الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضرب زيدٌ عمراً
مسكين زيدٌ وعمروٌ فإِنهما ما زالا منذ سيبوَيْه يتضاربان ويترافسان إكراماً لساداتنا النحاة. فتارةً يكون زيد ضارباً وطوراً يكون مضروباً. لي صدي من العلماء المستشرقين أنفق السنين الطوال في درس اللغة العربية والإطلاع على شواردها وضوابطها. دخلتُ عليهِ ذاتَ يوم فرأيتُ وجهه يطفح بشراً وهو يقول: الحمد لله! الحمد لله!
فقلت: ما الخبر؟
فقال: لقد أخذ عمروٌ بثأره
فقلت: وكيف ذلك؟
فأجاب: لقد أنفقتُ عشرين عاماً وأنا أدرس كتب النحاة وأطالع مؤلَّفات الأئِمَّة فلم أجد مثالاً للفاعل والمفعول إلَاّ قولهم ضرَب زيدٌ عمراً وقد عثرت الآن على مَثلٍ جديد وهو قولهم ضرب عمروٌ زيداً فالحمد لله لأن عمراً أخذ بثاره من زيد فضربهُ ولو مرَّة واحدة في الحياة في كلام هذا العالِم حكمةٌ سامية. فإن الشرقيين يتقاتلون ويتضاربون كتضارب زيدٌ وعمروٍ في كتب النحاة. وما ذلك المثال إلا دليل على الطباع والأخلاق. يبدأ الأوربي أجروميته بتصريف فعل أحبَّ. ويبدأ الشرقي
أجروميته بتصريف فعل ضرب أو قتل. ذلك يتمرَّن على الحب وهذا يتمرَّن على الضرب والقتل. فيحق للأوربي والحالة هذه إذا أراد أن يتعلَّم الصرف العربي أن يتقلَّدَ سيفه وترسه اتقاءً شرّ المضاربات بين زيد وعمرو. رحم الله سيبويه! ما ضرَّهُ لو أنهُ أَبدل فعل ضرب بفعل أحبَّ أو غيره من الأفعال التي لا تضطرّ القارئ أن يحمل دروعه وأسلحته؟ ألم يكن في قاموس غير ذلك المثل الشؤوم؟ حقّاً لو أراد عمروٌ أن يتقاضى زيداً أمام المحاكم لظلَّ القضاة ينظرون لأمر لهما بمعالجة أربعين عاماً. ولو عددنا الجروح التي في رأس كل منهما لاحتجنا إلى جيش من الكتبة والحاسبين. ولو استشهدنا سيبويه ونفطوَيه لشهدا على كلٍّ منهما بالاعتداء على رفيقهِ. أفما كان الأجدر بقاضي الصلح أن يصلح بينهما ويعيد الأمن إلى نصابه بين عائليتهما حفظاً للراحة العمومية؟
في كتب النحو أمثلة أخرى تدل على طباعنا. من ذلك قولهم مات زيد وهو وايم الله لا يزال حيّاً يُرزق يضرب عمراً من جديد. وقد ازرَقَّ عمروً وعُقِر من شدَّة الضربات والرفسات. وزاد الطين بلَّةً أن جمعية الإسعاف أهملتهُ ولم تشفق عليهِ. فوا رحمتاه على
عمرو! إنهُ لن يخلص من ضربات زيد ولو مات زيدٌ عشرين مرَّة في كتب النحاة.
إذ لا تكاد تسمع نعيَّه حتى يعود إلى الحياة ويستأنف ضرب عمروٍ. فهو كالسنَّور له سبعة أرواح.
ومن أمثلة النحاة أيضاً - أو بالحري علماء الصرف - قولهم: أحوَل وأعرج وأقطع إلى غير ذلك من الأمثلة التي لم تكن تبرح من فكر سيبويه. ولو جمعنا جميع أصحاب العاهات الذين أحيا النحاة ذكرهم لضاقت بهم الأرض والسماء. ولعلَّهم أُصيبوا بعاهاتهم من جرَّاء ضرب زيدٍ لعمروٍ وغيره. ومن البليَّة أيضاً قول ساداتنا النحاة إِن أمثال الأحوال والأعوَر والأعرج لا ينصرفون. فسيظلون يلازموننا إلى أن يقوم رجل أشدّ بطشاً من زيد ، فيبطش بهم كما بطش هذا بعمروٍ ، ويُريح تلاميذ المدارس منهم.
سامحك الله يا سيبويه!
ومن البليَّة أيضاً أنَّ النصب عند النحاة حالة من حالات الإعراب. ومثلها الخفض أيضاً. وقد يرفعون من لا يستحق أن يُصفع بالأحذية. فإذا قُلنا سرق زيدٌ مال عمرو قالوا يجب رفع زيد ، لأنهُ ارتكب جناية فعل السرقة ويجب خفض عمرو ، لأنهُ الشخص المسروق منهُ.
ما شاء الله كان!. . .
أيُرْفَعَ زيدٌ ويُعلَى شأنهُ لأنهُ سَرق ، ويُخْفَض عمرو وتُداس حقوقه