الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحركة الصهوينة
الحركة الصهوينة حركة ملية اجتماعية ذات قواعد مقرَّرة يرمي بها فريقٌ من بني إسرائيل إلى إيجاد وطنٍ خاص لشعبهم تحقيقاً لما ورد في نبؤات أرميا ويوئيل من أنهُ تأتي أيام يردُّ الله فيها سبي شعبه إسرائيل فيقمون مدنهم الخربة ، ويسكنون بها ، ويغرسون كروماً ، ويشربون خمورهم وقوله بلسان عاموس النبي: واغرسهم في أرضهم ، ولن يقلعوا بعد من أرضهم التي أعطيتهم وقوله بلسان أشعيا وميخا: إن الخلاص يأتي من صهيون؛ والقدس تكون المركز الذي تصدر منه الشريعة ثم ما جاء في التلمود وغيره مشيراً إلى أن المسيا بن يوسف يجمع بني إسرائيل حوله ويزحف على القدس ، ويتغلب على قوة الأعداء ويعيد العبادة إلى الهيكل ، ويقيم ملكه. وقد طفق القوم يفكرون في هذا الموضوع ، ويحاولون تنفيده بعد أن خرَّب طيطس هيكل سليمان في سنة 70 للمسيح. ولكن لم يتجاوز تفكيرهم حد الكتابة شعراً ونثراً حتى دعاهم إلى العمل شبتاي زيبي في القرن السابع عشر ، فلبّاه بعضهم؛ إلَاّ أنه لم يفلح في ما أراد. ثم حاول غيره الاقتداء بهِ فتألفت العصابات وأُنشئت الجمعيات ، ورمى القوم بأبصارهم على أميريكا تارة وغلى فلسطين طوراً. وجدّ الكتَّاب في التذكير والحض وتكوين رأي إسرائيلي عام. وكتب سلفادور المؤرخ اليهودي رسالة في سنة 1830 قال فيها: إن مجرَّد عقد مؤتمر في أوروبا يعيد فلسطين
إلى اليهود. فتألفت جمعية الأليانس الاتحاد الإسرائيلي وبدأ القوم باستعمار فلسطين فأنشأوا مدرسة مكوى إسرائيل على مقربة من يافا. ثم ظهرت كتب ورسائل مختلفة في الموضوع أهمُّها كتاب واجبات الأمم في أن يُعيدوا إلى الشعب اليهودي قوميته ورسالة إعادة القومية اليهودية وفي هذه الرسالة التي نشرت سنة 1868 صرَّح فرنكل لأوَّل مرة بإعادة تشييد حكومة يهودية في فلسطين وذلك بشراء البلاد من تركيا وقال - من باب الاحتياطّ الكلي -: أنه إذا لم يكن ابتياع فلسطين ميسوراً فلنطلب وطناً معيناً في جهة أخرى من الكرة الأرضية لأن الغاية الوحيدة هي إن يكون لليهود وطنٌ وأن يكونوا أحراراً فيه وألَّف المسيو موريتس ستينشيدر حوالي سنة 1840 جمعية من طلبة المدارس الإسرائيلية لنشر فكرة استعمار فلسطين. ثم أُلِّفت سنة 1866 الجمعية الفلسطينية العمومية وجمعية الاستعمار السوري الفلسطيني. وخاطب المستر (0لورانس الفانت الحكومةَ العثمانية في مدّ خطٍّ حديدي في وادي الفرات لإسكان مهاجري اليهود على جانبيه وإنشاء مهجر لليهود في نواحي السلط فلم يُجب له
طلب. ولكن القوم لم ينثنوا عن سعيهم في جمع المال وتأليف الجمعيات هنا وهناك حتى تمكنوا في سنة 1874 من إنشاء أول مستعمرة إسرائيلية في فلسطين. وبينما هم جدٍّ واجتهاد ظهرت في أوربا حركة الانتيسيميتزم أي مضادة اليهود فصرفت فريقاً كبيراً منهم عن التفكير في مسئلة الاستعمار وطفقوا يحاربون أعداءهم بقوة القلم حيناً وبقوة المال حيناً آخر. ولكن
هذه الحركة اتسع نطاقها وأخذت حكومات عديدة ترغم اليهود على الجلاء عن بلادها فزاد تشبثهم بإيجاد ذيَّاك الوطن المنتظر لجمع شملهم وتحريرهم من عبودية الحكومات المتفننة في إيذائهم. ونشر المسيو هرتسل العالِم الإسرائيلي النمسوي في سنة 1895 كتابه اليودنستات (0الوطن اليهودي وقال فيه: إن الانتيسيمتزم خطر لا يُهدّد اليهود فقط بل العالَم بأسره ، ولا يمكن اجتنابه لأن اليهود شعب يتعذَّر امتزاجه بمن حواليه في الحياة الاجتماعية؛ فلا بدَّ من تملكهم متسعاً من الكرة الأرضية يكفيهم لأن يجتمعوا فيه ويقيموا لهم وطناً خاصاً بهم ثم اقترح تشكيل لجنة تقوم بالأعمال الأولية العلمية والسياسية وشركة أللاستعمار يكون رأس مالها خمسين مليون جنيه انكليزي لامتلاك الأرجنتين أو فلسطين وإدخال اليهود إليها بطريقة منظمة. فتقبَّل اليهود وجمعياتهم رأيه بالرضي والارتياح وعينوه رئيساً للجمعيات التي اشتركت في تنفيذ اقتراحه فدعاها إلى مؤتمر عام عقدوه في مدينة باسّل وحضره 204 أعضاء يمثل بعضهم جمعيات مختلفة وقرروا فيه ترويج تعليم اللغة العبرانية وإنشاء لجنة خصوصية للآداب اليهودية وتأسيس صندوق مالي للإعانة وتأليف جمعية عاملة تنفذ اقتراحات المؤتمر فألِّفتْ هذه الجمعية واشتغلت بطبع خطب هرتسل وماكس نوردو وأعدَّت ما يلزم لتأليف نقابة استعمارية إسرائيلية. وانعقد المؤتمر الثاني في أغسطس سنة 1898 بمدينة وقرر تأليف النقابة وجعل اللسان العبراني لغة قوم موسى وتربية الإسرائيليين
بحسب قواعد التهذيب الحديثة. ثم انعقد المؤتمر الثالث في 18 أغسطس سنة 1899 بمدينة باسل وقرئت فيه عدَّة تقارير دلَّت على نجاح الجمعيات الصهوينة وتكاثر عدد المنتظمين في سلكها ، واقترح بعضهم استعمار قبرص فرفض طلبه بدون مناقشة فيه. وانعقد المؤتمر الرابع في 16 أغسطس سنة 1900 بمدينة لندن. وتمكن هرتسل من مقابلة السلطان عبد الحميد مرَّتين فأنعم جلالته عليه بالنيشان المجيدي. ثم انعقد المؤتمر الخامس في مدينة باسل في يوم 26 دسمبر سنة 1901 وتقرَّر
فيهِ عقد المؤتمر مرة كل سنتين وأن تنعقد في الفترات الواقعة بين المؤتمرات اجتماعات يحضرها أعضاءُ الجمعية الكبرى. ولاحظ زعماء الإسرائيليين أنهم غير ناجحين في استعمار فلسطين فخاطبوا فخامة اللورد كرومر في استعمار العريش فلم تجبهم الحكومة المصرية جواباً يحسن الوقوف عنده. ثمّ خاطبوا الحكومة الانكليزية في استعمار إحدى الجهتين وقال المسيو هرتسل: إن شرقي أفريقيا ليست صهيون ولا يمكن أن تكون كذلك وقال الأستاذ ماكس نوردو: لو أمكن إحداث مثل هذا المقر - يعني أقريقيا الشرقية - فهو لا يكون إلا دار عزلة مظلمة وتوفي هرتسل في 3 يوليو سنة 1903 فوصفتهُ دائرة المعارف
الإسرائيلية بقولها: إنه السياسي اليهودي الوحيد الذي كرَّس حياتهُ لخدمة قومه واستطاع أن يقوم بما لم يستطعهُ فرد ولا جماعة في سبيل إعلاء شأن الصهوينة وتثبيتها؛ فقد كانت هذه المسئلة في بدئها مسئلة خيرية زراعبة ، فصيرها هرتسل اقتصادية سياسية وانتخب الأستاذ ماكس نوردو الفليسوف الألماني المعروف خلفاً لهرتسل في رياسة المؤتمرات والجمعية العاملة؛ فرأس المؤتمر السابع الذي عقد في 27 يوليو سنة 1905 وصدق على قرار خلاصته أن الهيئة الصهوينة تبقي ثابتة لا تتحول عن إعداد وطن لليهود في فلسطين. ولا تزال المؤتمرات الإسرائيلية تعقد مرة كل سنتين في عاصمة من عواصم أوربا والجمعيات الصهوينة تنتشر في جميع الأقطار الشرقية والغربية ويتسع نطاقها فبلغت ألوفاً واشترك فيها مئات الألوف من الإسرائيليين على اختلاف طبقاتهم يمدونها بالآراء ويساعدونها بالمال كلٌّ على قدر طاقته؛ فتمكنوا من إنشاء المصرف اليهودي الاستعماري ثمَّ صندوق الذخيرة الوطنية الإسرائيلية والمقصود بهذه الذخيرة المال الذي يجمعهُ اليهود لاسترداد أرض فلسطين وجعلها مقراً لليهود المتشتتين في أنحاء المعمورة المعرضين لاضطهادات الحكومات المختلفة وازدرائها بهم. ومركز رياسة اللجنة العاملة لصندوق الذخيرة في مدينة كولونيا الألمانية. وقد بلغ رأس ماله 120 ألف جنيه انكليزي في سنة 1901. وللقوم في جمع المال طرق مختلفة أبانوها في منشوراتهم المطبوعة
بالفرنسوية والانكليزية والألمانية؛ وأهمها طريقة الصناديق الخصوصية وهي صناديق مقفلة ذات ثقب منهُ النقود ، ويرسل منها صندوق لكل من أراد فيضيع فيه ما يفيض عن نفقاته أو ما يقرّره على ذاته أسبوعيَّا أو شهريّاً ثم يأتي مندوب الجمعية في
وقتٍ معيّن ويفتح هذا الصندوق ويأخذ ما فيه ويقفله. وتقول الجمعية في نشراتها أن الادّخار في الصندوق الخاص هو خير وسيلة لتدريب الصغار على معرفة الواجب عليهم نحو شعبهم. ومنها طوابع البريد والتلغراف وتذاكر التهنئة والتعزية: وهي أوراق خاصة يبتاعها الصهويونيون ويستخدمونها في مكاتباتهم الخاصة. ومنها الكتاب الذهبي: وهو سفر مطبوع على ورق صقيل ومجلد تجليداً مزخرفاً فخماً يشتمل على اسم مَنْ يدفع للجمعية 10 جنيهات. ومنها دفاتر المذكرات: وهي تحتوي على قلم رصاص وتقويم وكمية من ورق الكتابة تخصص لتدوين ما يتبرع الصهونيون بهِ في الاحتفالات العامة والخاصة لتنفيذ فكرة الصهيوينة. ومنها أشجار الزيتون. فكل من يدفع 20 غرشاً تُغرَس باسمه شجرة زيتون في إحدى مزارع الاستعمار الصهيوني. ومنها تسجيل الأراضي باسم أهل الخير. فكل من يدفع جنيهين يشتري باسمهِ - حساب الجمعية - دونم وترسل إليه حجة تملكه. ولا تفتر جمعية الذخيرة يوماً عن إيجاد طرق جديدة لحث الإسرائيليين على البذل. وقد تمكنت بأن تأتي بما جمعته بأعمال خطيرة جليلة أهمّها شراء
ستة آلاف دونم من الأراضي على مقربة من بحيرة طبريا ، وإنشاءُ مزرعتين كبيرتين للزيتون في حولدا وبن شامن وعدة حدائق لزراعة البرتقال والليمون والاترنج في شدراح وجنينة صامويل. أما المدارس الصناعية والزراعية والعالية التي أنشئت بمال الذخيرة في حيفا ويافا والقدس لتربية النشء الإسرائيلي وتعليمه فحدّث عنها ولا حرج. وهكذا قل عن المستعمرات الزراعية وبيوت العمَّال التي أنشئت في أنحاءِ فلسطين فتحوّل بها القفر البلقع إلى روض أزهر. وقد أتاحت لي الظروف التعرف إلى جماعة من المشتغلين بهذا الموضوع في القاهرة والاختلاط بهم فعلمت أن لهم مندوباً خاصاً يتردّد على بعض المدارس الابتدائية ويلقي على تلاميذها دروساً يبين فيها حقيقة الصهيوينة وما يجب على كل إسرائيلي عمله لتنشيطها ومسعدتها ولهم مجلة فرنساوية شهرية اسمها النهضة الإسرائيلية يوافيها أئمة الكتاب الصهيونية وأنصارها. وقيمة اشتراكها السنوي ثلاثة فرنكات. ولهم نادٍ خاص كبير في حيّ الإسماعيلية. ونحو عشر جمعيات تشتغل بجمع المال وإرساله إلى اللجنة الرئيسية في كولونيا. ويعني صهيوني ، مصر بمطالعة كل ما يردُ عنهم في الجرائد المحلية ويعقبون عليه. وقد انعقدت الجمعية العاملة للصهيونيين في مدينة فينا يوم 10 يونيو مقدمة
للمؤتمر الذي سينعقد في شهر سبتمبر القادم المسائل المعروضة عليه يأخذ في تنفيذها بقوة مالهِ ورجالهِ
توفيق حبيب