الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بنت عثمان، أصله من بُصرى. قال أحمد: ثقة، ما أصح حديثه، وأَوْثَقه. وقال ابن مُعين والنَّسائيّ وأبو داود: ثقة، وزاد أبو داود: مُرجىء. وقال الوليد بن مسلم: رأيت الأوزاعيّ يُدْنِيه ويقرّبه. وقال أبو حاتم: شعيب بن إسحاق ثقة مأمون.
روى عن أبيه وأبي حنيفة وتمذهب له، وابن جُريج والأوزاعيّ وغيرهم. وروى عنه ابن ابنه عبد الرحمن بن عبد الصمد بن شعيب وأبو النضر الفراديسيّ وإسحاق بن راهويه وغيرهم. ولد سنة ثماني عشرة ومئة. ومات سنة تسع وثمانين ومئة.
لطائف إسناده:
فيه التحديث بالجمع والإخبار بالجمع والإفراد والعنعنة والسماع، ورواية الابن عن الأب، ورواته دمشقيون ويماميّ ومدنيان. أخرجه البخاري أيضًا في الزكاة، ومسلم والباقون فيها أيضًا.
الحديث الثاني عشر
حَدَّثَنَا عَلِىٌّ سَمِعَ هُشَيْمًا أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ مَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ فَإِذَا أَنَا بِأَبِى ذَرٍّ رضي الله عنه فَقُلْتُ لَهُ مَا أَنْزَلَكَ مَنْزِلَكَ هَذَا قَالَ كُنْتُ بِالشَّأْمِ، فَاخْتَلَفْتُ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ فِي الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ مُعَاوِيَةُ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ. فَقُلْتُ نَزَلَتْ فِينَا وَفِيهِمْ. فَكَانَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ فِي ذَاكَ، وَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه يَشْكُونِى، فَكَتَبَ إِلَىَّ عُثْمَانُ أَنِ اقْدَمِ الْمَدِينَةَ. فَقَدِمْتُهَا فَكَثُرَ عَلَىَّ النَّاسُ حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِى قَبْلَ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُ ذَاكَ لِعُثْمَانَ فَقَالَ لِى إِنْ شِئْتَ تَنَحَّيْتَ فَكُنْتَ قَرِيبًا. فَذَاكَ الَّذِي أَنْزَلَنِى هَذَا الْمَنْزِلَ، وَلَوْ أَمَّرُوا عَلَىَّ حَبَشِيًّا لَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ.
قوله: "حدثنا عليٌّ" يأتي في السند ما قيل فيه. قوله: "بالرَّبَذَة" بفتح الراء والموحدة والمعجمة، مكان معروف بين مكة والمدينة، نزل به أبو ذَرٍّ في عهد عثمان، ومات به. وقد ذكر في هذا الحديث سبب نزوله، وإنما سأله زيد بن وهب عن ذلك؛ لأن مبغضي عثمان كانوا مشنعين عليه، أنه نفى أبا ذر، وقد بيّن أبو ذر أن نزوله في ذلك المكان كان باختياره، نعم، أمره عثمان بالتنحي عن المدينة لدفع المفسدة التي خافها على غيره من مذهبه المذكور، فاختار الرَّبَذَة، وكان يغدو إليها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، كما رواه أصحاب السنن من وجه آخر عنه. وفيه قصة له في التيمم.
وفي فوائد أبي الحسن بن جذلم بإسناده إلى عبد الله بن الصامت قال: دخلت مع أبي ذَرٍّ على عثمان، فحسر عن رأَسه، فقال: والله ما أنا منهم يعني الخوارج، فقال: إنما أَرسَلْنا إليك لتجاورنا بالمدينة، فقال: لا حاجة لي في ذلك" إيذن لي في الرَّبَذَة. قال: نعم، ورواه أبو داود الطيالسي من هذا الوجه دون آخره. وقال بعد قوله: "ما أنا منهم": ولا أدركهم، سيماهم التحليق، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، والله لو أمرتني أن أقوم ما قعدت.
وفي طبقات ابن سعد من وجهٍ آخر أن ناسًا من أهل الكوفة قالوا لأبي ذَرٍّ: إن هذا الرجل فعل بك وفعل، هل أنت ناصبٌ لنا راية فنقاتله؟ فقال: لا، لو أن عثمان سيّرني من المشرق إلى المغرب، لسمعت وأطعت. وقوله:"كنت بالشام" يعني بدمشق، ومعاوية إذ ذاك عاملُ عثمان عليها، وقد بيَّن السبب في سكناه الشام ما أخرجه أبو يعلى عن زيد بن وهب، قال: حدّثني أبو ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا بلغ البناء بالمدينة سَلْعًا فارتحل إلى الشام"، فلما بلغ البناء سلعًا قدمت الشام فكنت بها، فذكر الحديث.
وعنده أيضًا بإسناد فيه ضعف عن ابن عباس، قال: استأذن أبو ذَرٍّ على عثمان، فقال: إنه يؤذينا، فلما دخل قال عثمان: أنت الذي تزعم أنك خيرٌ من أبي بكر وعمر؟ قال: لا ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ أحبكم إليّ وأقربكم مني مَنْ بقي على العهد الذي عاهدته عليه، وأنا باق على عهده، قال: فأمره أن يلحق بالشام، وكان يحدثهم ويقول: لا يبيتن عند أحدكم دينار ولا درهم، إلا ما ينفقه في سبيل الله، أو يعده لغريم، فكتب معاوية إلى عثمان: إن كان لك بالشام حاجة فأبعث إلى أبي ذر، فكتب إليه عثمان: أَقْدِم عليّ، فقدم.
وقوله: " {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} " سيأتي في تفسير براءة عن حُصين بلفظ: "فقرأت: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} الآية". وقوله: "نزلت في أهل الكتاب، في رواية التفسير "ما هذه فينا"، وقوله: "فكثر على الناس حتى كأنهم لم يروني" في رواية الطبري أنهم كثروا عليه يسألونه عن سبب خروجه من الشام. قال: فخشي عثمان على أهل المدينة ما خشيه معاوية على أهل الشام. وقوله: "إن شئت تنحيت"، في رواية الطبريّ "فقال له تَنحَّ قريبًا، قال: والله لن أدع ما كنت أقوله" وكذا لابن مردويه بلفظ: "والله لا أدع ما قلت". وقوله: "حبشيًا" في رواية ورقاء عند ابن مردويه "عبدًا حبشيًا" ولأحمد وأبي يَعلى عن أبي ذَرٍّ "أن النبي صلى الله عليه وسلم-قال له: كيف تصنع إذا أُخرجت منه؟ أي: المسجد النبوي؟ قال: آتي الشام، قال: كيف تصنع إذا اخرجت منها؟ قال: أعود إليك، أي: المسجد، قال: كيف تصنع إذا أُخرجت منه؟ قال: أضربُ بسيفي. قال: أدلك على ما هو خيرٌ لك من ذلك، وأقرب رشدًا؟ قال: تسمع وتطيع، وتنساق لهم حيث ساقوك".
وعند أحمد أيضًا، عن أسماء بنت يزيد عن أبي ذَرٍّ نحوه. والصحيح أن إنكار أبي ذَرٍّ كان على السلاطين الذين يأخذون المال لأنفسهم، ولا ينفقونه في وجهه، وتعقبه النووي بالإبطال؛ لأن السلاطين كانوا مثل أبي بكر وعمر وعثمان، وهؤلاء لم يخونوا. قال صاحب "الفتح": لقوله محمل، وهو أنه أراد من يفعل ذلك وإن لم يوجد حينئذ من يفعله، وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم، أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، لاتفاق أبي ذر ومعاوية على أن الآية نزلت في أهل الكتاب. وقد مرَّ ما في ذلك من التفصيل عند حديث ابن عباس في أول الزكاة.
وفيه ملاطفة الأئمة للعلماء، فإن معاوية لم يجسر على الإنكار عليه، حتى كاتب مَنْ هو أعلى