الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 39
- بتاريخ: 1 - 12 - 1913
الأوقاف في القطر المصري
تاريخها ونظامها وناظرها الجديد
أُنشئَ ديوان الأوقاف لأوَّل مرَّةٍ على عهد المغفور لهُ محمد علي باشا الكبير جدّ الأسرة الخديوية بموجب الأمر الصادر سنة 1251هـ=1835 م وما لبث أن صدر أمرٌ بإلغائه بعد ثلاث سنوات. ثمَّ أُلِّفَ للمرَّة الثانية في 11 رجب سنة 1267 هـ=1851م بناءً على قرار المجلس الخصوصي الذي صدر بأمر المرحوم عباس باشا الأوَّل. وكان هذا القرار يشتمل على عشر موادّ ، خلاصتُها: أن يُطلبَ من نظَّار الأوقاف الخيرية بيانٌ عن أعيان الأوقاف الجارية في نظارتهم وما يتجمَّع من إِيرادها ووجوه إِنفاقها ، وما يفضلُ بعد ذلك منها لمراجعتها. وأُطلِقَ على ذلك اسم المحاسبات؛ وأن يكونَ النظَّارُ مسؤولين عما يحدثُ من العجز في الأعيان ، وأن يُحالَ
أمرُ من يُخالِفُ منهم شرطَ الواقفِ إلى المحكمة الشرعية ، حتى إذا ثبتَ للقاضي اختلاسهُ ، عزلهُ وولىّ بدلاً منهُ؛ وأن تتكفَّل الحكومة بنفقات الديوان من ماهيَّات المستخدمين وغيرها ، لأنَّ شرطَ الواقفين يقضي بأن لا يُنفَقَ شيءٌ في أي وجهٍ كان ممَّا لن يُعيِّنهُ الواقفُ واستمرَّ الديوانُ في مراجعة المحاسبات الواردة من نظَّار الأُوقاف لغاية سنة 1275 هـ=1858 م إِذ أحيل إليه بعضُ أوقافٍ ذات إِيراد فقضت الحاجةُ حينذاك بإِنشاءِ خزانةٍ خاصَّةٍ بهِ. وفي السنة التالية صدَر قرارٌ آخرُ على عهد المرحوم محمد سعيد باشا يقضي بأن يُنفَقَ من خزانة الأوقاف ماهيَّات المستخدمين مباشرةً ، وأن تُسدِّدَ المالية للديوان قيمة ما يُنفقُهُ في هذا الباب. وفي سنة 1277 هـ=1860 م صدرَ أمرق عالٍ جاءَ فيهِ: أنَّ نفقاتِ الديون تبلغ 47702 قرشاً يؤدّي ديوانُ الأوقاف منها 19234 قرشاً ونصف قرش مما يخصصه على إيرادات الأوقاف التي يبلغ إيرادها 98896 قرشاً ، وتدفع خزانةِ الحكومة الباقي. ثمَّ صدر ثالث سنة 1280 هـ=1863 م على عهد المرحوم إسماعيل باشا خديوي مصر السبق متوَّجاً بأمرٍ عالٍ يقضي بأن يُنِفقَ الديوانُ في ما هيَّات مستخدميهِ مبلغ 20470 قرشاً ، وأن تُنِفقَ الحكومةُ مبلغ 20350 قرشاً. وباشر الديوان صرف الماهيَّات من خزانتهِ ، ووضعها ضمن النفقات التي خصَّصها على إيرادات الأوقاف. ومن هذا العهد أخذ ديوان الأوقاف ينمو ويزداد في الارتقاءِ ، لأن
أوقافاً كثيرة من مصر والأقاليم أُحيلت إليهِ ، وذلك بعد صدور الفتوى
الشرعية بأنَّ كلَّ ناظرِ وقفٍ يموتُ أو يختلسُ يُحال ما تحتَ يدهِ من الوقف إلى الديوان. وأول ما اتّصل بهِ من هذا القبيل ما كان من الوقف تحت إِدارة ذنون آغا دار السعادة بأمرٍ من الخديوي إسماعيل باشا سنة 1280 هـ=1868 م وفي السنة نفسها أُضيفت إلى الديوان أوقاف الحرَمين بعد أن كان لها ديوانٌ خاصّ تحت نظارة المرحوم إبراهيم أدهم باشا. وما زالت الأوقافُ تُحال إلى الديوانِ وقفاً بعد وقف حتى أربت على المئة وقفٍ في سنة 1289 هـ=1873 م.
وفي تلك السنة صَدَرَ أمرق عالٍ بانتخاب خمسين شخصاً من نجباءِ الطلبةِ ، من سنّ العشرين إلى الثلاثين ، بعد امتحانهم ليكونوا معلّمين للغّة العربية والتركية في المدارس الأهلية ، وأن يُعيَّنَ لكلّ منهم مدَّة التعليم مئةُ قرشٍ شهريّاً. وكان ذلك أولَ ما درج بهِ ديوانُ الأوقاف من الأعمالِ الخيرية في المنفعةِ العامَّةِ. ولما اتسعت دائرة أعمالِ الديوان ، وأصبح مصلحةٍ مهمَّةً ذات أقلام عديدة رأى أُلو الأمر أَن يحوّلوهُ إلى نظارةٍ سنة 1296 هـ=1879م ، وعُيّن محمود سامي باشا البارودي المشهور ناظراً للأوقاف في وزارة رياض باشا. وهكذا جُعِل ديوان الأوقاف لأوَّل مرَّة نظارةً من نظارات الحكومة كما جُعِل الآن. ثمَّ صدر أمرٌ عال في 23 يناير سنة 1884 بإعادة نظارة الأوقاف
مصلحة قائمةً بنفسها. ومفادُ ذلك الأمر أنهُ من الواجب أن تكونَ الأحكام المختصَّة بمسائل الأوقاف مطابقةً للأحكام الشرعية ، فلا ارتباطَ لها بالنظارات الموكول إليها النظر في الأمور الإِدارية والسياسية؛ ولذلك اقتضت الإرادة جعلها إِدارة قائمةً بذاتها وأن تكون الأوامر التي تصدرُ بشأنها من الجناب العالي مباشرةً. وفي سنة 1895 وُضِعت لديوانِ الأوقاف لائحةٌ يجري عليها ويرتبطُ بقيودها ، وقضت تلك اللائحةِ بوضعِ ميزانية منتظمة على الطريقة التي تسير عليها الحكومة في ميزانيتها. ولمَّا أخذت المالية في مباشرة هذا الأمر وجدت أمامها عقبةً حائلةً دون الوصولِ إلى الغرَض ، وهي أنهُ كان في ديوان الأرقافِ حسابٌ خاصٌّ بكل وقفٍ ، فكانت الطريقة الحسابية عبارةً عن حساباتٍ متعدّدةٍ بقدر عدد الأوقاف التي تحت إِدارتهِ ، وكان لا يستطيعُ وفاءَ ما يطهرُ من العجزِ في إِيرادات الأوقافِ الفقيرة بأخذهِ عن زيادة إِيرادات الأوقاف الغنية. فصدر أمرُ مجلس النظَّار بتعيين لجنةٍ من العلماءِ لدرس المسألة وتوحيد الحسابات. وصدرت الإِرادة السنية سنة 1896 بإتّباع الطريقة التي
أفتى بها العلماءُ ، وهي أنَّ الأوقافَ الخيريةَ تنقسمُ أقساماً بحسب وجوهِ إِنفاقها ، وأنَّ ما يزيدُ في إِيرادات تلك الأقسام عن نفقاتها بعد وفاءِ ما يظهرُ من العجزِ في أيّ قسمٍ من أقسامها يتكوَّن منهُ مالٌ احتياطي لا يمكن التصرُّف فيهِ إلَاّ بأمرٍ عالٍ يصدرُ بناءً على طلب مدير الأوقاف بعد أخذ رأي مجلس الإدارة أو المجلس الأعلى حسب الحال.
وقد اسثنيت من ذلك أوقاف الحرَمين. وبناءً على المادَّة 57 من اللائحة ، انتدبت نظارة المالية حضرة جورج بك طلاماس لمراجعة حسابات الديوان ، فوُضعت نماذج الدفاتر والاستمارات للأعمال الحسابية بالاتفاقِ بين المندوب ورجال الديوان. وقد نصَّت اللائحة الصادر بها الأمر العالي المؤرَّخ في 13 يوليو سنة 1895 على اختصاص الديوان بما يأتي:
1ً - إِدارة الأوقاف التي تؤول إلى الخيرات وليس النظر مشروطاً فيها لأحد
2ً - إِدارة الأوقاف التي لا يُعلَمُ لها جهة استحقاق
3ً - إِدارة الأوقاف التي ترى المحاكم الشرعية وجوب إِحالتها إلى الديوان مؤقتاً بضمّ مديرِهِ ناظراَ مع ناظر الوقف
4ً - إِدارة الأوقاف التي يُقامُ الديوان حارساً قضائياً عليها
5ً - إِدارة الأوقاف التي يَرغبُ نظَّارها ومستقوها في إِحالتها إلى الديوان من تلقاءِ أنفسهم.
أمَّا الوظيفة الدينية والأدبية التي يُؤدَّيها ديوان الأوقاف فِإِنَّهُ يُقيم الشعائر الدينية في المساجد ، ويُنفِّذُ شروطَ الواقفين في وجوهِ البرّ التي عيَّنوها ، ويبذلُ المساعدةَ على نشر التعليم بالمدارس والكتاتيب والمعاهد العلمية ، ويُديرُ ملاجئ أُنشئت للعجزةِ والبائسين ، ومستشفيات وعيادات طبية مفتوحة للفقراءِ مجاناً ، ويمدُّ بالمرتبات السنوية عدَّةَ جمعياتٍ خيرية ومدارس صناعية ، ويتولَّى بالصدقات الشهرية مؤاساة كثيرين
من أهل البيوت ذوي الخصاصةِ ممن أخنى عليهم الدهرُ بصروفهِ ، وتصدَّقُ أيضاً على الفقراءِ وأبناءِ السبيل في أيام المواسم والأعياد. أمَّا إِيراداتُ الأوقاف فقد بلغت في سنة 1902 - 246000 جنيه مصري ، وبلغت في العام الماضي 511. 100 جنيه ، فتكون الزيادة في مدة عشر سنوات 265. 100 جنيه. وقد زادت أيضاً النفقات تبعاً لنموِّ الإِيرادات ، فإِنها كانت منذ عشر سنوات 209. 362 جنيهاً فبلغت في العام الغابر 480. 805 جنيهات
ويُدير ديوانُ الأوقاف 1435 مسجداً في القطر المصري ، منها 530 مسجداً في مدينة القاهرة وحدها. ويبلغ عدد خَدَمةِ هذه المساجد 8047 بين مشايخ ومدرّسين وأئمة وخطباء ومؤذّنين وميقاتيين وقرَّاء وملاحظين. أمَّا المعاهد العلمية الدينية التي يُنفق عليها الديوان فهي الجمع الأزهر ومشيخة علماء الإسكندرية ومشيخة الجامع الأحمدي ومشيخة الجامع لدسوقي ومشيخة علماء دمياط ، فيها 640عالماً ونحو 20. 500 طالب.
ويتبع ديوان الأوقاف 151 مكتباً محالة إدارتها إلى نظارة المعارف العمومية مقابل مبلغ 24. 677 جنيهاً يدفعهُ الديوان للنظارة. ويصرف أيضاً مبلغ 1500 جنيه بصفة إعانات لمدارس يُراقب إِدارتها ، هذا عدا الإعانات المخصَّصة لبعض المدارس الأهلية. وللأوقاف 11 مستشفى وعيادةً طبية يُنفق عليها في السنة نحواً من 17000 جنيه ، وهي مستشفى الجذام ومستشفى الأزهر ومستشفى قلاون ، وعيادات المنشية ومصر القديمة وبولاق وطنطا والإسكندرية والبعثة الطيبة الحجازية ومخزن الأدوية العمومي والمستشفى العبَّاسي. ويُدير الديوان من التكايا والملاجئ: تكية المدينة المنوَّرة ، ومكة المكرّمة ، وطره في مصر ، وتكية النساء في مصر أيضاً ، والقباري في الإسكندرية ، وملجأ الأطفال في مصر ، ويبلغ ما يُنفقهُ عليها في السنة 22000 جنيه تقريباً ، وعدد الفقراء والمعوزين الذين يقيمون فيها أو تُصرف لهم الأغذية منها 245. وتبلغ الإِعانات التي يمنحها في السنة للمدارس والجمعيات الخيرية حوالي 13500 جنيه ، منها 5000 جنيه للجامعة المصرية ، و 1000 لجمعية رعاية الأطفال ، و2000 لملجأِ الأيتام بالإسكندرية ، و 1000 لمدارس الجمعية الخيرية الإسلامية ، و 500 للكتبخانة و 50 لجمعية الرفق بالحيوان. الخ. ويُدير ديون الأوقاف ، غير الأوقاف الخيرية وأوقاف الحرَمين الشريفين ، أوقافاً أهلية تُحال إليهِ ، بعد تقريره في النظر عليها من قَبِل القضاة الشرعيين. وتبلغ هذه الأوقاف 465 وقفاً ، يأخذُ الديوان من
مواردها 10 في المئة رسم إِدارة بموجب لائحة الإِجراءَات ويُديرها كما يدير الأوقاف الخيرية سواء بسواءٍ.
هذا ما يسمحُ المقام يذكرهِ عن ديوان الأوقاف الذي صدرت الإِرادة السنية في الشهر الغابر بتحويلهِ إلى نظارةٍ من نظارات الحكومة يرأسها الوزيرُ الهمام المدبّر أحمد حشمت باشا ناظر المعارف السابق. ويرى القارئ ممَّا تقدّم أن المجالَ واسعٌ لرجلٍ كحشمت باشا أن
يسير بالأوقاف على المنهاج الذي سار بهِ في المعارف ، فإنهُ بعث أثناءَ السنوات القلائل التي قضاها في تلك النظارة روحاً جديدة في اللغة العربية بتنشيطهِ التأليف في هذه اللغة ، وتوسيع التعليم بها ، وبتقريبه كتَّابها وأُدباءَها وشملهم برعايتهِ وتزويدهم بإرشاد ونصائحه ، فرأينا نهضة حقيقية للتأليف في فروع العلوم والآداب كافةً ، ولا شكَّ في أن تاريخ النهضة الحديثة في الآداب العربية سوف لا ينفكُّ مقروناً باسم حشمت باشا. والآمال معقودة الآن على همة هذا الوزير العامل بأنهُ سينهض بالأوقاف ويزيدُ في نموّها ومنفعتها إِداريّاً وأدبيّاً ، فنرى لهُ فيها من المآثر ما رأينا لهُ في المعارف ، فلا يُلاقي غداً إلاّ ما لاقاهُ بالأمس من الثناء على همتهِ البعيدة ، وإِطراءِ إِدارته الرشيدة.