الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم قال: وقال حميد بن هلال: ما علمنا على الجنازة إذنًا، ولكنَّ من صلى ثم رجع فله قيراط. قال في "الفتح": لم أره موصولًا عنه، قال الزين بن المنير: مناسبته للترجمة من حيث أن الاتِّباع إنما هو لمحض ابتغاء الفضل، وأنه لا يجري مجرى قضاء حق أولياء الميت، فلا يكون لهم فيه حق، ليتوقف الانصراف قبله على الإِذن منهم. وكأنّ كالبخاريّ قصد الرد على ما أخرجه عبد الرزاق عن عمرو بن شُعيب عن أبي هُريرة قال:"أميران وليسا بأميرين: الرجل يكون مع الجنازة يصلي عليها، فليس له أن يرجع حتى يَسْتأذن وَليّها .. " الحديث، وهذا منقطع موقوف، وأخرجه البَزّار عن جابر مرفوعًا، بإسناد فيه مقال "أميران وليسا بأميرين: المرأة تحج مع القوم فتحيض، والرجل يتبع الجنازة فيصلي عليها، ليس له أن يرجع حتى يستأمر أهل الجنازة".
وروى أحمد عن أبي هريرة مرفوعًا "من تبع جنازة فحمل من علوها، وحتى في قبرها، وقعد حتى يؤذن له رجع بقيراطين" وإسناده ضعيف، والذي عليه معظم أئمة الفتوى هو قول حُميد، وعند مالك يكره أن ينصرف عنها قبل الصلاة، ولو أذِن أهلها، ويكره بعد الصلاة إن لم يأذن له أهلها في الانصراف، أو يطولوا. وقد مرَّ حميد في التاسع من كتاب الجنائز هذا.
الحديث الحادي والثمانون
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ نَافِعًا يَقُولُ حُدِّثَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم يَقُولُ: مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَلَهُ قِيرَاطٌ. فَقَالَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَيْنَا. فَصَدَّقَتْ يَعْنِي عَائِشَةَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَقَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهُ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ. (فَرَّطْتُ) ضَيَّعْتُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ.
قوله: حُدِّث، بضم المهملة على البناء للمجهول، في جميع الطرق، ولم يبين في شيء من الطرق عن نافع تسمية من حَدّثَ ابنَ عمر عن أبي هريرة بذلك، وقد جاءت تسمية من حدث ابن عمر بذلك صريحًا في موضعين: أحدهما في صحيح مسلم، وهو خَبَّاب، بمعجمة وموحدتين. الأول مشددة، وهو أبو السائب المدنيّ صاحب المقصورة، قيل: له صحبة، ولفظه عن داود بن عامر بن سعد عن أبيه أنه كان قاعدًا عند عبد الله بن عمر إذ طلع خَبَّاب صاحب المقصورة، فقال: يا عبد الله بن عمر، ألا تسمع ما يقول أبو هريرة؟ فَذَكر الحديث، والثاني في جامع التِّرمذيّ عن أبي سلمة عن أبي هُريرة فذكر الحديث. قال أبو سلمة فذكرت ذلك لابن عمر، فأرسل إلى عائشة.
وقوله: إن أبا هُريرة يقول: من تبع .. لم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الطرق، لكن أخرجه أبو عُوانة في صحيحة عن موسى بن إسماعيل وعن أبي النعمان وعن شيبان، ثلاثتهم عن جرير بن
حازم عن نافع، قيل لابن عمر: إن أبا هُريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من تبع جنازة فله قيراط من الأجر .. " فذكره، ولم يبين لمن السياق. وقد أخرجه مسلم عن شيبان بن فَرُّوخ كذلك. فالظاهر أن السياق له.
وقوله: من تبع جنازة فله قيراط، زاد مسلم في روايته "من الأجر" وقوله: أكثر علينا أبو هريرة، قال ابن التين: لم يتهمه ابن عمر، بل خشي عليه السهو، أو قال ذلك لكونه لم ينقل له عن أبي هريرة رفْعُه، فظن أنه قال برأيه، فأنكره. والثاني جمود على سياق رواية البخاري، وقد مرَّ قريبًا عن مسلم وأبي عُوانة رَفْعُه عن أبي هريرة.
وقال الكرمانيّ قوله أكثر علينا، أي: في ذكر الأجر أو في كثرة الحديث، كأنه خشي لكثرة رواياته أنْ يَشْتَبه عليه بعض الأمر. وعند سعيد بن منصور عن أبي سلمة "فبلغ ذلك ابن عمر، فتعاظمه" وفي رواية الوليد بن عبد الرحمن عند سعيد أيضًا ومسدد وأحمد بإسناد صحيح "فقال ابن عمر: يا أبا هريرة، انظر ما تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقوله: فصدقت، يعني عائشةُ أبا هُريرة، لفظ "يعني" للبخاري كأنه شك فاستعملها، وفي رواية مسلم "فبعث ابن عمر إلى عائشة يسألها، فصدقت أبا هريرة"، وفي رواية أبي سلمة عند التِّرمذيّ: فذُكر ذلك لابن عمر فأرسل إلى عائشة فسألها عن ذلك، فقالت: صدق. وفي رواية خَبّاب صاحب المقصورة عند مسلم "فأرسل ابن عمر خَبّابًا إلي عائشة يسأله عن قول أبي هريرة، ثم يرجع إليه فيخبره بما قالت، حتى رجع إليه الرسول فقال: قالت عائشة: صدق أبو هريرة.
وفي رواية الوليد بن عبد الرحمن عن سعيد بن منصور "فقام أبو هريرة فأخذ بيده فانطلقا حتى أتيا عائشة، فقال لها: يا أم المؤمنين، أنشدك الله، أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول .. ؟ فذكره، فقالت: اللهم نعم. ويجمع بينهما بأن الرسول لما رجع إلى ابن عمر بخبر عائشة بلغ ذلك أبا هريرة فمشي إلى ابن عمر فأسمعه ذلك عن عائشة مشافهة.
وزاد في رواية الوليد "فقال أبو هريرة: لم يشغلني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس الودِيّ ولا صَفْقٌ بالأسواق، وإنما كنت أطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أكلة يطعمنيها، أو كلمة يعلمنيها، قال له ابن عمر: كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلمنا بحديثه". وقوله: لقد فرطنا في قراريط كثيرة، أي من عدم المواظبة على حضور الدفن، بيّن ذلك مسلم في روايته عن سالم بن عبد الله بن عمر، قال: كان ابن عمر يصلي على الجنازة ثم ينصرف، فلما بلغه حديث أبي هريرة قال: فذكره.
وفي هذه القصة دلالة على تميز أبي هريرة في الحفظ، وأن إنكار العلماء بعضهم على بعض