الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الصدقة على موالي ازواج النبي صلى الله عليه وسلم
-
لم يترجم لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ولا لمواليه، لأنه لم يثبت عنده فيه شيء، وقد نقل ابن بطال أنهنَّ، أي: الأزواج، لا يدخلن في ذلك باتفاق الفقهاء. وفيه نظر، فقد نقل ابن قُدامة أن الخلال أخرج عن أبي مليكة عن عائشة قالت: إنّا آل محمد لا تحل لنا الصدقة. قال: وهذا يدل على تحريمها، وإسناده إلى عائشة حسن. وأخرجه ابن أبي شيبة أيضًا، وهذا لا يقدح فيما نقله ابن بطال. وروى أصحاب السنن، وصححه ابن حِبّان والتِّرمذيّ عن أبي رافع مرفوعًا "إنا لا تحل لنا الصدقة، إن موالي القوم من أنفسهم".
وبحرمتها على مواليه عليه الصلاة والسلام قال أحمد وأبو حنيفة ويعض المالكية، كابن الماجشون: وهو الصحيح، عند الشافعية. وقال الجمهور: تجوز لهم، لأنهم ليسوا منهم حقيقة، ولذا لم يعوضوا بخُمس الخمس، ومنشأ الخلاف قوله "منهم أو من أنفسهم" هل يتناول المساواة في حكم تحريم الصدقة أو لا؟ وحجة الجمهور أنه لا يتناول جميع الأحكام، فلا دليل فيه على تحريم الصدقة، لكنه ورد على سبب الصدقة، وقد اتفقوا على أنه لا يخرج السبب، وإن اختلفوا هل يخص به أو لا، ويمكن أن يستدل لهم بحديث الباب؛ لأنه يدل على جوازها لموالي الأزواج، وقد تقدم أن الأزواج ليسوا في ذلك من جملة الآل، فمواليهم أحرى بذلك، قال ابن المنير: إنما أورد البخاريّ هذه الترجمة، ليحقق أن الأزواج لا يدخل مواليهنّ في الخلاف، ولا تحرم عليهنّ الصدقة قولًا واحدًا، لئلا يظن ظانٌّ أنه لما قال بعض الناس بدخول الأزواج في الآل أنه يطرد في مواليهن، فبين أنه لا يطرد.
الحديث الرابع والتسعون
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبِّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: وَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَاةً مَيِّتَةً أُعْطِيَتْهَا مَوْلَاةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنَ الصَّدَقَةِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَلَاّ انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا. قَالُوا إِنَّهَا مَيْتَةٌ. قَالَ إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا.
قوله: أُعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة، هذا هو موضع الترجمة من الحديث، فإن مولاة ميمونة أُعطيت من الصدقة، فلم ينكر عليها، فدل على أن موالي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، تحل لهم
الصدقة. والمولاة المذكورة لم تسم. وقوله: هلا انتفعتهم بجلدها؟ وفي نسخة "بإهابها" بكسر الهمزة وتخفيف الهاء، هو الجلد قبل أن يدبغ. وقيل: هو الجلد دُبغ أو لم يدبغ. وجمعه أُهُب، بفتحتين ويجوز بضمتين، زاد مسلم: هلا أخذتم إهابها، فدبغتموه، فانتفعتم به؟، وأخرج مسلم نحوه عن ابن عباس، قال: ألا أخذوا إهابها فدبغوه، فانتفعوا به.
وقوله: قالوا: إنها مَيْتَة، لم يعين القائل. وقوله: إنما حرم أكلها. قال ابن أبي جمرة: فيه مراجعة الإِمام فيما لا يفهم السامع معنى ما أمره، كأنهم قالوا: كيف تأمرنا بالانتفاع بها وقد حرمت علينا؟ فبين له وجه التحريم. ويؤخذ منه جواز تخصيص الكتاب بالسنة، لأن لفظ القرآن {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} وهو شامل لجميع أجزائها في كل حال، فخصت السنة ذلك بالأكل، وفيه حسن مراجعتهم، وبلاغتهم في الخطاب، لأنهم جمعوا معاني كثيرة في كلمة واحدة، وهي قولهم: إنها ميتة.
واستدل به الزُّهريّ على جواز الانتفاع بجلد الميتة مطلقًا سواء دبغ أو لم يدبغ، لكن صح التقييد من طرق أخرى بالدباغ، وهي حجة الجمهور، واستثنى الشافعي من المَيْتات الكلبَ والخنزير، وما تولد منهما، لنجاسة عينهما عنده، وأبو حنيفة الخنزير، ولم يستثن أبو يوسف وداود شيئًا، أخذًا بعموم الخبر. وهي رواية عن مالك، ومشهور مذهبه أن الجلد عنده لا يطهر بالدباغ، ولكن يرخص في الانتفاع به في اليابس والماء المطلق بالدباغ، إلا من الخنزير خاصة.
وقد أخرج مسلم عن ابن عباس، رَفَعه، "إذا دبغ الإهاب فقد طَهُر" ولفظ الشافعيّ والتِّرْمِذِيّ وغيرهما "أيما إهاب دُبغ فقد طَهُر" وفي لفظ مسلم، أيضًا، عن ابن عباس "سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: دِباغه طَهوره" وفي رواية للبزَّار: دباغ الأديم طُهوره، وجزم الرافعيّ وبعض أهل الأصول أن هذا اللفظ ورد في شاة ميمونة، وهو محتمل احتمالًا قويًا، لكون الجميع من رواية ابن عبّاس، وتمسك بعضهم بخصوص هذا السبب، فقصر الجواز على المأكول، لورود الخبر في الشاة، ويتقوى ذلك من حيث النظر بأن الدباغ لا يزيد في التطهير على الذكاة، وغير المأكول لو ذُكّي لا يطهر بالذكاة عند الأكثر، فكذلك الدباغ. وأجاب من عمم بالتمسك بعموم اللفظ، فهو أولى من خصوص السبب، وبعموم الإذن في المنفعة، ولأن الحيوان طاهر ينتفع به قبل الموت، فكان الدباغ بعد الموت قائمًا مقام الحياة.
وذهب قوم إلى أنه لا ينتفع من الميتة بشيء، سواءًا دبغ أو لم يدبغ، وتمسكوا بحديث عبد الله بن عكيم، قال:"أتانا كتابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته، أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عَصَب". أخرجه الشافعيّ وأحمد والأربعة، وصححه ابن حبّان، وحسنه التِّرمِذيُّ. وفي رواية للشافعي وأحمد وأبي داود "قبل موته بشهر" قال التِّرْمذيّ: كان أحمد يذهب إليه ويقول هذا آخر الأمرين، ثم تركه لما اضطربوا في إسناده. وكذا قال الخلال، ورد ابن حبّان على من أدعى فيه