المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الثامن والسبعون - كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري - جـ ١٢

[محمد الخضر الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌باب السرعة بالجنازة

- ‌الحديث الثالث والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب قول الميت وهو على الجنازة قدموني

- ‌الحديث الرابع والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب من صف صفين أو ثلاثة على الجنازة خلف الإِمام

- ‌الحديث الخامس والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الصفوف على الجنازة

- ‌الحديث السادس والسبعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث السابع والسبعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثامن والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب صفوف الصبيان مع الرجال في الجنائز

- ‌الحديث التاسع والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب سنة الصلاة على الجنازة

- ‌الحديث الثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب فضل اتباع الجنائز

- ‌الحديث الحادي والثمانون

- ‌رجاله ستة

- ‌باب من انتظر حتى تدفن

- ‌الحديث الثاني والثمانون

- ‌رجاله أربعة عشر:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب صلاة الصبيان مع الناس على الجنائز

- ‌الحديث الثالث والثمانون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد

- ‌الحديث الرابع والثمانون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌الحديث الخامس والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور

- ‌الحديث السادس والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها

- ‌الحديث السابع والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب أين يقوم من المرأة والرجل

- ‌الحديث الثامن والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب التكبير على الجنازة أربعًا

- ‌الحديث التاسع والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث التسعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة

- ‌الحديث الحادي والتسعون

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصلاة على القبر بعدما يدفن

- ‌الحديث الثاني والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثالث والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الميت يسمع خفق النعال

- ‌الحديث الرابع والتسعون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة أو نحوها

- ‌الحديث الخامس والتسعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الدفن بالليل

- ‌الحديث السادس والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب بناء المسجد على القبر

- ‌الحديث السابع والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب من يدخل قبر المرأة

- ‌الحديث الثامن والتسعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب الصلاة على الشهيد

- ‌الحديث التاسع والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث المائة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب دفن الرجلين والثلاثة في قبر

- ‌الحديث الحادي والمائة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب من لم ير غسل الشهداء

- ‌الحديث الثاني والمائة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب من يقدم في اللحد

- ‌الحديث الثالث والمائة

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب الإِذْخِر والحشيش في القبر

- ‌الحديث الرابع والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة

- ‌الحديث الخامس والمئة

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث السادس والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السابع والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب اللحد والشق في القبر

- ‌الحديث الثامن والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه وهل يعرض على الصبي الإِسلام

- ‌الحديث التاسع والمئة

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي عشر والمئة

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثاني عشر والمئة

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثالث عشر والمئة

- ‌رجاله أربعة

- ‌الحديث الرابع عشر والمئة

- ‌رجاله ستة

- ‌باب إذا قال المشرك عند الموت لا إله إلَاّ الله

- ‌الحديث الخامس عشر والمئة

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الجريدة على القبر

- ‌الحديث السادس عشر والمئة

- ‌رجاله ستة

- ‌باب موعظة المحدث عند القبر وقعود أصحابه حوله

- ‌الحديث السابع عشر والمئة

- ‌رجاله ستة

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ما جاء في قاتل النفس

- ‌الحديث الثامن عشر والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع عشر والمئة

- ‌رجاله أربعة

- ‌الحديث العشرون والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب ما يكره من الصلاة على المنافقين والاستغفار للمشركين

- ‌الحديث الحادي والعشرون والمئة

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ثناء الناس على الميت

- ‌الحديث الثاني والعشرون والمئة

- ‌رجاله أربعة

- ‌الحديث الثالث والعشرون والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ما جاء في عذاب القبر

- ‌الحديث الرابع والعشرون والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس والعشرون والمئة

- ‌الحديث السادس والعشرون والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السابع والعشرون والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن والعشرون والمئة

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع والعشرون والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الثلاثون والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب التعوذ من عذاب القبر

- ‌الحديث الحادي والثلاثين والمئة

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني والثلاثون والمئة

- ‌الحديث الثالث والثلاثون والمئة

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع والثلاثون والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب عذاب القبر من الغيبة والبول

- ‌الحديث الخامس والثلاثون والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي

- ‌الحديث السادس والثلاثون والمئة

- ‌رجاله أربعة

- ‌باب كلام الميت على الجنازة

- ‌الحديث السابع والثلاثون والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب ما قيل في أولاد المسلمين

- ‌الحديث الثامن والثلاثون والمئة

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث التاسع والثلاثون والمئة

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب ما قيل في أولاد المشركين

- ‌الحديث الأربعون والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الحادي والأربعون والمئة

- ‌‌‌رجاله خمسة:

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثاني والأربعون والمئة

- ‌الحديث الثالث والأربعون والمئة

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب موت يوم الاثنين

- ‌الحديث الرابع والأربعون والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب موت الفجأة البغتة

- ‌الحديث الخامس والأربعون والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث السادس والأربعون والمئة

- ‌رجاله سبعة:

- ‌الحديث السابع والأربعون والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن والأربعون والمئة

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث التاسع والأربعون والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الخمسون والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب ما ينهى من سب الأموات

- ‌الحديث الحادي والخمسون والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب ذكر شرار الموتى

- ‌الحديث الثاني والخمسون والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌خاتمة

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب وجوب الزكاة

- ‌الحديث الأول

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الثالث

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع

- ‌‌‌رجاله أربعة:

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب البيعة على إيتاء الزكاة

- ‌الحديث السابع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب إثم مانع الزكاة

- ‌الحديث الثامن

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ما أدى زكاته فليس بكنز

- ‌الحديث العاشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌رجاله تسعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب انفاق المال في حقه

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الرياء في الصدقة

- ‌باب لا تقبل الصدقة من غلول ولا يقبل إلا من كسب طيب

- ‌باب الصدقة من كسب طيب

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌ورجال هذا التعليق أربعة:

- ‌باب الصدقة قبل الرد

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب اتقوا النار ولو بِشِق تمرة والقليل من الصدقة {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ} إلى قوله: {فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ}

- ‌الحديث العشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب فضل صدقة الشحيح الصحيح

- ‌الحديث الرابع والعشرين

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب صدقة العلانية

- ‌باب صدقة السر

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا تصدق على ابنه وهو لا يشعر

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصدقة باليمين

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب مَنْ أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب لا صدقة إلا عن ظهر غني

- ‌الحديث الحادي والثلاثين

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب المنان بما أعطى

- ‌باب مَنْ أحب تعجيل الصدقة من يومها

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصدقة فيما استطاع

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الصدقة تكفر الخطيئة

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب مَنْ تصدَّق في الشرك ثم أسلم

- ‌الحديث الأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب أجر الخادم إذا تصدّق بأمر صاحبه غير مفسد

- ‌الحديث الحادي والأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الثاني والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب أجر المرّأة إذا تصدقت أو أطعمت مِنْ بيت زوجها غير مفسدة

- ‌الحديث الثالث والأربعون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌الحديث الرابع والأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الخامس والأربعون

- ‌باب قول الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} اللهم أعط منفقَ مالٍ خَلَفًا

- ‌الحديث السادس والأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب مثل المتصدق والبخيل

- ‌الحديث السابع والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثامن والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب صدقة الكسب والتجارة

- ‌باب على كل مسلم صدقة فمن لم يجد فليعمل بالمعروف

- ‌الحديث التاسع والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب قدركم يعطي من الزكاة والصدقة ومَنْ أعطى شاة

- ‌الحديث الخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب زكاة الوَرِق

- ‌الحديث الحادي والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثاني والخمسون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب العَرْض في الزكاة

- ‌الحديث الثالث والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع

- ‌الحديث الخامس والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية

- ‌الحديث السادس والخمسون

- ‌باب زكاة الإبل

- ‌الحديث السابع والخمسون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب مَنْ بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست عنده

- ‌الحديث الثامن والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب زكاة الغنم

- ‌الحديث التاسع والخمسون

- ‌باب لا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا ما شاء المصدق

- ‌الحديث الستون

- ‌باب أخذ العناق

- ‌الحديث الحادي والستون

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة

- ‌الحديث الثاني والستون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب ليس فيما دون خمس ذود صدقة

- ‌الحديث الثالث والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب زكاة البقر

- ‌الحديث الرابع والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الزكاة على الأقارب

- ‌الحديث الخامس والستون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث السادس والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب ليس على المسلم في فرسه صدقة

- ‌الحديث السابع والستون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب ليس على المسلم في عبده صدقة

- ‌الحديث الثامن والستون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب الصدقة على اليتامى

- ‌الحديث التاسع والستون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر

- ‌الحديث السبعون

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي والسبعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب قول الله تعالى {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}

- ‌الحديث الثاني والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب الاستعفاف عن المسألة

- ‌الحديث الثالث والسبعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الرابع والسبعون

- ‌‌‌رجاله خمسة:

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الخامس والسبعون

- ‌الحديث السادس والسبعون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من أعطاه الله شيئًا من غير مسألة ولا اشراف نفس {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}

- ‌الحديث السابع والسبعون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌باب من سأل الناس تكثرًا

- ‌الحديث الثامن والسبعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌ورجاله ستة:

- ‌باب قول الله عز جل لا يسألون الناس الحافًا. وكم الغنى

- ‌الحديث التاسع والسبعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌الحديث الثمانون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌الحديث الحادي والثمانون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌ورجال هذه الطريقة خمسة:

- ‌الحديث الثاني والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثالث والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب خرص التمر

- ‌الحديث الرابع والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب العشر فيما يسقى من ماء السماء والماء البخاري

- ‌الحديث الخامس والثمانون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة

- ‌الحديث السادس والثمانون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب أخذ صدقة التمر عند صرام النخل وهل يترك الصبي فيمس تمر الصدقة

- ‌الحديث السابع والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من باع ثماره أو روضه أو نخله أو زرعه وقد وجب فيه العشر أو الصدقة، فأدى الزكاة من غيره، أو باع ثماره، ولم يجب فيه الصدقة

- ‌الحديث الثامن والثمانون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع والثمانون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث التسعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب هل يشتري صدقته

- ‌الحديث الحادي والتسعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌الحديث الثاني والتسعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب ما يذكر في الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم وآله

- ‌الحديث الثالث والتسعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب الصدقة على موالي ازواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الرابع والتسعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس والتسعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب إذا تحولت الصدقة

- ‌الحديث السادس والتسعون

- ‌‌‌رجاله خمسة:

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السابع والتسعون

- ‌باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا

- ‌الحديث الثامن والتسعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة

- ‌الحديث التاسع والتسعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ما يستخرج من البحر

- ‌الحديث المئة

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب في الركاز الخمس

- ‌الحديث الحادي والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب قول الله تعالى والعاملين عليها ومحاسبة المصدقين مع الإِمام

- ‌الحديث الثاني والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب استعمال إبل الصدقة وألبانها لأبناء السبيل

- ‌الحديث الثالث والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب وَسم الإِمام إبل الصدقة بيده

- ‌الحديث الرابع والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌الحديث الخامس والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين

- ‌الحديث السادس والمئة

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب صدقة الفطر صاع من شعير

- ‌الحديث السابع والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب صدقة الفطر صاع من طعام

- ‌الحديث الثامن والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب صدقة الفطر صاعًا من تمر

- ‌الحديث التاسع والمئة

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب صاع من زبيب

- ‌الحديث العاشر والمئة

- ‌رجاله ستة:

- ‌باب الصدقة قبل العبد

- ‌الحديث الحادي عشر والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌الحديث الثاني عشر والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب صدقة الفطر على الحر والمملوك

- ‌الحديث الثالث عشر والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب صدقة الفطر على الصغير والكبير

- ‌الحديث الرابع عشر والمئة

- ‌رجاله خمسة:

- ‌خاتمة

الفصل: ‌الحديث الثامن والسبعون

‌باب من سأل الناس تكثرًا

أي: فهو مذموم، قال ابن رشيد: حديث المغيرة في النهي عن كثرة السؤال، الذي أورده في الباب الذي يليه، أصرح في مقصود الترجمة من حديث الباب. وإنما آثره عليه لأن من عادته أن يترجم بالأخفى، أو لاحتمال حديث المغيرة ما يأتي، قال: وأشار مع ذلك إلى حديث ليس على شرطه، وهو ما أخرجه التِّرمذيّ عن حَبَشيّ بن جُنادة في أثناء حديث مرفوع، وفيه "ومن سأل الناس ليثري ماله كان خموشًا في وجهه يوم القيامة، فمن شاء فَلْيُقِلّ، ومن شاء فليكثر" وفي صحيح مسلم عن أبي هُريرة ما هو مطابق للفظ الترجمة، فاحتمال كونه أشار إليه أوْلى، ولفظه "من سأل الناس تكثرًا، فإنما يسأل جمرًا" والمعنى أنه يسأل ليجمع الكثير من غير احتياج إليه.

‌الحديث الثامن والسبعون

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ. وَقَالَ إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصْفَ الأُذُنِ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ، ثُمَّ بِمُوسَى، ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. وَزَادَ عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ: فَيَشْفَعُ لِيُقْضَى بَيْنَ الْخَلْقِ، فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ الْبَابِ، فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مَقَامًا مَحْمُودًا، يَحْمَدُهُ أَهْلُ الْجَمْعِ كُلُّهُمْ.

وقوله: عن عبيد الله بن أبي جعفر، في رواية أبي صالح الآتية "حدثنا عبيد الله". مُزْعَة لحم، بضم الميم، وحكي كسرها وسكون الزاي بعدها مهملة، أي قطعة. وقال ابن التين: ضبطه بعضهم بفتح الميم والزاي، والذي هو المحفوظ الضم، قال الخطابيّ: يحتمل أن يكون المراد أنه يأتي ساقطًا لا قدر له. ولا جاء، أو يعذب في وجهه حتى يسقط لحمه، لمشاكلة العقوبة في مواضع الجناية من الأعضاء، لكونه أذل وجهه بالسؤال أو أنه يبعث ووجهه عَظْم كله، فيكون ذلك شعاره الذي يعرف به.

والأول صرف للحديث عن ظاهره وقد يؤيده ما أخرجه الطبرانيّ البزار، عن مسعود بن عمرو، مرفوعًا "لا يزال العبد يسأل وهو غنيّ حتى يُخْلِقَ وجهَه، فلا يكون له عند الله وجه". وقال ابن أبي

ص: 390

جَمرة: معناه أنه ليس في وجهه شيء من الحُسْن، لأن حُسْن الوجه هو بما فيه من اللحم، ومال الملهب إلى حمله على ظاهره، وإلى أن السر فيه أن الشمس تدنو يوم القيامة، فإذا جاء لا لحم بوجهه كانت أَذِيَّةُ الشمس له أكثر من غيره. قال: والمراد به: مَنْ سأل تَكَثُّرًا وهو غني لا تحل له الصدقة، وأما من سأل وهو مضطر، فذلك مباح فلا يعاقب عليه، وبهذا تظهر مناسبة إيراد هذا الطرف من حديث الشفاعة عقب هذا الحديث.

قال ابن المنير: لفظ الحديث قال على ذم تكثير السؤال، والترجمة لمن سأل تكثرًا، والفرق بينهما ظاهر، لكن لما كان المتوعد عليه، على ما تشهد به القواعد، هو السائل عن غنى، وأن سؤال ذي الحاجة مباحٌ، نزّل البخاري الحديث على من يسأل ليكثر ماله.

وقوله: حتى يبلغ العرق نصف الأذن، وفي حديث أبي هُريرة في الرقاق "يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعًا، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم" قال عياض: يحتمل أن يريد عرق الإنسان نفسه بقدرخوفه مما يشاهد من الأهوال، ويحتمل أن يريد عرقه وعرق غيره، فيشدد على بعض ويخفف على بعض، وهذا كله بتزاحم الناس وانضمام بعضهم إلى بعض، حتى صار العرق يجري سائحًا في وجه الأرض، كالماء في الوادي، بعد أن شربت منه الأرض، وغاص فيها سبعين ذراعًا.

واستشكل بأن الجماعة إذا وقفوا في الماء الذي على أرض معتدلة، كانت تغطية الماء لهم على السواء، لكنهم إذا اختلفوا في الطول والقصر، تفاوتوا، فكيف يكون الكل إلى الأذن؟ الجواب أن ذلك من الخوارق الواقعة يوم القيامة. والأولى أن تكون الإشارة بمن يصل الماء إلى أذنيه، إلى غاية ما يصل الماء، ولا ينفي أن يصل الماء لبعضهم إلى دون ذلك.

قلت: الأولى في الجواب عندي أن الناس يوم القيامة على طول رجل واحد، كما ورد في الصحيح. وقد أخرج الحاكم عن عقبة بن عامر، رفعه، "تدنو الشمس من الأرض يوم القيامة، فيعرق الناس، فمنهم من يبلغ عرقه عقبه، ومنهم من يبلغ ساقه، ومنهم من يبلغ ركبته، ومنهم من يبلغ فخذه، ومنهم من يبلغ خاصرته، ومنهم من يبلغ منكبه، ومنهم من يبلغ فاه، وأشار بيده فألجمها فاه، ومنهم من يغطيه عرقه، وضرب بيده على رأسه". وله شاهد عند مسلم، من حديث المقداد بن الأسود، وليس بتمامه، وفيه "تُدَنّى الشمسُ يوم القيامة من الخلق، حتى تكون منهم كمقدار ميل، فتكون الناس على مقدار أعمالهم في العرق .. " الحديث. فإنه ظاهر في أنهم يستوون في وصول العرق إليهم، ويتفاوتون في حصوله فيهم.

وقوله، في الحديث: سبعين ذراعًا، في رواية الإسماعيلي عن سُليمان بن بلال "سبعين باعًا"، وعند الطبرانيّ والبيهقيّ عن ابن مسعود "أن الرجل ليفيض عرقًا حتى يسيح في الأرض قامة، ثم يرفع حتى يبلغ أنفه" وفي رواية عنه عند أبي يعلى، وصححها ابن حِبّان أن الرجل ليلجمه العرق

ص: 391

يوم القيامة حتى يقول: يا ربِّ، أرِحني ولو إلى النار" وقد جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن الذي يلجمه العرق الكافر. أخرجه البيهقيّ في البعث عنه، بسند جيد، قال: "يشتد كرب ذلك اليوم حتى يلجم الكافرَ العرقُ. قيل له: أين المؤمنون؟ قال: على الكراسي من ذهب، ويظلل عليهم الغمام".

وبسند قوي عن أبي موسى قال: الشمس فوق رؤوس الناس يوم القيامة، وأعمالهم تظلهم. وأخرج ابن المبارك في الزهد، وابن أبي شيبة في المصنف، واللفظ له بسند جيد، عن سلمان قال:"تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين، ثم تُدنى من جماجم الناس حتى تكون قاب قوسين، فيعرقون حتى يرشح العرق في الأرض قامة، ثم يرتفع حتى يفرغ الرجل" زاد ابن المبارك في روايته "ولا يضر حرها يومئذ مؤمنًا ولا مؤمنة". قال القرطبيّ: "المراد من يكون كامل الإيمان، لما يدل عليه حديث المقداد وغيره، أنهم يتفاوتون في ذلك بحسب أعمالهم". وأخرج أبو يعلى، وصححه ابن حبان، عن أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يوم يقوم الناس لرب العالمين قال: مقدار نصف يوم من خمسين ألف سنة، فيهون ذلك على المؤمن كتدلي الشمس إلى أن تغرب" قلت: الظاهر تقييد هذا بما قيد به القرطبيّ الذي قبله.

وأخرج أحمد وابن حِبان عن أبي سعيد والبَيْهقيّ عن أبي هريرة "يحشر الناس قيامًا أربعين سنة، شاخصة أبصارهم إلى السماء، فيلجمهم العرق من شدة الكرب". وهذا كله كالصريح في أن وقوعه في الموقف، وقد ورد أن التفصيل الذي في حديث عقبة والمقداد، يقع مثله لمن يدخل النار، فقد أخرج مسلم عن سمرة، رفعه:"ان منهم من تأخذه النار إلى ركبته، ومنهم من تأخذه إلى حَجْزته"، وفي رواية "إلى حَقْويه"، "ومنهم من تأخذه إلى عنقه" وهذا يحتمل أن تكون النار فيه مجازًا عن شدة الكرب الناشىء عن العرق، فيتحد الموردان، ويحتمل أن يكون ورد في حق من يدخل النار من الموحدين، فإن أحوالهم في التعذيب تختلف بحسب أعمالهم، وأما الكفار فإنهم في الغمرات. قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة. ظاهر الحديث تعميم الناس بذلك، ولكن دلت الأحاديث الأخرى على أنه مخصوص بالبعض، وهم الأكثر، ويستثنى الأنبياء والشهداء، ومن شاء الله فأشهدهم في العرف الكفار، ثم أصحاب الكبائر، ثم من بعدهم، والمسلمون منهم قليل بالنسبة إلى الكفار.

قال: والظاهر أن المراد بالذرائع في الحديث المتعارف، وقيل: هو الذراع المكي، ومن تأمل الحالة المذكورة عرف شدة الهول فيها، وذلك أن النار تحفُّ بأرض الموقف، وتدنى الشمس من الرؤوس قدر ميل، فكيف تكون حرارة تلك الأرض؟ وماذا يرويها من العرق حتى يبلغ منها سبعين ذراعًا؟ مع أن كل واحد لا يجد إلا قدر موضع قدمه، فكيف تكون حالة هؤلاء في عرقهم مع تنوعهم فيه؟ إن هذا لمما يبهر العقول، ويدل على عظيم القدرة، ويقتضي الإيمان بأمور الآخرة، وأن ليس للعقل فيها مجال، ولا يعترض عليها بعقل ولا قياس ولا عادة، وإنما يؤخذ بالقبول، ويدخل تحت

ص: 392

الإيمان بالغيب، ومن توقف في ذلك دل على خسرانه وحرمانه.

وفائدة الإخبار بذلك أن يتنبه السامع، فيأخذ في الأسباب التي تخلصه من تلك الأهوال، ويبادر إلى التوبة من التبعات، ويلجأ إلى الكريم الوهاب في عونه على أسباب السلامة، ويتضرع إليه في سلامته من دار الهوان، وإدخاله دار الكرامة بمنه وفضله. وقوله: استغاثوا بآدم ثم بموسى، الخ وقع هنا اختصار، ويأتي في الرقاق، في حديث الشفاعة الطويل أن الاستغاثة أولًا بآدم، ثم نوح، ثم بإبراهيم، ثم بموسى، ثم بعيسى، ثم بمحمد عليهم الصلاة والسلام، وهو لأنس، وأوله "يجمع الله الناس يوم القيامة، فيقولون: لو استشفعنا على ربنا حتى يريحنا من مكاننا، فيأتون آدم، فيقولون: أنت الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة، فسجدوا لك، فاشفع لنا عند ربنا، فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته، ويقول: ائتوا نوحًا".

وقوله يجمع الله الناس يوم القيامة، إلخ وفي رواية المستملي "جمع"، بصيغة الماضي، والأول المعتمد، وفي رواية معبد بن هلال عند المصنف في التوحيد "إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضُهم في بعض" وأول حديث أبي هريرة في التفسير "أنا سيد الناس يوم القيامة، يجمع الله الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، فيبلغ الناس من الفم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون" وفي رواية عنه "وتدنو الشمس من رؤوسهم، فيشتد عليهم حرها، ويشق عليهم دنوها، فينطلقون من الضجر، والجزع مما هم فيه"، وأول حديث أبي بكر عند مسلم "عرُض عليَّ ما هو كائن من أمر الدنيا والآخرة، يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيفظع الناس لذلك، والعرق كاد يلجمهم". وقد مرَّ حديث المقداد في هذا، وحديث سلمان الفارسي.

وفي رواية النضر بن أنس عن أنس عند أحمد "نعم ما هم فيه، والخلق ملجمون بالعرق، وأما المؤمن فهو عليه كالزكمة، وأما الكافر فيغشاه الموت" وفي حديث عُبادة بن الصامت "إني لسيد الناس يوم القيامة بغير فخر، وما من الناس إلا من هو تحت لوائي ينتظر الفرج، وإن معي لواء الحمد". وفي رواية هشام الدستوائيّ عند المصنف في التفسير، ورواية سعيد بن أبي عَروبة كذلك، ورواية همام في التوحيد "يجتمع المؤمنون" وتبين من رواية النضر بن أنس أن التعبير بالناس أرجح، لكن الذين يطلبون الشفاعة هم المؤمنون.

وقوله: فيقولون لو استشفعنا، وفي رواية مسلم "فيُلْهَمون ذلك" وفي لفظ "فيهتمون بذلك" وفي رواية همام "حتى يهتموا بذلك". وقوله: على ربنا، في رواية هشام وسعيد "إلى ربنا". توجه بأنه ضمن معنى استشفعنا سعى، لأن الاستشفاع طلب الشفاعة، وهي انضمام الأدنى إلى الأعلى، ليستعين به على ما يرومه. وفي حديث حُذيفة وأبي هُريرة معًا، عند مسلم، "يجمع الله الناس يوم القيامة، فيقوم المؤمنون حتى تُزْلَف لهم الجنة، فيأتون آدم" و"حتى" غاية لقيامهم المذكور، ويؤخذ

ص: 393

منه أن طلبهم الشفاعة يقع حين تزلف لهم الجنة. وفي أول حديث أبي سعيد عند مسلم "أنا أول من تنشقُّ عنه الأرض" وفيه "فيفزع الناس ثلاث فزعات، فياتون آدم .. " الحديث.

قال القرطبيّ: كأنَّ ذلك يقع إذا جيء بجهنم، فإذا زَفَرَت فَزِع الناس حينئذ، وَجَثوا على رُكَبهم. وقوله: حتى يريحنا، في رواية مسلم: فيريحنا، وفي رواية ثابت عن أنس "يطول يوم القيامة على الناس، فيقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر، فليستشفع بنا إلى ربنا، فليقض بيننا" وفي رواية سَلْمان "فإذا رأوا ما هم فيه، قال بعضهم لبعض: ائتوا أباكم آدم" وفي رواية حُذيفة وأبي هُريرة "فيقولون: يا أبانا، استفتح لنا الجنة". وقوله: "فيأتون آدم، في رواية شيبان "فينطلقون حتى يأتوا آدم، فيقولون: أنت الذي .. " وفي حديث مُسلم "يا آدم أنت أبو البشر .. " وفي حديث أبي بكر "أنت أبو البشر، وأنت اصطفاك الله".

وقوله: ونفخ فيك من روحه، زاد في رواية همام "وأسكنك جنته، وعلمك أسماء كل شيء". وقوله: فاشفع لنا عند ربنا، في رواية مسلم "عند ربك". زاد أبو هريرة "ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما بلغنا؟ " وقوله: لست هناكم، قال عياض: هو كناية عن أن منزلته دون المنزلة المطلوبة. قاله تواضعًا وإكبارًا لما يسألونه. قال: وقد يكون فيه إشارة إلى أن هذا المقام ليس لي بل لغيري، وفي رواية سعيد بن هلال "فيقول: لست لها" وكذا في بقية المواضع. وفي رواية حُذيفة "لست بصاحب ذاك" وهو يؤيد الإشارة المذكورة.

وقال بعض العلماء: إن فيه استعمال ظرف المكان في الزمان، لأن هنا ظرف مكان، فاستعملت في ظرف الزمان، لأن المعنى لست في ذلك المقام. وفي هذا نظر، إنما هو ظرف مكان على بابه، لكنه المعنويّ لا الحسيّ، مع أنه يمكن حمله على الحسيّ، لما جاء من أنه عليه الصلاة والسلام يباشر السؤال بعد أن يستأذن في دخوله الجنة. وعلى قول من يفسر المقام المحمود بالقعود على العرش يتحقق ذلك أيضًا. وقوله: ويذكر خطيئته، زاد مسلم "التي أصاب" والراجع إلى الموصول محذوف، تقديره أصابها. زاد همام في روايته "أكْلَه من الشجرة وقد نُهِيَ عنها" وهو ينصب أكله بدل من خطيئته.

وفي رواية هشام "فيتذكر ذنبه، فيستحي" وفي رواية ابن عباس عند أحمد "إني قد أُخرجتُ بخطيئتي من الجنة" وفي رواية أبي سعيد "وإني أَذنبتُ ذنبًا فأُهبطْتُ به إلى الأرض" وفي رواية حُذيفة وأبي هُريرة معًا "هل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم؟ ". وفي رواية ثابت عن سعيد بن منصور "إني أخطأت وأنا في الفردوس، فإن يغفر لي اليوم حسبي" وفي حديث أبي هُريرة "إنَّ ربيّ غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي نفسي نفسي، إذهبوا إلى غيري". وقوله: ائتوا نوحًا أول رسول بعثه الله، فيأتونه، فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته. وقوله. ائتوا نوحًا، في رواية مسلم: ولكن ائتوا نوحًا أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، فيأتون نوحًا. وفي رواية هشام "فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل

ص: 394

الأرض" وفي حديث أبي بكر انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم إلى نوح، ائتوا عبدًا شاكرًا، وفي حديث أبي هُريرة "اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحًا، فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وقد سماك الله عبدًا شكورًا، وفي حديث أبي بكر "فينطلقون إلى نوح، فيقولون: يا نوح، اشفع لنا إلى ربك، فإن الله اصطفاك. واستجاب لك في دعائك، ولم يدع على الأرض من الكافرين دَيّارًا".

ويجمع بينهما بأن آدم سبق إلى وصفه بأنه أول رسول، فخاطبه أهل الموقف بذلك، وقد استشكلت هذه الأولية بأن آدم نبي مرسل، وكذا شيث وإدريس. وهو قل نوح، وقد مرَّ الجواب عن ذلك في شرح حديث جابر "أعطيت خمسًا" في كتاب التيمم. وفيه: وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة. ومحصل الأجوبة عن الإشكال المذكور، أن الأولية مقيدة بقوله "أهل الأرض" لأن آدم ومن معه، لم يرسلوا إلى أهل الأرض، واستشكل عليه حديث جابر، ويجاب بأنَّ بعثته إلى أهل الأرض باعتبار الواقع، لصدق أنهم قومه، بخلاف عموم بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لقومه ولغير قومه، أو الأولية مقيدة بكونه أهلك قومه، أو أن الثلاثة كانوا أنبياء، ولم يكونوا رسلًا، وإلى هذا جنح ابن بطال في حق آدم، وتعقبه عياض بما صححه ابن حِبّان عن أبي ذَرٍّ، فإنه كالصريح في أنه كان مرسلًا.

وفي التصريح بإنزال الصحف على شيث، وهو من علامات الإِرسال، وأما إدريس فذهبت طائفة إلى أنه كان في بني إسرائيل، وهو إلياس، ويأتي ذلك إن شاء الله تعالى في أحاديث الأنبياء. ومن الأجوبة أن رسالة آدم كانت إلى بنيه، وهم موحدون، ليعلمهم شريعته، ونوح كانت رسالته إلى قوم كُفّار، يدعوهم إلى التوحيد. وقوله: فيقول لست هناكم، ويذكر خطيئته، في رواية هشام "يذكر سؤاله ربه ما ليس له به علم" وفي رواية سعيد بن هلال مثل جواب آدم، لكنه قال:"وإنه كان لي دعوة دعوتُ بها على قومي". وفي حديث ابن عباس "فيقول ليس ذاكم عندي" وفي حديث أبي هريرة "إني دعوت بدعوة أغرقتْ أهل الأرض".

ويجمع بينه وبين الأول بأنه اعتذر بأمرين: أحدهما نهي الله تعالى له أن يسأل ما ليس له به علم، فخشي أن تكون شفاعته لأهل الموقف من ذلك. ثانيهما: أن له دعوة واحدة محققة الإجابة، وقد استوفاها بدعائه على أهل الأرض، فخشي أن يطلب فلا يجاب. وقال بعض الشراح: كان الله وعد نوحًا أن ينجيه وأهله، فلما غرق ابنه ذكر لربه ما وعده، فقيل له: المراد من أهلك من آمن وعمل صالحًا، فخرج ابنك منهم، فلا تسأل ما ليس لك به علم، وقد سقط من حديث حُذيفة المقرون بحديث أبي هُريرة ذكرُ نوح، فقال في قصة آدم "اذهبوا إلى ابني إبراهيم" وكذا سقط في حديث ابن عمر، والعمدة على من حفظ، وذكر الغزاليّ في كشف علوم الآخرة أن بين إتيان أهل الموقف آدم، وإتيانهم نوحًا ألف سنة، وكذا بين كل نبي ونبي إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

قال في الفتح: ولم أقف لذلك على أصل، ولقد أكثر في هذا الكتاب من إيراد أحاديث لا أصول لها، فلا يغتر بشيء منها. وقوله: ائتوا إبراهيم الذي اتخذه الله خليلًا، فيأتونه، فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته. في رواية مسلم "ولكن ائتوا إبراهيم الذي اتخذه الله خليلًا. وفي

ص: 395

رواية معبد بن هلال "ولكن عليكم بإبراهيم، فهو خليل الله. وقوله: فيأتونه، في رواية مسلم: فيأتون إبراهيم، زاد أبو هريرة "فيقولون: يا إبراهيبم، أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض، قم اشفع لنا إلى ربك .. " وذكر مثل ما لآدم قولًا وجوابًا، إلا أنه قال: قد كنت كذبت ثلاث كذبات، وذكرهن.

وقوله: فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته، زاد مسلم "التي أصاب، فيستحي ربه منها" وفي حديث أبي بكر "ليس ذاكم عندي" وفي حديث همام "إني كنت كذبت ثلاث كذبات" زاد شيبان قوله "إني سقيم". وقوله: فعله كبيرهم هذا، وقوله لامرأته: أخبريه أني أخوك .. وفي رواية أبي سعيد: فيقول إني كذبت ثلاث كذبات. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما منها كذبة إلا ما حل بها عن دين الله" وما حل بمعنى جادل وزنًا ومعنى. وفي رواية حُذيفة المقرونة: لست بصاحب ذاك، إنما كنت خليلًا من وراءَ وراءَ، ضبط بفتح الهمزة وضمها. واختلف الترجيح فيهما. قال النووي: أشهرهما الفتح بلا تنوين، ويجوز بناؤهما على الضم، وصوبه أبو البقاء والكنديّ، وصوب ابن دَحْية الفتح على أن الكلمة مركبة مثل شَذَرَمَذَر، وإن ورد منصوبًا منونًا جاز، ومعناه: لم أكن في التقريب.

والإدلال بمنزلة الحبيب قيل: هذه كلمة تقال على سبيل التواضع، أي: لست في تلك الدرجة. قال صاحب التجريد: وقد وقع لي فيه معنى مليح، وهو أن الفضل الذي أعطيته كان بسفارة جبريل، ولكن ائتوا موسى الذي كلمه الله بلا واسطة، وكرر وراء، إشارة إلى نبينا صلى الله عليه وسلم؛ لأنه حصلت له الرؤية والسماع بلا واسطة، فكأنه قال: أنا وراء موسى الذي هو وراء محمد. قال البيضاويّ: والحق أن الكلمات الثلاث إنما كانت من معاريض الكلام، لكن لما كانت صورتها صورة الكذب، أشفق منها استصغارًا لنفسه عن الشفاعة، مع وقوعها، لأن من كان أعرف بالله تعالى وأقرب إليه منزلة، كان أعظم خوفًا.

وقوله: ائتوا موسى الذي كلمه الله، فيأتونه، فيقول: لست هناكم، فيذكر خطيئته. قوله: كلمه الله، في رواية مسلم "ولكن ائتوا موسى" وزاد: وأعطاه التوراة، وفي رواية معبد بن هلال "ولكن عليكم بموسى فهو كليم الله" وفي رواية الإسماعيليّ "عبدًا أعطاه الله التوراة، وكلمه تكليمًا" زاد همام "وقربه نجيًا" وقوله: فيأتونه، في رواية مسلم "فيأتون موسى، فيقول" وفي رواية أبي هريرة "فيقولون: يا موسى، أنت رسول الله، فضلك الله برسالته، وكلامه، على الناس، اشفع لنا. فذكر مثل آدم قولًا وجوابًا، لكنه قال: إني قتلت نفسًا لم أُومر بقتلها".

وقوله: فيذكر خطيئته، زاد مسلم التي أصاب قَتْل النفس، وللإسماعيليّ: فيستحي ربه منها، وفي رواية سعيد بن منصور: اني قتلت نفسًا بغير نفس، وأن يغفر لي اليوم حسبي. وقوله: ائتوا عيسى، فيأتونه فيقول: لست هناكم، وقوله: ائتوا عيسى، زاد مسلم "رُوح الله وكلمته" وفي رواية هشام عبد الله ورسوله وكلمته "وروحه" وفي حديث أبي بكر "فإنه كان يبرىء الأكمه والأبرص،

ص: 396

ويحي الموتى. وقوله: فيأتونه، في رواية مسلم "فيأتون عيسى، فيقول: لست هناكم". وفي رواية أبي هريرة "فيقولون: يا عيسى، أنت رسول الله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وكلمت الناس في المهد صبيًا، إشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فذكر مثل آدم قولًا وجوابًا، لكن قال: ولم يذكر سببًا، لكن في التِّرمذيّ عن أبي سعيد أني عُبدت من دون الله، وفي رواية أحمد والنَّسائيّ عن ابن عباس "إني اتُّخِذْت إلهًا من دون الله".

وعند سعيد بن منصور نحوه، وزاد "وإن يغفر لي اليوم حسبي". وقوله "ائتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني، فاستأذن على ربي .. الخ". في رواية مسلم "عبد غفر له .. " الخ. وفي رواية معتمر "انطلقوا إلى ما جاء مغفورًا له، ليس عليه ذنب" وفي رواية ثابت "خاتم النبيين قد حضر اليوم، أرأيتم لو كان متاع في وعاء قد ختم عليه، أكان يقدر على ما في الوعاء حتى يُفَضَّ الخاتَم؟ " وعند سعيد بن منصور "فيرجعون إلى آدم فيقول: أرأيتم .. الخ" وفي حديث أبي بكر "ولكن انطلقوا إلى سَيِّد وَلَد آدم، فإنه أول من تنشق عنه الأرض".

وقد اختلفوا في تأويل قوله تعالى {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} وقد مرَّ ما فيه من الخلاف في حديث باب "أنا أعلمكم بالله" من كتاب الإيمان. ويستفاد من قول عيسى في حق نبينا هذا، ومن قول موسى: إني قتلت نفسًا بغير نفس، وإن يغفر لي اليوم حسبي، مع أن الله غفر له بنص القرآن العظيم -التفرقةُ بين من وقع منه شيء، ومن لم يقع منه شيء أصلًا، فإن موسى عليه السلام مع وقوع المغفرة له، لم يرتفع اشفاقه من المؤاخذة بذلك، ورأى في نفسه تقصيرًا عن مقام الشفاعة مع وجود ما صدر منه، بخلاف نبينا صلى الله عليه وسلم في ذلك كله، ومن ثمَّ احتج عيسى بأنه صاحب الشفاعة، لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، بمعنى أن الله أخبر أنه لا يؤاخذه بذنب لو وقع منه.

وقوله: فيأتوني، في رواية النضر بن أنس عن أبيه؛ حدثني نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: إني لقائم ثمَّ انتظر أمتي تعبر الصراط، إذ جاء عيسى فقال: يا محمد، هذه الأنبياء قد جاءتك يسألون لتدعو الله أن يفرق جمع الأمم إلى حيث يشاء، نعم ما هم فيه". فأفادت هذه الرواية تعيين موقف النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ، وأن هذا الذي وصف من كلام أهل الموقف، كله يقع عند نصب الصراط، بعد تساقط الكفار في النار، كما يأتي قريبًا، وأن عيسى عليه السلام، هو الذي يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الأنبياء جميعًا يسألونه في ذلك.

وأخرج التِّرمذيّ وغيره عن أبيّ بن كعب في نزول القرآن على سبعة أحرف، وفيه وأخرت الثالثة ليوم ترغب إلى فيه الخلق حتى إبراهيم عليه السلام، وفي رواية معبد بن هلال "فيأتؤني فأقول: أنا لها" زاد عقبة بن عامر في الزهد لابن المبارك "فيأذن الله لي فأقوم، فيثور من مجلسي أطيب ريح شمها أحد" وفي حديث سلمان بن أبي بكر بن أبي شيبة "يأتون محمدًا فيقولون: يا نبي الله، أنت

ص: 397

الذي فتح الله بك، وختم، وغفر لك ما تقدم وما تأخر، وجئت في هذا اليوم آمنًا، وترى ما نحن فيه، فقم فاشفع لنا إلى ربنا، فيقول: أنا صاحبكم، فيجوش الناس حتى ينتهي إلى باب الجنة". وفي رواية معتمر، فيقول: أنا صاحبها.

وقوله: فأستأذن، في رواية هشام "فأنطلق حتى أستأذن" وقوله: على ربي، زاد همام "في داره، فيؤذن لي" قال عياض: أي: في الشفاعة، وتعقب بأن ظاهر ما تقدم أن استئذانه الأول والإذن له إنما هو في دخول الدار، وهي الجنة. وأضيفت إلى الله تعالى إضافة تشريف ومِنَّة، والله يدعو إلى دار السلام على القول بأن المراد بالسلام هنا الاسم الأعظم، وهو من أسمائه تعالى. قيل: الحكمة في انتقال النبي صلى الله عليه وسلم، من مكانه إلى دار السلام أن أرض الموقف لما كانت مقام عرض وحساب، كانت مكان مخافة واشفاق، ومقام الشافع يناسب أن يكون مكان إكرام، ومن ثم يستحب أن يتحرى للدعاء المكان الشريف، لأن الدعاء فيه أقرب للإجابة. وقد جاء في بعض طرقه من جملة سؤال أهل الموقف استفتاح باب الجنة.

وفي صحيح مسلم أنه أول من يستفتح باب الجنة، وفي رواية علي بن زيد عند التِّرمذيّ "فآخذ حلقة باب الجنة، فأقعقعها، فيقال: من هذا؟ فأقول: محمد، فيفتحون ويرحبون، فأَخِرُّ ساجدًا" وعند مسلم عن أنس "فيقول الخازن: من؟ فأقول: محمد، فيقول بك أُمرت أن لا أفتح لأحد قبلك". وله أيضًا عن أنس، رفعه "أنا أول من يقرع باب الجنة" وفي رواية عن أنس "آتي باب الجنة فاستفتح فيقال: من هذا؟ فأقول: محمد، فيقال: مرحبًا بمحمد" وفي حديث سلمان "فيأخذ بحلقة الباب، وهي من ذهب، فيقرع الباب فيقال: من هذا؟ فيقول: محمد، فيفتح له، حتى يقوم بين يدي الله، فيستأذن في السجود فيؤذن له" وفي حديث أبي بكر "فيأتي جبريل ربَّه، فيقول: ائذن له" وقوله: فإذا رأيته وقعت له ساجدًا، في رواية أبي بكر "فآتي تحت العرش، فأقع ساجدًا لربي" وعند ابن وحِبّان عن أنس "فيتجلى له الرب، ولا يتجلى لشيء قبله" وعند أبي يعلى عن أُبيّ بن كعب، رفعه "يعرفني الله نفسه، فأسجد له سجدة يرضى بها عني، ثم أمتدحه بِمدحةٍ يرضى به عني".

وقوله: فيدعني ما شاء الله، زاد مسلم "أن يدعني" وفي حديث عبادة بن الصامت "فإذا رأيت ربي خررت له ساجدًا له" وفي رواية معبد بن هلال "فأقوم بين يده، فيلهمني محامد لا أقدر عليها الآن، فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدًا، وفي حديث أبي بكر الصديق "فينطلق إليه جبريل فيخر ساجدًا قدر جُمعة" وقوله: ثم يقال لي ارفع رأسك، في رواية مسلم "فيقال: يا محمد". وكذا في أكثر الروايات، وفي رواية النضر بن أنس "فأوحى الله إلى جبريل أن اذهب إلى محمد فقل له ارفع رأسك" فعلى هذا المعنى يقول لي على لسان جبريل. وقوله: وسَلْ تُعْطَه، وقيل يسمع، واشفع تُشَفَّع، وفي رواية مسلم بغير "واو" وفي أكثر الروايات سقوط "وقلْ يسمع" وفي

ص: 398

حديث أبي بكر "فيرفع رأسه فإذا نظر إلى ربه خر ساجدًا قدر جُمعة"، وفي حديث سلمان "فينادي: يا محمد، ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، وادع تجب".

وقوله: فأرفع رأسي، فأحمد ربي بتحميد يعلمني، وفي رواية هشام "يعلمنيه" وفي رواية ثابت "بمحامد لم يحمده بها أحد قبلي، ولا يحمده بها أحد بعدي" وفي حديث سلمان "فيفتح الله له من الثناء والتحميد والتمجيد ما لم يفتح لأحد من الخلائق" وكأنه صلى الله عليه وسلم يلهم التحميد قبل سجوده وبعده" وفيه، يكون في كل مكان ما يليق به، وقد ورد ما لعله يفسر به بعض ذلك، لا جميعه، ففي النَّسائي ومصنف عبد الرزاق ومعجم الطبرانيّ، عن حذيفة، رفعه، قال: "يجمع الناس في صعيد واحد فيقال: يا محمد، فأقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، والمهدي من هَديت، وعبدك بين يديك، وبك وإليك، تباركت وتعاليت، سبحانك لا ملجأ ولا منجي منك إلا إليك" زاد عبد الرزاق "سبحانك رب البيت" فذلك قوله {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال ابن مَنْده: هذا حديث مُجْمع على صحة إسناده، وثقة رجاله.

وقوله: ثم أشفع فيحد لي حدًا، في رواية معبد "فأقول: ربِّ أمتي أمتي أمتي، فيحد لي حدًا" أي: يبين لي في كل طور من أطوار الشفاعة حدًا أقف عنده، فلا أتعداه، مثل أن يقول: شفَّعتك فيمن أخل بالجماعة، ثم فيمن أخل بالصلاة، ثم فيمن شرب الخمر، ثم فيمن زنى، وعلى هذا الأسلوب حكاه الطيبيّ، والذي يدل عليه سياق الأخبار أن المراد به تفضيل مراتب المخرجين في الأعمال الصالحة، كما عند أحمد. وفي رواية ثابت عند أحمد "فأقول: أيْ ربّ أمتي أمتي، فيقول: أخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة" وفي طريق النضر بن أنس قال: "فشفعت في أمتي أن أخرج من كل تسعة وتسعين إنسانًا واحدًا، فما زلت أتردد على ربي لا أقوم منه مقامًا إلا شفعت". وقد مرَّ الكلام على هذا في كتاب الإيمان، وفي أبواب صفة الصلاة في باب فضل السجود.

وقوله: ثم أخرجهم من النار، وأدخلهم الجنة، قال الداوديّ: كأنَّ راوي هذا الحديث ركّب شيئاً على غير أصله، وذلك أن في أول الحديث ذكر الشفاعة في الإراحة من كرب الموقف، وفي آخره ذكر الشفاعة في الإِخراج من النار، يعني: وذلك إنما يكون بعد التحول من الموقف، والمرور على الصراط، وسقوط من يسقط في تلك الحالة في النار، ثم تقع بعد ذلك الشفاعة في الإخراج. وهو إشكال قويّ، وقد أجاب عنه عياض وتبعه النوويّ وغيره، بأنه قد وقع في حديث حُذيفة المقرون بحديث أبي هُريرة، بعد قوله "فيأتون محمدًا فيقوم، ويؤذن له" أي: في الشفاعة "وترسل الأمانة والرحم، فيقومان جنبي الصراط يمينًا وشمالًا، فيمر أولكم كالبرق .. " الحديث. قال عياض: فبهذا يتصل الكلام، لأن الشفاعة التي لجأ الناس إليه فيها، هي الإراحة من كرب الموقف، ثم تجيء الشفاعة في الإخراج.

وقد جاء في حديث أبي هريرة بعد ذكر الجمع في الموقف الأمرُ باتباع كل أمة ما كانت تعبد،

ص: 399

ثم تمييز المنافقين من المؤمنين، ثم حلول الشفاعة بعد وضع الصراط والمرور عليه، فكأن الأمر باتباع كل أمة ما كانت تعبد هو أول فصل القضاء، والإراحة من كرب الموقف. قال: وبهذا تجتمع متون الأحاديث، وتترتب معانيها، فكأنّ بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر، فظهر أنه عليه الصلاة والسلام أول ما يشفع ليقضي بين الخلق، وأن الشفاعة فيمن يخرج من النار ممن سقط، تقع بعد ذلك. وفي حديث ابن عمر الذي في الباب "فيشفع ليقضي بين الخلق، فيمشي حتى يأخذ بحلَقَة الباب، فيومئذ يبعثه الله مقامًا محمودًا يحمده أهل الجمع كلهم". وفي حديث أُبيّ بن كعب عند أبي يعلى "ثم أمتدحه بمدحة يرضى بها مني، ثم يؤذن لي في الكلام، ثم تمر أمتي على الصراط، وهو منصوب بين ظهراني جهنم، فيمرون، وفي رواية ابن عباس عند أحمد فيقول عز وجل: "يا محمد، ما تريد أن أصنع في أمتك؟ فأقول: يا ربِّ عجل حسابهم وفي رواية عنه أيضًا عند أحمد وأبي يعلى: فأقول: أنا لها حتى يؤذن الله لمن يشاء ويرضى، فإذا أراد الله أن يفرغ من خلقه نادى منادٍ أين محمد وأمته؟

الحديث وتعرض الطيبي للجواب عن الإشكال بطريق آخر فقال: يجوز أن يراد بالنار الحبس والكرب والشدة التي كان أهل الموقف فيها من دنو الشمس إلى رؤوسهم وكربهم، بحرِّها وسفعها، حتى الجمهم العرق. وإن يراد بالخروج منها خلاصهم من تلك الحالة التي كانوا فيها، وهو احتمال، إلا أن يقال إنه يقع اخراجان ذكر أحدهما في حديث الباب على اختلاف طرقه، والمراد به الخلاص من كرب الموقف والثاني في الحديث المتقدم في باب فضل السجود. ويكون قوله فيه: من كاتن يعبد شيئًا فليتبعه بعد تمام الخلاص من الموقف، ونصب الصراط، والإذن في المرور عليه، ويقع الإخراج الثاني لمن يسقط في النار حال المرور، فيتحدا. وقد مرّت الإشارة إلى هذا عند الكلام على "حتى يبلغ العرق نصف الأذن" وأجاب القرطبيّ عن أصل الإشكال بأن في قوله في حديث أبي هريرة، بعد قوله عليه الصلاة والسلام "فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: ادخل من أمنك من الباب الأيمن من أبواب الجنة مَنْ لا حساب عليهم. ولا عذاب"، قال: في هذا ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم، يشفع فيما طلب من تعجيل الحساب، فإنه لما أُذن له في إدخال مَنْ لا حساب عليه، دل على تأخير مَنْ عليه حساب ليحاسب.

وفي حديث الصُّور الطويل عند أبي يعلى "فأقول: يا ربِّ، وعدتني الشفاعة فشفعني في أهل الجنة يدخلون الجنة. فيقول الله: قد شفعتك فيهم، وأذنت لهم في دخول الجنة". وهذا فيه إشعار بأن العرض والميزان وتطاير الصحف يقع في هذا الموطن، ثم ينادي المنادي ليتبع كل أمة من كانت تعبد، فيسقط الكفار في النار، ثم يميز بين المؤمنين والمنافقين بالامتحان بالسجود عند كشف الساق، ثم يؤذن في نصب الصراط والمرور عليه، فيطفأ نور المنافقين فيسقطون في النار أيضًا، ويمر المؤمنون عليه إلى الجنة، فمن العصاة من يسقط، ويوقف بعض من نُجِّيَ عند القنطرة للمقاصَّة بينهم، ثم يدخلون الجنة.

ص: 400

ونقل يحيى بن سلام البصريّ في تفسيره عن الكلبيّ قال: إذا دخل أهل الجنةِ الجنةَ، وأهل النارِ النارَ، بقيت زمرة من آخر زُمر الجنة، إذا خرج المؤمنون من الصراط بأعمالهم، فيقول آخر زمرة من زمر النار لهم، وقد بلغت النار منهم كل مبلغ: أما نحن فقد أُخذنا بما في قلوبنا من الشك والتكذيب، فما نفعكم أنتم توحيدكم. قال: فيصرخون عند ذلك يدعون ربهم، فيسمعهم أهل الجنة، فيأتون آدم، فذكر الحديث في إتيانهم الأنبياء المذكورين قبلُ، واحدًا واحدًا إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فينطلق فيأتي رب العزة، فيسجد له حتى يأمره أن يرفع رأسه، ثم يسأله ما تريد، وهو أعلم به، فيقول: يا رب أُناس من عبادك أصحاب ذنوب لم يشركوا بك، وأنت أعلم بهم، فعيرهم أهل الشرك بعبادتهم إياك فيقول:"وعزتي لأخرجنهم"، فيخرجهم قد احترقوا، فينضح عليهم من الماء حتى ينبتوا، ثم يدخلون الجنة، فيسمون الجهنميين، فيغبطه عند ذلك الأولون والآخرون. فذلك قوله تعالى {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} .

وهذا لو ثبت لرفع الإشكال، لكن الكلبيّ ضعيفٌ، ومع هذا لم يسنده. ثم هو مخالف لصريح الأحاديث الصحيحة أن سؤال المؤمنين الأنبياء، واحدًا بعد واحد، إنما يقع في الموقف قبل دخول المؤمنين الجنة. وقد تمسك بعض المبتدعة من المرجئة بالاحتمال السابق في دعواه أن أحدًا من الموحدين لا يدخل النار أصلًا، وإنما المراد بما جاء أن النار تسفعهم وتلفحهم، وما جاء من الإخراج من النار جميعه محمول على ما يقع لهم من الكرب في الموقف، وهو تمسك باطل. وأقوى ما يرد عليه ما مرَّ في أول كتاب الزكاة، من حديث أبي هريرة في قصة مانعي الزكاة، واللفظ لمسلم "ما من صاحب ابل لا يؤدي حقها منها، إلا إذا كان يوم القيامة .. الخ" فهو قال على تعذيب من شاء الله من العُصاة بالنار حقيقةً، زيادة على كرب الموقف، وما ورد في سبب إخراج بقية الموحدين من النار، يرد على المبتدعة المذكورين.

وقوله: ثم أعود فأقع ساجدًا مثله، في الثالثة أو الرابعة، وعند أحمد عن قتادة "ثم أعود الرابعة، فأقول: يا رب ما بقي إلا من حبسه القرآن" ولم يشك بل جزم بأن هذا القول يقع في الرابعة، وفي رواية معبد بن هلال عن أنس أن الحسن حدث معبدًا بعد ذلك بقوله "فأقوم الرابعة" وفيه قول الله "ليس ذلك لك" وأن الله يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وإن لم يعمل خيرًا قط، فعلى هذا فقوله "حبسه القرآن" يتناول الكفار، وبعض العصاة ممن ورد في القرآن في حقه التخليد، ثم يخرج العصاة في القبضة، ويبقى الكفار، ويكون المراد بالتخليد في حق العصاة المذكورين البقاء في النار بعد إخراج من تقدمهم.

وقوله: إلا من حبسه القرآن، وكان قتادة يقول عند هذا أي: وجب عليه الخلود، وفي رواية هشام وسعيد "فأقول ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن، ووجب عليه الخلود، تعين أن قوله "وجب عليه الخلود" مدرج في المرفوع لما ذكر في رواية أبي عُوانة أنه تفسير من قتادة، فسر به من حبسه القرآن، أي: من أخبر القرآن بأنه يخلد في النار. وفي رواية شيبانُ "إلا من حبسه القرآن"

ص: 401

يقول وجب عليه الخلود، وقال {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} وفي رواية سعيد عند أحمد بعد قوله "إلا من حبسه القرآن" عن أنس بن مالك "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"فيخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة .. " الحديث.

وقد سبق سياقه في كتاب الإيمان مفردًا، وفي رواية معبد بن هلال عن الحسن عن أنس قال:"ثم أقوم الرابعة، فأقول: أي ربّ، إئذن لي فيمن قال لا إله إلا الله، فيقول لي: ليس ذلك لك". فذكر بقية الحديث في إخراجهم. وقد تمسك به بعض المبتدعة في دعواهم أن من دخل النار من العُصاة لا يخرج منها، لقوله تعالى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} وأجاب أهل السنة بأنها نزلت في الكفار، وعلى تسليم أنها نزلت في أعم من ذلك، فقد ثبت تخصيص الموحدين بالإخراج، ولعل التأبيد في حق من يتأخر بعد شفاعة الشافعين، حتى يخرجوا بقبضة أرحم الراحمين، فيكون التأبيد مؤقتًا.

وقال عياض: استدل بهذا الحديث من جوز الخطايا على الأنبياء، كقول كل من ذكر فيه ما ذكر، وأجاب عن أصل المسألة بأنه لا خلاف في عصمتهم من الكفر بعد النبوة، وكذا قبلها على الصحيح، وكذا القول في الكبيرة على التفصيل المذكور، ويلتحق بها ما يزري بفاعله من الصغائر، وكذا القول في كل ما يقدح في الإبلاغ عن جهة القول، واختلفوا في الفعل، فمنعه بعضهم في النسيان، وأجاز الجمهور السهو، لكن لا يحصل التمادي، واختلفوا فيما عدا ذلك كله من الصغائر، فذهب جماعة من أهل النظر إلى عصمتهم منها مطلقًا، وأوَّلوا الأحاديث والآيات الواردة في ذلك بضروب من التأويل، ومن جملة ذلك أن الصادر منهم إما أن يكون بتأويل من بعضهم، أو بسهوٍ أو بإذن، لكن خشوا أن لا يكون ذلك موافقًا لمقامهم، فأشفقوا من المؤاخذة أو المعاتبة، قال: وهذا أرجح المقالات، وليس هو مذهب المعتزلة، وإن قالوا بعصمتهم مطلقًا، لأن منزعهم في ذلك التكفير بالذنوب مطلقًا، ولا يجوز على النبي الكفر، ومنزعنا أن أمة النبي مأمورة بالإقتداء به في أفعاله، فلو جاز منه وقوع المعصيه للزم الأمر بالشيء الواحد، والنهي عنه في حالة واحدة. وهو باطل.

ثم قال عياض: وجميع ما ذكر في حديث الباب لا يخرج عما قلناه؛ لأن أكل آدم من الشجرة كان سهو، وطلبُ نوح نجاة ابنه كان عن تأويل، ومقالات إبراهيم كان معاريض، وأراد بها الخير، وقتيل موسى كان كافرًا، وفيه جوز إطلاق الغضب على الله تعالى، والمراد به ما يظهر من انتقامه ممن عصاه، وما يشاهده أهل الموقف من الأهوال التي لم يكن مثالها، ولا يكون. كذا قال النوويّ. وقال غيره: المراد بالغضب لازمه، وهو إرادة ايصال السوء للبعض. وقول آدم ومن بعده "نفسي نفسي نفسي" أي: التي تستحق أن يشفع لها؛ لأن المبتدأ والخبر كانا متحدين، فالمراد به بعض اللوازم، ويحتمل أن يكون أحدهما محذوفًا، وفيه تفضيل محمد صلى الله عليه وسلم على جميع الخلق، لأن الرسل والأنبياء والملائكة أفضل ممن سواهم. وقد ظهر فضله في هذا المقام عليهم.

ص: 402