الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الصدقة على اليتامى
قال الزين بن المنير: عبّر بالصدقة دون الزكاة، لتردد الخبر بين صدقة الفرض والتطوع، لكون ذكر اليتيم جاء متوسطاً بين المسكين وابن السبيل، وهما من مصارف الزكاة. وقال ابن رشيد: لما قال: باب ليس على المسلم في فرسه صدقة، عُلِم أنه يريد الواجبة، إذ لا خلاف في التطوع، فلما قال: الصدقة على اليتامى، أحال على معهود.
الحديث التاسع والستون
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه يُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ فَقَالَ: إِنِّي مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا. فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقِيلَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ تُكَلِّمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَلَا يُكَلِّمُكَ فَرَأَيْنَا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ. قَالَ فَمَسَحَ عَنْهُ الرُّحَضَاءَ فَقَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ. فَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ، وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ إِلَاّ آكِلَةَ الْخَضْرَاءِ، أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ، فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ وَرَتَعَتْ، وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ مَا أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ أَوْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَيَكُونُ شَهِيدًا عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قوله: "إن مما أخاف عليكم من بعد ما يُفتح عليكم" وفي رواية السرخسي: إني مما أخاف، وفي رواية مالك في الرقاق: أن أكثر ما أخاف عليكم. وما في قوله: "ما يفتح" في موضع نصب، لأنها اسم إن، ومما في قوله:"إن مما" في موضع رفع لأنها الخبر، وقوله:"من زهرة الدنيا وزينتها"، وقوله:"وزينتها" عطف تفسير، وزَهْرة الدنيا، بفتح الزاي وسكون الهاء، وقد قرىء في الشاذ عن الحسن وغيره بفتح الهاء، فقيل: هما بمعنى، مثل جَهْرة وجَهَرة. وقيل: بالتحريك جمع زاهر، كفاجرِ وفَجَرة. والمراد بالزَهرة الزينة والبهجة، كما في الحديث. والزهرة مأخوذة من زَهرة الشجرَ، وهو نوْرها، بفتح النون. والمراد ما فيها من أنواع المتاع والعين والثياب والزروع وغيرها، مما يفتخر الناس بحسنه، مع عدم البقاء.
وقوله: "فقال رجل" لم يعرف اسمه. وقوله: "أو يأتي الخير بالشر" بفتح الواو، والهمزة للإستفهام، والواو عاطفة على شيء مقدر، أي تصير النعمة عقوبة، لأن زهرة الدنيا نعمة من الله تعالى، فهل تعود هذه النعمة نقمة؟ وهو استفهام استرشاد لا إنكار. والباء في قوله:"بالشر" صلة ليأتي، أي: هل يستجلب الخيرُ الشرَ؟ وقوله: "فَرُئينا" أي: بضم الراء وكسر الهمزة. وفي رواية الكشميهنيّ: فأُرينا، بضم الهمزة.
وفي رواية مالك "حتى ظننت أو ظننا" وقوله: "فمسح عنه الرُّحَضَاء"، وفي رواية مالك "ثم جعل يمسح عن جبينه" في رواية الدارقطني "العرق" والرُّحَضاء، بضم الراء وفتح المهملة ثم المعجمة والمد، هو العرق. وقيل: الكثير، وقيل: عرق الحمّى، وأصل الرَّحْض، بفتح ثم سكون، الغسل. ولهذا فسره الخطابيّ بأنه عَرَقٌ يَرْحَضُ الجلد لكثرته. وقوله:"وكأنه حمده" وفي رواية الرقاق: لقد حمدناه حين طلع لذلك. وفي رواية المستملي: حين طلع ذلك.
والحاصل أنهم لاموه أولًا حيث رأوا سكوت النبي صلى الله عليه وسلم، فظنوا أنه أغضبه، ثم حمدوه آخرًا لمّا رأوا مسألته سببًا لاستفادة ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم. وأما قوله:"وكأنه حمده" فأخذوه من قرينة الحال. وقوله: "إنه لا يأتي الخير بالشر" وفي رواية مالك: لا يأتي الخير إلا بالخير. وفي رواية الدارقطني تكرار ذلك ثلاث مرات، ويؤخذ منه أن الرزق، ولو كثر، فهو من جملة الخير، وإنما يعرض له الشر بعارض البخل به عمن يستحق، والإسراف في إنفاقه فيما لم يشرع، وأن كل شيء قضى الله تعالى أن يكون خيرًا، فلا يكون شرًا وبالعكس. ولكن يخشى على من رزق الخير أن يعرض له في تصرفه فيه ما يجلب له الشر.
وفي مرسل سعيد المَقْبَرِيّ عند سعيد بن منصور "أو خير هو ثلاث مرات"، وهو استفهام إنكار، أي أن المال ليس خيرًا حقيقيًا وإن سُمّيَ خيرًا، لأن الخير الحقيقيّ هو ما يعرض له من الإنفاق في الحق، كما أن الشر الحقيقي فيه ما يعرض له من الإمساك عن الحق، والإخراج في الباطل.
وما ذكر في الحديث بعد ذلك، من قوله: إن هذا المال خضرة حلوة، كضرب المثل بهذه الجملة. وقوله:"إن هذا المال، في رواية الدارقطني "ولكن هذا المال" إلخ، ومعناه أن صورة الدنيا حسنة مونقة، والعرب تسمي كل شيء مشرقٍ ناضرٍ أخضر. وقال ابن الأنباريّ: قوله المال خضرة حلوة، ليس هو صفة المال، وإنما هو للتشبيه، كأنه قال: المال كالبقلة الخضراء الحلوة، أو التاء في قوله: "خضرة وحلوة" باعتبارما يشتمل عليه المال من زهرة الدنيا، أو على فائدة المال، أي: أن الحياة به أو العيشة. أوأن المراد بالمال هنا الدنيا؛ لأنه من زينتها. قال الله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وفي حديث أبي سعيد أيضًا المخرَّج في السنن "الدنيا خضرة حلوة"، فيتوافق الحديثان، ويحتمل أن تكون التاء فيهما للمبالغة.
وقوله: "وإنَّ مما ينبت الربيع" وفي رواية مالك: "وإنَّ كُلَّ ما أنبت الربيعُ" أي: الجدول، وإسناد الإنبات إليه مجازيّ، والمنبت في الحقيقة هو الله تعالى. ومن في قوله "مما ينبت" للتكثير، وليست من للتبعيض، لتوافق رواية "كلما أنبت" وهذا الكلام كله وقع كالمثل للدنيا، وقد وقع التصريح بذلك في مرسل سعيد المَقْبَرِيّ. وقوله:"يقتل حَبَطًا أو يُلِم" أما حَبَطا، فبفتح المهملة والموحدة والطاء مهملة أيضًا والحَبَط انتفاخ البطن من كثرة الأكل. يقال: حَبطت الدابة تَحْبَط حَبَطا إذا أصابت مرعى طيبًا فأمعنتْ في الأكل حتى تنتفخ فتموت. وروي بالخاء المعجمة، من التخبط، وهو الاضطراب. والأول المعتمد. وقوله:"يُلم" بضم أوله، أي: يَقْرُب من الهلاك.
وقوله: "إلَاّ آكلة الخضرة" بالتشديد على الاستثناء، وروى بفتح الهمزة وتخفيف اللام للاستفتاح، وآكِلة بالمد وكسر الكاف، والخضر بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين، للأكثر، وهو ضرب من الكلأ يعجب الماشية، وواحده خَضِرَة. وفي رواية الكشميهنيّ، بضم الخاء وسكون الضاد وزيادة الهاء في آخره، وفي رواية السَّرخسيّ الخضراء، بفتح أوله وسكون ثانيه والمد، ولغيرهم بضم أوله وفتح ثانيه، جمع خضرة.
وقوله: "إذا امتدت خاصرتاها" تثية خاصرة، بخاء معجمة وصاد مهلمة، وهما جانبا البطن من الحيوان. وفي رواية الكشميهنيّ: خاصرتها بالإفراد، وقوله:"استقبلت الشمس اجْتَرّتْ " أي: استرفعت ما أدخلته في كرشها من العلف، فاعادت مضغه. وقوله:"وثَلَطَتْ" بمثلثة ولام مفتوحتين ثم طاء مهملة، وضبطها ابن التين بكسر اللام، أي ألقت ما في بطنها رقيقًا. وقوله:"ثم عادت فأكلت" المعنى أنها إذا شبعت فثَقُل عليها ما أكلت تحيلت في دفعه بأن تجتر، فيزداد نعومة، ثم تستقبل الشمس فتحمى بها، فيسهل خروجه، فإذا خرج زال الانتفاخ، فسلمت. وهذا بخلاف من لم تتمكن من ذلك، فإن الانتفاخ يقتلها سريعًا.
قال الأزهري: هذا الحديث إذا فُرِّق لم يكد يظهر معناه، وفيه مثلان: أحدهما للمفرط في جمع الدنيا، المانع من إخراجها في وجهها، وهو ما تقدم، أي الذي يقتل حَبَطًا. والثاني: المقتصد في جمعها وفي الانتفاع بها، وهو آكلة الخَضَر، فإن الخضر ليس من أحرار البقول التي ينبتها الربيع، ولكنها الحبة، والحبة ما فوق البقل، ودون الشجر، التي ترعاها المواشي بعد هَيْج البُقول، فضرب آكلة الخضر من المواشي مَثلًا لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجمعها، ولا يحمله الحرص على أخذها بجر حقها، ولا منعها من مستحقها، فهو ينجو من وبالها كما نجت آكلة الخضر، وأكثر ما تحبط الماشية إذا انحبس رَجِيعها في بطنها.
وقال الزين بن المنير: آكلة الخضر هي بهيمة الأنعام التي ألفت المخاطبون أحوالها في سوَمها ورعيها، وما يعرض لها من البَشَم وغيره. والخضر النبات الأخضر. وقيل: حرار العشب التي تستلذ الماشية أكله، فتستكثر منه. وقيل: هو ما ينبت بعد إدراك العشب وهياجه. فإن الماشية تقتطف منه
مثلًا شيئًا فشيئًا، ولا يصيبها منه ألم، وهذا الأخير فيه نظر، فإنَّ سياق الحديث يقتضي وجود الخبَطَ للجميع، إلا لمن وقعت منه المداومة، حتى اندفع عنه ما يضره، وليس المراد أنَّ آكلة الخضر لا يحصل لها من أكله ضرر البتة، والمستنثى آكلة الخضر بالوصف المذكور لا كل من اتصف بأنه آكلة الخضرة. ولعل قائله وقعت له رواية فيها "يقتل أو يلم إلا آكلة الخضر" ولم يذكر ما بعده، فشرحه على ظاهر هذا الاختصار.
وقوله: "فنعم صاحب المسلم هو" وفي رواية: فنعم المعونة. وقوله: "وإنه من يأخذه بغير حقه" وفي رواية: وإنْ أخذه بغير حقه. وقوله: "كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون شهيدًا عليه يوم القيامة" يحتمل أن يشهد عليه حقيقة بأن ينطقه الله تعالى، ويجوز أن يكون مجازًا. والمراد شهادة المَلَك الموكَّل به. ويؤخذ من الحديث التمثيل لثلاثة أصناف؛ لأن الماشية إذا رعت الخضر للتغذية، إما أن تقتصر منه على الكفاية، وإما أن تستكثر الأول الزهاد، والثاني إما أن يحتال على إخراج ما لو بقي لضر، فإذا أخرجه زال المُّضر، واستمر النفع. وإما أن يهمل ذلك الأولَ العاملون في جمع الدنيا مما يجب من إمساك ويدل. والثاني العاملون في ذلك، بخلاف ذلك.
وقال الطيبي: يؤخذ منه أربعة أصناف: فمن آكل منه أكْل مستلذٍ مفرط منهمك حتى تنتفخ أضلاعه، ولا يقلع، فيسرع إليه الهلاك. ومن آكل كذلك، لكنه أخذ في الاحتيال لدفع الداء بعد أن استحكم فغلبه، فأهلكه. ومن آكل كذلك، لكنه بادر إلى إزالة ما يضره، وتحيل في دفعه حتى انهضم، فيسلم. ومن كل غير مفرط ولا منهمك، وإنما اقتصر على ما يسد جوعته، ويمسك رَمَقه.
فالأول مثال الكافر، والثاني مثال العاصي الغافل عن الإقلاع والتوبة، إلا عند فوتها والثالث: مثال للمخلِّط المبادر للتوبة، حيث تكون مقبولة. والرابع: مثل الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة. وبعضها لم يصرح به في الحديث، وأخذه منه محتمل.
وقوله: "فنعم المعونة" كالتذييل للكلام المتقدم. وفيه حذفٌ تقديره: إن عمل فيه بالحق. وفيه إشارة إلى عسكه، وهو بئيس الرفيق. هو لمن عمل فيه بغير الحق، وقوله:"كالذي يأكل ولا يشبع" ذكر في مقابلة "فتعم المعونة هو" وقوله: "ويكون شهيدًا عليه" أي حجة يشهد عليه بحرصه وإسرافه وإنفاقه فيما لا يرضي الله.
وقال الزين بن المنير: في هذا الحديث وجوه من التشبيهات بديعة.
أولها: تشبيه المال ونموه بالنبات وظهوره.
ثانيها: تشبيه المنهمك في الاكتساب والأسباب بالبهائم المنهمكة في الأعشاب.
ثالثها: تشبيه الاستكثار منه والادخار له بالشَّرَه في الأكل، والامتلاء منه.
رابعها: تشبيه من المال مع عظمته في النفوس حتى أدى إلى المبالغة في البخل به، بما تطرحه البهيمة من السِّلْح، ففيه إشارة بديعة إلى استقذاره شرعًا.
خامسها: تشبيه المتقاد عن جمعه وضمه، بالشاة إذا استراحت، وحطت جانبها مستقبلة عين الشمس، فإنها من أحسن حالاتها سكونًا وسَكِينة، وفيه إشارة إلى إدراكها لمصالحها.
سادسها: تشبيه موت الجامع المانع بموت البهيمة الغافلة عن دفع ما يضرها.
سابعها: تشبيه المال بالصاحب الذي لا يؤْمَن أن ينقلب عدوًا، فإن المال من شأنه أن يحرز وبشد وثقاقه بحباله، وذلك يقتضي منعه من مستحقه، فيكون سببًا لعقاب مقتنيه.
ثامنها: تشبيه آخذه بغير حق بالذي يأكل ولا يشبع. وقال الغزالي: مثل المال مَثَل الحية التي فيها تِرياق نافعٌ وسُم ناقِع، فإنْ أصابها العارف الذي يحترز من شرها، ويعرف استخراج ترياقها، كان نعمة وإن أصابها الغبيُّ فقد لقي البلاء المُهلك.
وفي الحديث جلوس الإِمام على المنبر عند الموعظة في غير خطبة الجمعة ونحوها، وفيه جلوس الناس حوله، والتحذير من المنافسة في الدنيا، وفيه استفهام العالم بما يشكل، وطلب الدليل لدفع المعارضة. وفيه تسمية المال خيرًا، ويؤيده قوله تعالى:{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْر} . وفيه ضرب المثل بالحكمة، وإن وقع في اللفظ ذكر ما يستهجن، كالبول، فإن ذلك يُغتفَر لما يترتب على ذكره من المعاني اللائقة بالمقام، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان ينتظر الوحيَ عند إرادة الجواب عمّا يسأل عنه. وهذا على ما ظنه الصحابة، ويجوز أن يكون سكوته ليأتي بالعبارة الوجيزة الجامعة المفهمة.
وقد عد ابن دُريد هذا الحديث، وهو قوله:"إن مما ينبتُ الربيع يقتلُ حَبَطًا أو يُلِم" من الكلام المفرد الوجيز الذي لم يسبق صلى الله عليه وسلم إلى معناه، وكل من وقع شيء منه في كلامه، فإنما أخذه منه. ويستفاد منه ترك العجلة في الجواب إذا كان يحتاج إلى التأمل، وفيه لوم مَنْ ظن به تعنت في السؤال، وحمد من أجاد فيه. ويؤيد أنه من الوحي قوله:"يمسح العرق" فإنها كانت عادته عند نزول الوحي كما تقدم في بدء الوحي، وأن جبينه لَيَتَفَصَّدُ عرقًا.
وفيه تفضيل الغني على الفقير، ولا حجة فيه؛ لأنه يمكن التمسك به لمن لم يرجح أحدهما على الآخر، والعجب أن النوويّ قال: فيه حجة لمن رجح الغني على الفقير، وكان قبل ذلك شرح قوله:"لا يأتي الخير إلَاّ بالخير" على أن المراد أن الخير الحقيقيّ لا يأتي إلا بالخير، لكن هذه الزَّهرة ليست خيرًا حقيقيًا، لما فيها من الفتنة والمنافسة، والاشتغال من كمال الإِقبال على الآخرة، فعلى هذا يكون حجة لمن يفضل الفقر على الغنى، والتحقيق أن لا حجة فيه لأحد القولين. وقد مرّ الكلام مستوفى على هذه المسألة في كتاب العلم في باب الاغتباط في العلم.
وفيه الحضُّ على إعطاء اليتيم والمسكين وابن السبيل، وفيه أن المكتسب للمال من غير حِلّه لا يبارك له فيه، لتشبيهه بالذي يأكل ولا يشبع. وفيه ذم الإسراف وكثرة الأكل والنَّهَم فيه، وأن اكتساب المال من غير حِلِّه، وكذا إمساكه من إخراج الحق منه، سببٌ لمحقه، فيصير غير مبارك،