الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في رياض الشعر
إلى الأمير عمر باشا طوسون
تألفت في مصر جمعيتان لمدّ يد المساعدة للدولة العثمانية وتخفيف ويلات القتال في الحرب الطرابلسية والحرب البلقانية ، وهما جمعية إِعانة الدولة وجمعية الهلا الأحمر وقد ترأس الأولى دولة الأمير عمر باشا طوسون ، والثانية دولة الأمير محمد علي باشا ، فطاف الأميران البلاد مستنهضين الهمم ، مستنديين الأكفّ ، فبذل المصريون المال وكل أنواع المساعدة بكرمٍ وسخاءٍ ، فاستطاعت جمعية جمع الإِعانات إِمدادَ الدولة بما فرَّج كربتها وسهّل عسرها ، وتمكّنت جمعية الهلال الأحمر من تضميد جروح المقاتلين وإِسعاف المنكوبين ومؤاساتهم ، مما رفع قدر مصر في عين الإِنسانية ، وخلّد ذكر أُمرائها الفخام وأبنائها الكرام ، وجعلهم مضرب مثل إِذا ما ذُكر الكرم والمرؤة. ولقد كان أبسط الجميع كفّاً ، وأكرمهم يداً ، وأبعدهم عزمةً دولة الأمير الخطير البرنس عمر باشا طوسون ، فجاد بالمبالغ الطائلة من مالهِ الخاصو وبذل ما له من النفوذ البعيد وما عُرِف بهِ من الهمة العلياءِ لجمع الإِعانات للجيش العثماني ، حتى أُعجب الجميع بسخائهِ وحميّتهِ ، وإِن كانوا قد عرفوا دولة الأمير سبَّاقاً إلى كل مكرمة وتعوّدوا أن يروا له في كل مأثرةٍ يداً. وقد اعرب عن هذه العواطف كبير شعرائنا وأستاذهم - سعادة
اسماعيل صبري باشا - بأبياتٍ كالذهب الأبريز رونقاً وجلاءً ، فسألناه أن نحلّيَ بها جيد الزهور اعترافاً بمأثر الأمير ، وحفظاً لهذا الشعر الجميلو فأجاب ملتمسناو وهذه هي الأبيات:
لك الإِمارةُ ، والأقوام ما برحت
…
بكلّ عالي الذري في الكون تأتمرُ
لو لم تَرثها لما ألقت أعنتها
…
إلَاّ إليك خلالٌ كلها غررُ
يا ابن الأُلى لو أطلُّوا من مضاجعهم
…
يوماً عليك لقالوا: إيهِ يا عُمَرُ
أعدتَ أيامهم في مصرَ ثانيةً
…
حتى توهَّم قومٌ أنهم نُشروا
وسرتَ سيرتهم حى كأنهمُ
…
إذا خطرتَ بأرضٍ مرةً خطروا
للهِ درُّك كم نبَّهت من هممٍ
…
تثني على أهلها الآصال والبكرُ
وكم تعهدتَ جرحى من أسودِ وغىً
…
أن يكشرِ الدهرُ عن أحداثهِ كسروا
مستندجداً من بني مصر أُلي شممٍ
…
إذا رأوا ثلمةً في حوضهم جبروا
مستهيماً هامياً والنيلُ في وجلٍ
…
من أن تجودَ بهِ أيمانكم حذِرُ
حتى تفاهمت الأرحامُ وادَّكرت
…
ما بينها الأهلُ والخلانُّ والاسرُ
وآذن البرُّ بالسقيا وما فتئت
…
منهمْ ومنك صنوفُ البرّ تنتظرُ
وحرَّكت كلَّ كفٍّ بالندى مِقَةٌ
…
حتى تعجبتِ الأنهارُ والغدُرُ
والناسُ أن قام يستسقي الكريمُ لهم
…
سحائب الفضل ، بشّرهم فقد مُطروا
أبي علاءُ سعيدٍ أن يشابههُ
…
إلَاّ ابنُ دوحتهِ إن قام يفتخرُ
ما زال يحمدهُ رائيك مُدَّكراً
…
والأصل بالفرعِ إن حاكاهُ يُدَّكرُ
إسماعيل صبري
رثاء فردي
نشرنا في صدر هذا الجزءِ كلمةً عن فردي وحياتهِ وروايتهِ عائدة ، ونتحف القرَّاءَ الآن بأبيات غراء ، نظمها أمير الشعر والإلهام في رثاءِ أمير الأنغام ، قال:
فتى العقل والنغمةِ العالية
…
مضى ومحاسنه باقية
فلا سوقةٌ لم تكن أنسهُ
…
ولا ملك لم تزنْ نادِيهْ
ولم تخلُ من طيبها بلدةٌ
…
ولم تخلُ من ذكرها ناحيه
يكاد إذا هو غنَّى الورى
…
بقافيةٍ يُنطقُ القافيه
يتيه على الماس بعضُ النحاس
…
إذا ضمَّ ألحانهُ الغاليه
وتحكم في النفس أوتارُهُ
…
على العود ناطقةً حاكيه
وتبلغ موضعَ أوطارها
…
وتغشى سريرتها الخافيه
وكم آيةً في الأغاني لهُ
…
هي الشمس ليسَ لها ثانيه
إذا ما تنادى بها العازفون
…
قل البرق والرعد من غاديه
فإن همسوا بعد جهر بها
…
فخفق الحليّعلى الغانبه
لقد شاب فردي وجاز المشيب
…
وعَيدا شبيبتها زاهيه
تمثل مصرَ لهذا الزمانِ
…
كما هي في الأعصر الخاليه
ونذكر تلك الليالي بها
…
وننشد تلك الرؤى الساريه
ونبكي على عزّنا المتقضي
…
ونندب أيامنا الماضيه
فيا آل فردي نعزيكمُ
…
ونبكي مع الأسرة الباكيه
فقدنا بمفقودكم شاعراً
…
يقلُّ الزمانُ لهُ راويه
شوقي
شاعرة تهاجرُ شاعرا
تُمسين ناسيةً وأُمسي ذاكرا
…
عجباً أشاعرةٌ تهاجرث شاعرا
فهل الملائك كالحسانِ هواجرٌ
…
إن الملائك لا تكون هواجرا
إن كنتُ لا أسعى لداركِ زائراً
…
فلكم سعى فكري لدارِكِ زائرا
وأخو الوفاءِ يصونُ منهُ غائباً
…
أضعافَ ما هو صانَ منهُ حاضرا
يُصيبك طيرُ في ترجيعهِ
…
يا ليتني في الروض أصبحُ طائرا
ويهزُّ منكِ الزَّهرُ في زفراتهِ
…
نفساً تظلُّ لها النفوسُ زوافرا
قد عشت دهرَكِ بالمحاسن صبَّةً
…
وقضيتُ دهري بالمحاسن حائرا
هذا اتحادٌ في الرغائبِ والهوى
…
أبداً ترينَ من المشاهد ما أرى
أنَّا اقتسمنا السحرَ فيما بيننا
…
لله ساحرةٌ تساجلُ ساحرا
لابدَّ في هذي الحياةِ من الهوى
…
أنَّ الهوى يهب الحياةَ نواظرا
ولقد تهبُّ عليهِ يوماً سلوةٌ
…
فتُنيمُ ساهرةً وتترك ساهرا
يا ويحَ ذي قلبٍ يناجي مثلهُ
…
يدعوه مؤنسهُ فيبقى نافرا
قلبان: ذو صبرٍ يعاني هاجرا
…
أو هاجرٌ ظلماً يعذّبُ صابرا
متوافقانِ على الشكايةِ في الهوى
…
كم جائرٍ في الحبّ يشكو جائرا
إن كان قلبي في التصبرِ مذنبا
…
فليُمسِ قلبكِ في التصبر عاذرا
سيعود ذاك الودُّ أبيض ناصعاً
…
ويصير هذا أخضر ناضرا
ولي الدين يكن
الليالي الماضيات
نشرنا في الجزء الأخير من السنة الماضية في معرض الكلام عن رئيس الجمهورية الفرنسية الجديد - مسيو ريمون بوانكاره - ترجمة أبياتٍ صحيفة 536 نظمها يوم انتقل
من حضن الحياة العائلية إلى ميدان الجهاد والعمل؛ واقترحنا على شعرائنا أن ينظموها شعراً عربيّاً. فكان خير ما جاءَنا من هذا القبيل الأبيات التالية وإن كان ناظمها قد توسَّع في المعنى وتصرَّف بالأصل ، قال:
هي الأيامُ سلسةُ الحياةِ
…
وماضي العيش منها غيرُ آتِ
وقد جعل المهيمن من قديم
…
مصيرَ العالمين إلى المماتِ
وليس بخالدٍ للناس شيءٌ
…
سوى حسناتهم والسيئاتِ
وأعمالُ الفتى إن مات كانت
…
ممثّلةً لهُ إحدى الصفاتِ
يكرّرُ ذكرها التاريخ دهراً
…
وترويها أحاديثُ الرواةِ
رغيداً عيشهُ ما دام حيّاً
…
وأيُّ فتى كذلك أو فتاةِ
إليكِ يا دنياي عنّي
…
فإِني قد سِئمتُ من الحياةِ
وما أسفي على عيشٍ رغيدٍ
…
ولا وقتٍ صفا من حادثاتِ
ولا أسفي على كسلٍ مضرٍّ
…
يسمَّى راحةً عند الوُناةِ
ونفسي لم تكن إن غادرتني
…
دواعي البشر تأسى للفواتِ
ولكني أسفت على سماءٍ
…
صفت في الصيف من كل الجهاتِ
ونارٍ أصطليها في شتاءٍ
…
ودفءٍ في الليالي البارداتِ
وإخوان صفوا وأبٍ ودودٍ
…
وخلٍّ ذي وعودٍ صادقات
ذوائبَ أسرة قومٍ
…
وأخوة شدّةٍ وبني ثقات
وأمٍ من ذوات العَطف تحنو
…
على طفلٍ حنوَّ المرضعاتِ
تبيت الليل ساهرةً عليهِ
…
ونام من العشيّ إلى الغداةِ
وأيامي الجميلةُ قد تقضَّت
…
وولّت بالشبيبة مديراتِ
على أنَّ التأسّفَ ليس يُجدي
…
على تلك الليالي الماضيات
كاظم الدجيلي
استبداد واستبداد
يكرمُ المرءُ مستبدّاً بخصمٍ
…
حيث لاقى كفؤاً لهُ فاستبدَّا
فإذا ما استبدَّ يوماً بخصمٍ
…
غير كفوءِ لهُ اعتدى وتعدَّى
خليل مطران
تحت صورة شمسية
سرقتِ بحيلةٍ يا شمس رسمي
…
فأشرقَ زاهياً غضَّ الإِهاب
إذا وافى المشيبُ أقولٌ فيهِ:
…
على رُغمِ الزمان أرى شبابي!
حليم دموسي