه تنبيه على سبب ذلك، وهو قوله "إنّ العم صِنو الأب" تفضيلًا له وتكريمًا وتشريفًا، ويحتمل أن يكون تحمل
عنه بها، فيستفاد منه أن الزكاة تتعلق بالذمة، كما هو أحد قولي الشافعي، وجمع بعضهم بين رواية عليّ ورواية عليه، بأن الأصل "عليّ" ورواية "عليه" مثلها إن فيها زيادة هاء السكت. حكاه ابن الجَوزيّ. وقيل: عني قوله على أي: هي عندي قرضٌ، لأنني استلفت منه صدقة عامين.
وقد ورد ذلك صريحًا فيما أخرجه التِّرمذيّ وغيره، من حديث عليّ وفي إسناده مقال. وفي الدارقطني عن موسى بن طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنا كنا احتجنا، فتعجلنا من العباس صدقة مالِه سنتين"، وهذا مرسل، ورواه الداقطنيّ أيضًا موصولًا بذكر طلحة فيه، وإسناد المرسل أصح، وفي الدارقطنيّ أيضًا عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعث عمر ساعيًا فأتى العباس فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن العباس قد أسْلَفَنا زكاة ماله العامَ والعام المقبل، وفي إسناده ضعف، وأخرجه هو أيضًا والطبرانيّ عن أبي رافع نحو هذا، وإسناده ضعيف أيضًا. وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم تعجل من العباس صدقته سنتين، وفي إسناده محمد بن ذكوان، وهو ضعيف، ولو ثبت لكانَ رافعًا للإشكال، ولرجح به سياق رواية مسلم على بقية الروايات.
وفيه: رد لقول من قال إن قصة التعجيل إنما وردت في وقت غير الوقت الذي بعث فيه عمر لأخذ الصدقة، وليس ثبوت هذه القصة في تعجيل صدقة العباس ببعيد في النظر بمجموع هذه الطرق. وقيل: المعنى استلف منه قدر صدقة عامين، فأمر أن يقاصَّ به من ذلك، واستبعد ذلك بأنه لو كان وقع، لكان صلى الله عليه وسلم أعلم عمر بأنه لا يطالب العباس، وليس ببعيد.
ومعنى "عليه" على التأويل الأول: أي لازمة له، وليس معناها أنه يقبضها لأن الصدقة عليه حرام، لكونه من بني هاشم. ومنهم من حمل رواية الباب على ظاهرها فقال: كان ذلك قبل تحريم الصدقة على بني هاشم، ويؤيده رواية موسى بن عُقبة، فهي له بدل عليه، وقال البيهقي: اللام بمعنى على، لتتفق الروايات، وهذا أولى لأن المخرج واحد، وإليه مال ابن حِبّان. وقيل: معناها فهي له، أي القدر الذي كان يراد منه أن يخرجه، لأنني التزمت عنه بإخراجه. وقيل: إنه أخرها عنه ذلك العام إلى عام قابل، فيكون عليه صدقة عامين. قاله أبو عبيد.
وقيل: إنه كان استدان حتى نادى عقيلًا وغيره، فصار من جملة الغارمين، فساغ له أخذ الزكاة بهذا الاعتبار، أبعد الأقوال كلها قولُ من قال: كان هذا في الوقت الذي كان فيه التأديب بالمال، فألزم العباس بامتناعه من أداء الزكاة، بأن يؤدي ضعف ما وجب عليه، لعظم قدره وجلالته، كما في قوله تعالى في نساء النبي صلى الله عليه وسلم {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} الآية.
وفي الحديث تعجيل الزكاة، وقد اختلف أهل العلم، فقال الشافعيّ وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق: إن عجلها قبل محلها أجزأت عنه، وعند مالك إن أخرجها قبل الحول بشهر أجزأت عنه مع الكراهة، وكره الليث بن سعد تعجيلها. وقال الحسن: من زكى قبل الوقت أعاد كالصلاة، واستدل بقصة خالد على جواز إخراج مال الزكاة في شراء السلاح، وغيره من آلات الحرب،