الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى اللهو والزهو والخلاعة ، كالرومان في آخر عهدهم. فنقلها عنهم الحضر وسكان المدن. ولكنَّ أَهلَ البادية والجبال ظلُّوا على ما كان عليهِ آباؤهم ، ولا يزالون على ذلك حتى الآن في غنائهم وعيشتهم وتقاليدهم وفخارهم وشجاعتهم. فإذا أردنا العود إلى مجدنا فلنعد إلى صلب الشعب في بواريهِ وقفاره ، حيث نجد الكرّم والجود والشجاعة والحماسة والنبل والشرف والعزّة والآنفة.
داود بركات
الجامعة المصرية
في خمس سنوات
في اليوم الأخير من شهر سبتمبر سنة 1906 نشر مصطفى بك كامل الغمراوي ، أحد أعيان مديرية بني سويف ، دعوة على صفات الجرائد المصرية سأل فيها سراة المصريين وأفاضلهم التعاون على إنشاء مدرسة جامعة. وختم دعوته بقوله أنني اكتتب لهذا العمل الخطير بمبلغ 500 جنيه ثم حضر إلى العاصمة وخاطب بعض الأفاضل وذوي الرأي في المسئلة فلقي منهم كل رعاية وانعطاف. وكان في طليعة منشطيه سعادة سعد باشا زغلول - وكان يومذك مستشاراً في محكمة الاستئناف - فدعا إلى منزله في حي المنيرة الراغبين في إتمام أمنية الغمراوي بك فاجتمعوا لأول مرة في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر سنة 1906.
وكان أول عمل فكروا فيهِ هو إبعاد المشتغلين بالصحافة عن المشروع وانتخبوا سعادة سعد باشا زغلول وكيلا للرئيس - الذي يكونون قد اتفقوا عليه فيما بعد - وقاسم بك أمين سكرتيراً ، وأصدروا أول منشور باسم الجامعة جاء فيهِ: إن المقصود هو إنشاء مدرسة علوم وآداب لك طالب مهما كان جنسه ودينه بدون مداخلة في السياسة. ويقتصر فيها على إلقاء دروس أدبية وعلمية وفلسفية تنوّر عقول الطالبين وتربي ملكاتهم وتهذب عواطفهم وتبلغ بهم الكمال في أنواع ما يتلقونه بها من العلوم.
مضى على هذه الجلسة شهران ولا شاغل للأقلام إلَاّ الجامعة وتنشيطها؛ ونهض لمعاكستهم نفر قالوا أنه لا يجب الإقدام على العمل ولا التشجيع عليهِ إلَاّ إذا صبغت الجامعة بالصبغة الدينية. ولكن هذا الرأي لم يصادف هوى من قلوب المشتغلين بالمسئلة. ثم عقدت الجلسة الثانية وأعلن فيها سعادة باشا زغلول تخليه عن المشاركة العملية في لجنة الجامعة لتعيينه ناظراً للمعارف وأكد أنه لا يفتر عن تعضيد المشروع. وألقى المرحوم قاسم بك أمين خطبة ضمنها خلاصة ما تم للمشروع في شهرين وهو:
أولاً - اهتم كثيراً في البحث يرئس اللجنة من الأمراء فلم يفلح ولذلك وقفت حركة الاكتتاب.
ثانياً - خاطب أحد أمراء البيت الخديوي في ن يكون رئيساً للجامعة فلم يقبل ولم يرفض
ثالثاً - طلب مساعدة الحكومة فلم تقبل لأنها تعتقد أن مشروعاً كبيراً كمشروع الجامعة لم
يأتِ الوقت المناسب لأن تقوم بهِ الأمة.
رابعاً - إن سمو الخديوي أظهر ارتياحاً إلى المشروع والقائمين بهِ وانتخب قاسم بك أمين رئيساً ، وانتدب حضرة محمد بك فهمي. وسارت اللجنة في أعمالها بهمة ونشاط ولم يعترها كلل ولا ملل مع وفرة ما صادفتهُ من العقبات وتثبيط العزائم ، فاكتتب له الكثيرون - وفي مقدمتهم سمو الخديوي - بمبالغ طائلة من المال. ووقف له بعضهم مساحات واسعة من الأراضي. وكان في مقدمة الواقفين المرحوم حسن باشا زايد أحد أعيان مديرية المنوفية حيث وقف مئة فدان ، ثم عوض بك عريان المهدي من أعيان بني سويف وقد وقف لها 83 فداناً. ويقدر ثمن أطيان الجامعة كلها بمبلغ 170 ألف جنيه وبلغ ريعها في السنة الماضية 861 جنيهاً و615 مليماً. وقبل صاحب الدولة البرنس أحمد فؤاد باشا أن يكون رئيساً للجامعة. وكان أول عمل أتاهُ إرسال عشرة من الشبان المصريين الحاصلين على الشهادة الثانوية وبعض ديبلوات المدارس العالية إلى أوربا لدرس العلوم العالية حتى إذا أتموا دروسهم عادوا إلى مصر للتدريس في الجامعة المصرية. وفي أول مايو سنة 1908 سمي سعادة أحمد باشا زكي مدّرساً لتاريخ التمدن الإسلامي وأحمد بك كمال لتدريس تاريخ الشرق القديم. وتقرر أن
يلقي أساتذة ثلاثة: فرنساوي وانكليزي وإيطالي محاضرات في آداب لغاتهم ثم تترجم إلى العربية بعد إلقائها. واستؤجر معمل سجائر جناكليس بائع الدخان اليوناني الشهير ، في قصر النيل فمحي اسمه من على واجهتها المبنية على الطراز العربي الأنيق ، وأُبدل باسم الجامعة المصرية وتاريخ إنشائها مكتوباً باللغتين العربية والفرنسوية. وفتحت أبوابها لإلقاء المحاضرات في أول أكتوبر سنة 1908 ثم أُعلن افتتاحها رسميّاً بعد ذلك بشهر واحد تحت رئاسة سمو الخديوي المعظم.
وانعقدت الجمعية العمومية للجامعة يوم 29 ابريل الماضي وقدَّم مجلس الإدارة تقريراً للأعضاء عن حالة الجامعة جاء فيهِ أنهُ لم يمضِ سوى أربع سنوات منذ حظيت الجامعة برعاية سمو الأمير مولانا الخديوي المعظم عباس حلمي الثاني وهي فترة لا تعد شيئاً في عمر الجامعات إذ لو راجعنا تاريخها وم لزم لتكوينها من الوقت الطويل لوجدنا أن الجامعة المصرية خطت خطوات واسعة في هذا الزمن القصير ولا جدال في أن القائمين بأمر الجامعة وفي مقدمتهم دولة الرئيس لم يفتروا ساعة واحدة عن ترقية هذا المعهد الكبير.
وفي خلال السنوات الأربع الماضية كان دولة الرئيس يقضي فصل الشتاء في مشاركة الأعضاء في الإِشراف على جميع أعمال الإدارة ، فإذا حل الصيف يمضي معظم أوقاتهِ وهو بعواصم أوربا في مفاوضة بعض العلماء في الحضور إلى مصر
للتدريس في الجامعة ، ويخاطب وزراء المعارف ورؤساء الجامعات بفرنسا وانكلترا وألمانيا في مساعدة تلاميذ الجامعة المصرية بأوربا على تلقّي العلوم في المعاهد العلمية الكبرى ، ويحث هؤلاء التلاميذ على الجدّ والاجتهاد في التحصيل حتى يشرّفوا أمتهم بعلمهم. ولكن هذه المجهودات لم تثمر الثمرة المنتظرة منها فإن المتأخّر من الاكتتابات لم يُدفع منهُ شيء للجامعة. ولم يكتتب لها أحد بشيء في السنة الماضية ، وامتنع أحمد بك الشريف عن أن يدفع للجامعة دخل المئة الفدان التي حبسها عليها فاضطر مجلس الإدارة إلى النظر في أمر مقاضاتهِ ورأت الإدارة أن الإِقبال على حضور محاضرات التاريخ القديم والاقتصاد الزراعي فألغتهما. وكذلك ألغت الفرع النسائي ريثما توفَّق لوضع برنامج الخطة التي تتبعها فيهِ بحيث يكون موافقاً لحاجات السيدات المصريات وكان عدد اللائي يحضرن هذه الدروس 41 سيدة. وأصبحت العلوم التي تلقى في الجامعة قاصرة على الآداب وتاريخها والفلسفة وتقويم البلدان والتاريخ الإسلامي. ويدرّس آداب اللغة العربية الأستاذ الشيخ محمد الخضري. ويدرس آداب تاريخ هذه اللغة المسيو جاستون فيت. ويدرّس تاريخ الأمم الإسلامية الأستاذ الشيخ محمد الخضري. ويدرس الفلسفة العربية وعلم الأخلاق الأستاذ الشيخ طنطاوي جوهري. ويدرّس تاريخ المذاهب الفلسفية الأستاذ لويز ماسنيون.
ويدرّس تاريخ آداب اللغة الانكليزية الأستاذ برسي وايت. ويدرّس تاريخ آداب للغة الفرنسوية الأستاذ لويس كليمان. وقد عني اثنان من طلبة الجامعة منذ أربع سنوات بجمع المحاضرات وطبعها في مجلة خاصة. ولكنهما لم يجد شيئاً من الإقبال عليها فعطلاها. وأخذ مجلس الإدارة على عاتقه طبع هذه المحاضرات في كتب مستقلة فبلغ ما أنفقه على طبعها في السنة الماضية 336 جنيهاً و961 مليماً. وكان عدد الطلبة الذين قيدوا أسماءهم في السنة الأولى نحو 300 طالب منهم عدد كبير من طلبة المدارس العالية والأزهر ، ثم أخذ عددهم يتناقص شيئاً فشيئاً ، فكان في السنة الماضية 123 طالباً ، وفي هذه السنة 75 طالباً فقط. وتدل الأنباء الواردة من أوربا عن حالة إرسالية الجامعة أن أعضاءها قد
برهنوا بما أبدوه من مثابرتهم جدّهم في تحصيل المعارف على أنهم أهل لأن تعتمد عليهم الجامعة في خدمتها خدمة خالصة. وعهد مجلس الإدارة إلى سكرتير الجامعة في ترتيب المكتبة على النسق المتبع في مكاتب أوربا العمومية ، وينتظر إتمام هذا الترتيب بعد سنة ، ثم تُفتح أبواب المكتبة للجمهور.
وفي جلسة الجمعية العمومية الأخيرة طلب دولة الأمير فؤاد باشا إقالته من رئاسة الجامعة. فقبلها الأعضاء آسفين وقرروا إسناد رئاسة الشرف إليه ، ودوَّنوا هذا القرار في خطاب حمله إليه وفد مؤلف من أصحاب
السعادة حسين رشدي باشا وأحمد شفيق باشا وعبد الخالق ثروت باشا. ثم قرروا باتفاق الآراء أن يعهدوا في الرئاسة إلى البرنس يوسف كمال باشا والرئيس الجديد خير خلف لخير سلف. فهو منشئ مدرسة الفنون الجميلة ، وصاحب الأيادي البيضاء على الجامعة ونادي المدارس العالية. فقد وهب الجامعة مئة فدان ، وأعطى النادي قطعة أرض مساحتها 1200 متر في الجيزة ، وتبرع بمبلغ ألفي جنيه لبناء دار للنادي في هذه الأرض ، وتعهد بإنشاء مكتبة للنادي عهد في ترتيبها لحضرة حيدر بك فاضل شناسي. وقد أعلن خبر هذه المنحة السنية سعادة أحمد باشا زكي على ملأِ من الأدباء والأفاضل في جلسة عقدت بنزل الكونتيننتال ، وختم خطبته بقوله أن الأمير يوسف كمال أصبح بعطيته خليقاً بأن يلقب بحامي المعارف والآداب ، ونصير الأساتذة والطلَاّب ولا تزال الحكومة ثابتة على رأيها الذي أبدته منذ سبع سنوات ، وصرّح بهِ فخامة اللورد كرومر في أحد تقاريره وهو أنه لم يحن الوقت الذي يكون فيهِ للمصريين مدرسة جامعة وقد تناقلت الألسنة إشاعة فحواها أن فخامة اللورد كتشنر خاطب دولة البرنس فؤاد في ضم الجامعة إلى الحكومة أو جعلها تحت إشراف نظارة المعارف. فلم يوافقهُ الأمير على هذا الطلب. ولكن الكثيرين يؤكدون أنه لابد من ضم هذا المعهد العلمي الكبير إلى الحكومة آجلاً أو عاجلاً ، فيصبح على جانب مدارس الطب والحقوق والهندسة والزراعة مدرسة للعلوم الأدبية يتخرَّج منها أدباء بديبلومات!!
توفيق حبيب