الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في رياض الشعر
المراسلات السامية
كنا قد نشرنا في السنتين الأولى والثانية الزهور شيئاً من المراسلة الشعرية التي دارت بين الشاعرين الكبيرين المرحوم محمود باشا سامي البارودي والأمير شكيب أرسلان ، فلاقى ذلك الشعرُ النفيسُ استحساناً لدى الجميع. وها نحن ننشر اليومَ قصيدةً أرسلها الأمير شكيب ، وهو في طبريّة ، إلى المرحوم محمود سامي باشا يتشوَّق إليهِ ويعزّيه بفقد كريمةٍ له:
أيُّ ريٍّ بالصحف والأقلامِ
…
لفؤادٍ إلى لقائِك ظامِ
وتناجي الأرواحِ بُعداً وفي القر
…
بِ تَلاقي الأرواحِ والأجسامِ
كلما شئتُ شَدَّ رحلي إلى مص
…
ر نَبتَ بي عوائقُ الأيَّامِ
تعتفي سَيرتي وبيني وبين
…
النيل لم يبقَ غيرُ سهمٍ لِرامِ
ولقد طالما تمثّلتُ ذك الم
…
ساء يجري وكنتُ في الأوهامِ
كم أراني الخيالُ لقباً وهذا
…
غيرُ ما جاد طيفكم من لمامِ
وجذبنا من الحديث غُصوناً
…
وسهرنا إلى نحولِ الظلامِ
وروينا من القريضِ الذي تس
…
كر منهُ العقولُ من دون جامِ
وَنَجرْنا إلى القلوب عهوداً
…
قد تمادت كذاك شأنُ الذِمامِ
سيقولُ الأميرُ ماذا الذي عا
…
قَ وماذا يحولُ دون المرامِ
ما نأت دارُ من تُحبُّ وعيبٌ
…
نقصُ ذي قدرةٍ على الإِتمامِ
بيننا ليلتانِ لكن مع الغي
…
ب سواءٌ يومانِ أو ألْفُ عامِ
وعزيزُ اللقاء والإِلْفُ لم تش
…
حط بهِ الدارُ زائدٌ في الهيامِ
ليس ما بيننا سوى البحرِ يومي
…
ن ولكن سواهُ بحرٌ طامِ
دون مصرٍ بحران منهُ ومن آ
…
خرَ بحرُ الوشاة والنُّمَّامِ
ذاك بحرٌ تسيرُ فيهِ سَفينٌ
…
من حظوظ اللئام كالأعلامِ
وكلامٌ يدرونَهُ أنّهُ الإِف
…
كُ ولكن يبغون صيدَ الحُطامِ
ومَقالٌ إنّا من العصبة الفت
…
يانِ والطاعنين في الأحكامِ
أنا أرجو في مصرَ لقيا عظامٍ
…
ودُّهم بات سارياً في عظامى
صلةُ الإِلّ بيننا وأرى الآ
…
داب أقوى فينا من الأرجامِ
وحنيني إلى الذي طالمااشتق
…
تُ بعيداً فكيفَ وهوّ أمامي
الأميرُ المحمود بالاسمِ والفع
…
ل وكم خالفَ الفعالُ الأسامي
سيدٌ إن تحجَّ كعبةَ عليا
…
هُ تَجِدْ ما نسيت منهُ الموامي
باهرُ القدرِ إن تزِنْهُ مع الأقو
…
امِ في الفضلِ مال بالأقوامِ
مُفردٌ خافَهُ الزمان فناوا
…
هُ كذاك العِظامُ حربُ العِظامِ
جدَّ في حصرِ بأسهِ وهْوَ لو جا
…
لَ لقيدوا طُرّاً بغير خزامِ
كحسامٍ خبا سناهُ بغَمدٍ
…
وسواهُ غَمدٌ بغير حُسامِ
ولع الدهرُ بالغرائب والبخ
…
تُ أحَلَّ الليوثَ تحت النعامِ
أيُّها السَّيدُ الهُمام ومن يكف
…
يهِ أن قيل فيهِ محمود سامي
لك ذكرٌ قد طار في الشرق والغر
…
بِ وفضلٌ أدناهُ فوق الهامِ
هل تراهم أخفوا علاك وهل تخ
…
في فِعالُ الليوث في الآجامِ
ولعمري ذكاك مثلُ ذكاءِ
…
هل تغيب الشموسُ طيَّ الغمامِ
ولأنتَ الذي نشرتَ بذا الع
…
صرِ قريضاً طوى أبا تمَّامِ
من رواهُ ولم يخَلْ ربَّهُ قد
…
عاصر الوحيَ والتقى بالتهامي
أدَبٌ حزتَهُ وليس كذا الق
…
سم من الحظّ سائرُ الأقسامِ
ولعمري مع ذاك أيُّ علاءِ
…
لم تكن منهُ في الذّرى والسنامِ
أخَّر الدهرُ منك شهماً تسامى
…
أن ينال الجوزاءِ بالأبهامِ
ولئن جزتَ عن وزارةِ أمرٍ
…
لم تزل صدرَ دولةِ الأفهامِ
إن صلاك الزمانُ حرباً عواناً
…
فقديمٌ عدوانهُ للكرامِ
ولعمري الذي دهاك أخيراً
…
كان وقعَ السهام فوق السهامِ
لا تَخَلْ كنتَ في الفجيعةِ فرداً
…
كلُّ قلب لجرح قلبك دامِ
قد سكبنا نظير شعرك دمعاً
…
في نواحِ كنو وُرق الحمامِ
إن بكينا فقد بكينا على حز
…
نك والثُّكل أعظم الآلامِ
والذي راح فليهنّأ على فر
…
قة دارٍ ليست بدار مُقامِ
هذه سنَّةُ الليالي فأدعو
…
ك إلى الصبر سنِّةِ الإسلامِ
شكيب أرسلان
الشاعر والليل والطيف
اللهَ في وجدٍ وفي مأملِ
…
من لي بعود الزمنِ الأوَّلِ
قد كنتُ أشكو عذَّلي في الهوى
…
فصرت مشتاقاً إلى عذَّلي
ملّلْتُ عذبَ اللوم جهلاً بهِ
…
لو كنت أدري الحبَّ لم أملل
ما أولعَ القلبَ بما يجتني
…
وأفتنَ العينَ بما تجتلي
أهفو لسهدي. ليتَ لي مثلَهث
…
وليتني في ليلي الأليل
إذْ أترك الأنجم في أفقها
…
شوقاً إلى نبراسيَ المُشَعلِ
وأُحكم الكَوَّةَ دون الصبَّا
…
وأوصدُ البابَ على الشَّمأل
واعتلي كرسيَّ مستكبراً
…
كالمَلْكِ فوق العرشِ إذ يعتلي
سيجارتي مشعلة في فمي
…
ثم يراعي من على أنْمَلي
وقهوتي أبريقُها مُترَعٌ
…
إذا أنا أفرغتهُ يمتلي
في حجرةٍ كالقلب في ضيقها
…
لو حُمّلَتْ غيري لم تحملِ
تَسمعُ مني في سكون الدُّجى
…
ما يسمع الروضُ من البلبلِ
له يطيبُ اللّبثُ في عشه
…
ولي يطيب اللبث في منزلي
إنّا اقتسمنا الليلَ ما بيننا
…
لهُ الكرى في الليل والسهد لي
كتبي تناجيني فتمشي بها
…
عيناي من شكل إلى مشكل
ما بين أوراقٍ بها غضةٍ
…
وبين أوراق بها ذبَّل
يا خلواتٍ الوحي في تيهه
…
ملأتِ قلبَ الشاعر المختلي
سوانحي منكِ وفيكِ انجلت
…
فأنزلي الآيات لي أنزلي
يا طيفها لا ترتجعْ معجَلاً
…
لا تُقْنعُ الزورةُ من معجل
إني وحذي حجرتي مأتمنٌ
…
فأنَسْ إلى صبك لا تجفلِ
أُدنُ قليلاً قد أطلت النوى
…
جُدْ مرةً بالله لا تبخل
لو لم تكن تشتاقني نفسها
…
يا طيفها ما كنتَ بالمقبل
عيناك عيناها كذا كانتا
…
والوجه ذاك الوجهُ لم يبدل
أعرف لحظيها برغم النوى
…
فكم أصابا قبل ذا مقتلي
جسي بهذا الكفِ صدري ترى
…
ما فيهِ من نار جوى موغل
أظلَّني همٌّ فلم أنتبهْ
…
إلا وقد أوغلتُ في المجهل
إِن كان هذا ما دعوه الهوى
…
فمثل هذا الليل لا ينجلي
يا مهجتي يا جلدي يا صِبا
…
إِن لم أمت وجداً فلا بد لي
ولي الدين يكن
من زوايا الذاكرة
وناضرة خفَّ فيها النسيمُ
…
فخفَّ إلى قصدِها محملي
هواءٌ أرقُّ من العاطفا
…
تِ وماءٌ ألذُّ من السلسلِ
تذكرتُ عاطفةَ المغرَمينَ
…
فجاورتُ منعطف الجدولِ
وآلمني مُجْتَلَي وَردةٍ
…
تكادُ تذيبُ حشا المجتلي
وذابلةٍ من بناتِ الحقولِ
…
ولولا الظما قطُّ لم تَذبلِ
أبخلُ الطبيعة أودى بها
…
واشا الطبيعةَ لم تَبخلِ
ستقطُفها بعد إهمالها
…
يدُ الموتِ كالولدِ المُهْمَلِ
حسدتُ الزهورَ لأن الزه
…
ور كأخوان جامعةٍ مُثّلِ
ومّما يُجدِّد ذكرى الهوى
…
هوا بين أغصانها الميِّلِ
فهذا يقولُ لذاك: اعتنقْ
…
وذاك يُشيرُ لذا: قَبّلِ
فما لبني جنسنا الأكرمين
…
قد افترقوا كالمهى الجفّلِ
يُبيدُ القويُّ حياة الضعي
…
فِ ويودي المسلّحُ بالأعزلِ
فأين ، ودؤكم الاختلا
…
فُ ، أطباءُ دائِكُمُ المُعضِلِ
فمرتفعون لأوج السماءِ
…
وهارون للدَرَك الأسفلِ
وأجبنُ من ضافرٍ في الحياةِ
…
وأضرى من الأَسَد المُشبلِ
ومظلمةِ ساد منها السَكو
…
نُ بليلٍ بعيدِ المدى أليلِ
بصرتُ بها تحتَ جنح الظ
…
لامِ بأشباح ضامرة هزّلِ
رمت بهم لمهاوي الشقاءِ
…
يدُ الزمَنِ القلَب الحوّلِ
فهم ينشدون نشيداً علي
…
هِ ملامحُ حالهمِ المجملِ
فكم نظر الناس من تحته
…
م وهم ينظرون لنا من علِ
محمد رضا الشبيبي