الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على النطقة، فيخلق من التراب ومن النطفة، فذلك قوله تعالى:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} إلخ.
وعند الترمذيّ قال محمد بن سيرين "لو حلف صادقًا بارًّا غير شاكٌ ولا مستثنٍ، أن الله تعالى ما خلق نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا أبا بكر، ولا عمر، إلا من طينة واحدة، ثم ردّهم إلى تلك الطينة"، وقد أحتج أبو بكر الأبْهريّ المالكيّ على أن المدينة أفضل من مكة بأن النبيّ صلى الله عليه وسلم مخلوق من تربة المدينة، وهو أفضل البشر، فكانت تربته أفضل الترب. قال في "الفتح ": وكون تربته أفضل الترب، لا نزاع فيه. وإنما النزاع هل يلزم من ذلك أن تكون المدينة أفضل من مكة؟ لأن المجاور للشيء، لو ثبت له جميع مزاياه، لكان لما جاور ذلك المجاور نحوُ ذلك، فيلزم أن يكون ما جاور المدينة أفضل من مكة، وليس كذلك اتفاقًا، كذا أجاب بعض المتقدمين، وفيه نظر.
قلت: بطلانه ظاهر؛ لأن الذي يقال إن التابع للفاضل، أفضل من التابع للمفضول، فهذا كانت بقعته عليه الصلاة والسلام أفضل من الكعبة، كان التابع لها أفضل من التابع للكعبة، هذا هو مراد الأبهريّ في استدلاله، لا ما قاله ذلك المجيب.
رجاله أربعة:
مرَّ محمد بن مقاتل في السابع من العلم، وابن المبارك في السادس من بدء الوحي، والباقي اثنان، الأول أبو بكر بن عيّاش بن سالم الأَسَديّ الكوفيّ الحنّاط المُقْرِىء، مولى واصل الأحدب، اختلف في اسمه اختلافًا كثيرًا، والأصح أن اسمه كنيته. قال الفضل بن موسى: قلت لأبي بكر بن عيّاش: ما اسمك؟ قال: ولدت وقد قسمت الأسماء. ذكره ابن المبارك وأثنى عليه. وقال صالح بن أحمد عن أبيه: صدوق صالح، صاحب قرآن وحديث. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ثقة ربما غلِط.
وقيل لابن مُعين: فأبو الأحوص أحب إليك في أبي إسحاق أو أبو بكر بن عَيّاش؟ قال: ما أقربهما، قيل له: الحسن بن عياش أخو أبي بكر، كيف حديثه؟ قال: هو ثقة. قال عثمان الدارميّ: هما من أهل الصدق والأمانة، وليسا بذاك في الحديث. وذكره ابن حِبّان في "الثقات"، وقال: اختلفوا في اسمه، والصحيح أن اسمه كنيته. وكان من العُبّاد الحُفّاظ المتقنين، وكان يحيى القطّان وعليّ بن المدينيّ يسيئان الرأي فيه، وذلك أنه لما كبر ساء حفظه، فكان يوهم إذا روى، والخطأ والوهم شيئان لا ينفك عنهما البشر، فمَنْ كان لا يكثر ذلك منه، فلا يستحق أن يترك حديثه بعد تقدم عدالته.
وكان شريك يقول: رأيت أبا بكر بن عياش عند أبي إسحاق يأمر وينهى كأنه رب البيت، قد صام سبعين سنة وقامها، وكان لا يعلم له بالليل نوم، والصواب في أمره مجانبة ما علم أنه أخطأ فيه، والاحتجاج بما يرويه سواء وافق الثقات أو خالفهم. وقال العجليّ: كان ثقة قديمًا، صاحب
سنة وعبادة، وكان يخطىء بعض الخطأ، تعبَّد سبعين سنة، وقال ابن سعد: عُمِّر حتى كتب عنه الأحداث، وكان من العُبّاد، وكان ثقة صدوقًا عارفًا بالحديث والعلم، إلَاّ أنه كثير الخطأ.
وقال ابن عبد البر: كان الثَّوريُّ وابن المبارك وابن مهديّ يثنون عليه، وهو عندهم في أبي إسحاق مثل شريك وأبي الأحوص، إلا أنه يهم في حديثه، وفي حفظه شيء، وقال ابن المبارك: ما رأيت أحدًا أسرع إلى السنة من أبي بكر بن عيّاش. وقال الأحْمُسِيّ: ما رأيت أحدًا أحسن صلاة من أبي بكر بن عيَّاش. وقال يحيى الحَمّاني وبشر بن الوليد: سمعنا أبا بكر بن عيَّاش يقول: جئت ليلة إلى زمزم فاستقيت دلوًا لبنًا وعسلًا.
وقال يعقوب بن شَيبة: شيخ قديم، معروف بالصلاح البارع، وكان له فقه كثير، وعلم بأخبار الناس، ورواية للحديث، يعرف له سنة وفضل، وفي حديثه اضطراب. وقال أبو سعيد الأشجّ: قدم جرير بن عبد الحميد فأخلى مجلس أبي بكر، فقال أبو بكر: والله لأخرجن غدًا من رجالي مَنْ يخلي مجلس جرير، لا يُبقي عنده أحدًا. قال: فأخرج أبا إسحاق وأبا حصين.
وقال ولده إبراهيم: لما نزل بأبي الموت قلت: يا أبتِ ما اسمك؟ قال: يا بني، إن أباك لم يكن له اسم، وإن أباك أكبر من سُفيان بأربع سنين، وإنه لم يأتِ فاحشةً قطُّ، وإنه يختم القرآن من ثلاثين سنة كل يوم مرة، قال في المقدمة: لم يرو عنه مسلم إلا شيئًا في مقدمة صحيحه، وروى له البخاري أحاديث منها في الحج بمتابعة الثَّوريّ عن عبد العزيز عن أنس في صلاة الظهر والعصر بمنى يوم التَّروْية، ومنها في الصوم بمتابعة ابن عُيينة، وآخرين في الفطر عند غروب الشمس، ومنها في الفتن حديثه عن عمار أنه قال في عائشة:"هي زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة"، ومنها في التفسير بمتابعة جرير وغيره عن عمر في قصة قتله، وقصة الشورى.
روى عن أبيه وأبي إسحاق السَّبيعيّ وسفيان التمار وغيرهم. وروى عنه الثَّوريّ وابن المبارك وأبو داود الطيالسيّ وغيرهم. ولد سنة خمس أو عن وتسعين، ومات هو وهارون الرشيد في شهر واحد، سنة ثلاث وتسعين ومئة.
الثاني: سفيان بن دينار التمار أبو سعيد الكوفي، قال ابن مُعين: سفيان بن دينار ثقة، وسفيان بن زياد العُصْفُريّ ثقة. جميعًا كوفيان، وقال أبو زرعة: سفيان بن دينار ثقة، وقال النَّسَائيّ: ليس به بأس، وذكره ابن حِبّان في الثقات، وجعله هو والعُصْفُريّ واحدًا، والتحقيق أن سفيان بن دينار التمار هذا يقال له العُصفُري أيضًا، وأن سفيان بن زياد العُصْفُريً آخر بَيَّنَه الباجيّ، روى عن أبي صالح السمَّان وسعيد بن جبير ومصعب بن سعد وغيرهم. وعنه أبو بكر بن عيّاش وابن المبارك، ويعلي بن عيد وغيرهم.