الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زواج ابنة غليوم الثاني
أو مصالحة أُسرتي هانوفر وهو هنزُلرن 24 أيار 1913
كثر عدد الذين خافوا على الإمبراطور الألمانية من سنة 1913. وذهب القوم في تأويل هذا الخوف وتعليله مذاهب شتى. وقد رووا لنا - وكانت مجلة الزهور في جملة الراوين - ما تنبأ بهِ بعضهم للإمبراطور غليوم الأول من أن سنة 1913 ستكون سنة شؤمٍ وبؤسٍ على أُسرة هو هنزلرلمان ، وأنهُ يخشى فيها على الإمبراطورية الألمانية من الانقراض. وها قد مضى من هذه السنة نصفها ، ولم نرَ فيها ما يُنذر بتحقيق تلك النبوة ، بل إنَّ عامنا هذا لم يحمل حتى الآن في طيات أيامهِ ولياليهِ إلَاّ ما سرّ له الألمان وابتهجوا. فقد وقع فيهِ تذكاران مجيدان كانا داعيةً لإقامة الأفراح والأعياد في ألمانيا عامةً وفي بروسيا خاصةً: أولهما تذكار مرور مئة سنة على قيام الشعوب الألمانية ونهضتها في وجه الفاتح الإمبراطور غليوم الثاني على عرش مملكة بروسيا وإمبراطورية ألمانيا ، فاحتفل في الشهر الفائت بالعرس الفضي لملكهِ ، كما احتفل بالعرس الفضي لزواجه. وقد شاءَت الأقدار إن تزداد أفراحُ الإمبراطورية الألمانية والسلالة المالكة بحادثٍ لم يكن منتظراً ، لا بل كان بعيد الإمكان ، ألا وهو مصالحة سلالة هو هنزُلرن المالكة مع سلالة ملوك
هانوفر المعروفة باسم برنزويك. فرأينا بهذه المناسبة ذكر لمحة تاريخية عن هذا الحادث الذي علَّقت عليهِ الصحف أهمية كبرى فنقول: لا يخفي أنَّ إمبراطورية ألمانيا الحالية حديثة العهد ، نادى بها المتحالفون الألمان وقت سكرهم بخمرة الانتصار على فرنسا ، وهم مجتمعون في قصر فرسايل في بداية سنة 1871 وحيَّوا كبيرهم وعميدهم ملك بروسيا بلقب إمبراطور ألمانيا ، وذلك انتقاماً لشعوبهم من الفرنسويين إذ كان نابوليون الأوَّل قد ألغى بمعاهدة برسبورغ لقب إمبراطور ألمانيا وذلك في أواخر سنة 1805. وكانت إمبراطورية ألمانيا الأولى التي ألغاها نابوليون قد تأسَّست سنة 962 ميلادية وقد أكملت ترتيب نظامها الأساسي والإداري في أواسط القرن الرابع عشر فكان يرئسها إمبراطورٌ كاثوليكي المذهب تعترف له الشعوب المسيحية الغريبة بميراث ملوك الغرب الرومانيين. وكان ينتخبهُ سبعة أمراء ألمان: أربعة من العلمانيين ، وثلاثة من علية الاكليروس. وكان يطلق على كل من هؤلاء الأمراء السبعة لقب المنتخِب ، ولكن لما ظهرت الانقسامات الدينية منذ بداية القرن السادس عشر ، وكثرت لما ظهرت الانقسامات الدينية منذ بداية
القرن السادس عشر ، وكثرت الاضطرابات والحروب والمداخلات الأجنبية ، أصبحت سلطة الإمبراطور وهمية وشرفية أكثر مما هي فعلية؛ وصار كلُّ واحدٍ من الأمراءِ يعتبر ذاته مستقلاًّ ، حتى أنه لما حدثت الثورة الفرنسوية ، كان في الأراضي المعروفة باسم الإمبراطورية الألمانية ما لا يقلُّ عن 350 مملكة وإمارة ودوقية ومدنية حرّة تدّعي كل منها الاستقلال التامّ. وكانت تقسم إلى ثلاث طبقات.
1ً - طبقة المنتخبين وهي فوق سائر الطبقات ، وكانت مؤلفة من رئيس أساقفة مايانس ، ورئيس أساقفة كولونيا ، ورئيس أساقفة تريف ومن الكونت بالأتين وملك بوهيما والدوق دي ساكس وأمير برندبورج. وكان قد أُضيف غليهم منتخبان وهما الدوق دي بافاريا في سنة 1624 ، والدوق دي هانوفر في سنة 1692. فصار الأمراء المنتخبون تسعة. ثمَّ إن الإمبراطور ضمَّ لقب بوهيما إلى ألقابه ، وصار أمير برمدبورج ملكاً على بروسيا في سنة 1701 ، والدوق دي هانوفر ملكاً على انكلترا سنة 1714 وانقرض فرع بافاريا سنة 1779. فأصبح لقب منتخب محصوراً في الواقع بخمسة أمراء يعترفون بتابعيتهم للإمبراطور. وبعد حروب الثورة الأولى منح الإمبراطور لقب منتخب لكلٍّ من دوق ورتمبرغ ، وأميرهس كاسيل تعويضاً لهما عما خسراه من اراضي التي أخذتها فرنسا.
2ً - طبقة الأمراء وفيها أكثر من 290 أميراً من الأكليروس والعلمانيين ، وأول هؤلاءِ الأمراءِ حامل لقب أرشيدوق دوتريش وقد ارتقى صاحب هذا اللقب أريكة الإمبراطورية منذ سنة 1274 ، وحصر المنتخبون الملكَ في سلالتهِ فعلياً منذ سنة 1439.
3ً - طبقة المدن الحرّة ، وعددها 51 مدينة ، أشهرها فرنكفورت حيث كان يصير انتخاب الإمبراطور.
هذه هي الإمبراطورية الألمانية التي ألغاها نابوليون سنة 1805.
ولما سقط هذا العاهل وأتت الدول المنتصرة ترتب هيئة أوروبا في مؤتمر فينَّا سنة 1815 ، أصبحت ألمانيا أو البلدان الجرمانية تؤلف تحالفاً
أو اتحاداً الاتحاد الجرماني يحتوي على 39 دولة ودويلة ، في مقدمتها إمبراطورية النمسا وممالك بروسيا وبافاريا وهانوفر وورتمبرج وساكس. وكانت النمسا تفضّل بقاء هذا الترتيب لأن إمبراطورها كان حاصلاً على رآسة هذا الاتحاد ، وسلطتها كانت ممتدَّة على شعوب غير ألمانية كالمجر وشمالي
إيطاليا وبوهيما وبولونيا. أما بروسيا فإنها كانت متضايقة من هذا النظام أولاً لبقائها تابعة للنمسا وبنوع ما تحت سيادتها ، وثانياً لأن أملاكها وولاياتها كانت منفصلةً عن بعضها بعض ، ومتفرقة إلى أقسام متباعدة الأطراف ، وكان فريدريك الثاني أكبر ملوكها قد قضى مدة ملكه الطويلة بالحروب رغبةً في الحصول على توحيد حدود مملكتهِ ، فلم يدرك إلَاّ بعض غايتهِ. وعليهِ كان جلّ همّها تغيير الحالة الموجودة في سنة 1815 والتوثب عى جيرانها الألمانيين لتسوية حدودها بضمّ ما هو موافق لأملاكها. وكانت مملكة هانوفر أهم العقبات في سبيل تلك الغاية وكانت مساحتها نحواً من 39 ألف كيلومتر وسكانها أكثر من ثلاثة ملايين. وكان دوقها قد نال لقب منتخب منذ سنة 1692 ، وهو المنتخب أرنست أغوستوس؛ وتوفي في 1698 ، وفي سنة 1714 صعد ابنه المنتخب جورج على عرش انكلترا فعرِف بالملك جورج الأوَّل ، ذلك لأن أقرب نسيب بروتستاني للملكة حنة ستوارت المتوفاة بدون عقب. فجمع بشخصه السلطة على انكلترا وعلى هانوفر. وجعل مؤتمر فينا هانوفر مملكةً سنة 1815. ولكن لما كانت هذه المملكة تحت سلطة ملوك
انكلترا لم يكن ملوك بروسيا ليتجاسروا على التحرش بها. فلما توفي وليم الرابع الانكليزي سنة 1837 آلت نوبة في انكلترا إلى فيكتوريا ابنة أخيه. وأما في هانوفر فلما كانت الشريعة تحرّم جلوس النساءِ على العرش آل الملك إلى أخيهِ أرنست الأوَّل حتى سنة 1851 حيث توفي وورثه ابنه جورج الخامس. وفي عهده حدثت حروب فرنسا وسردينيا ذد النمسا ففشلت هذه وخسرت أكثر أملاكها في إيطاليا ، كما أن حرب القوم كانت قد أفقدتها ثقة روسيا. فاغتنمت بروسيا هذه الحوادث وعملت بتدابير بسمارك الداهية الدهماء فاضطرت النمسا إلى إتباع سياستها في الوثوب على مملكة الدنمرك وافتتاح ولايتي سلسفيك وهولستين ودوفية لوينبورغ. ولكنَّ اتفاقهما لم يطل فوقع الاختلاف بين المنتصرين وحاول كلٌّ منهما اتخاذ مجلس الاتحاد آلة بين يديه. ولكنَّ الأكثرية انضمت إلى النمسا وفي مقدمتها ملك هانوفر ، ودوق ناسو ومنتخب هسّ كاسل. فشهرت بروسيا الحرب عليهم ، وما لبث جنودها أن اقتحمت حدود خصومها. وفي أقل من ثلاثة أشهر انتهت الحرب بانتصار بروسيا التام على النمسا وجميع محالفيها؛ وأشهر مواقع هذه الحرب موقعة سادوفا تموز سنة 1866. وعقد الصلح بين بروسيا والنمسا ، فقبلت هذه بخروجها من التحالف وبكل ما
تجريه بروسيا في جرمانيا. فأعلنت بروسا ضمَّ مملكة هانوفر ودوقية ناسو وإمارة هسّ كاسّل ومدينة فرنكفورت إلى أراضيها ، فأصبحت جميعها ولايات بروسية عادّية ثم أرغمت
بروسيا أمراء وملوك الواقعة شمالي نهر المين على الانضمام إليها بتحالف دعي بتحالف دعي تحالف ألمانيا الشمالية. وهكذا أصبحت أراضي مملكة بروسيا كلها متصلة بعضها ببعض لا يحتللها أرض مملكة غريبة. فاحتيج جورج الخامس على سلب مملكته وضمها لبروسيا بمنشور أرسله من فينا إلى جميع ملوك أوروبا. لكن احتجاجه لم يجدهِ نفعاً إذ أن نسيبتهُ وابنة عمهِ فيكتور يا ملكة انكلترا كانت حماةً لولي عهد بروسيا فلم تحرّك ساكناً. وكان احتجاجه سبباً لغيظ ملك بروسيا الذي ضبط حينئذٍ أملاك جورج الخامس الخصوصية وحجز على دخلها ووضعت هذه الأموال في صندوق دُعي بمال أسرة كولف ولما انتصرت بروسيا على فرنسا وتألف من البلدان المنتصرة إمبراطورية جامعة لخمس وعشرين مملكة وإمارة ومدينة حرَّة ولولاية الالزاس واللورين احتج أيضاً جورج الخامس على هذا الانضمام. وفي سنة 1878 توفي جروج الخامس فخلفهُ ابنهُ الوحيد ارنست أغوست المولود سنة 1845 ، فأعلن الملوك والحكام وفاة ولدهِ وجلوسهِ بعدهُ معيداً ومكرَّراً احتجاجه على كل ما أجري في ألمانيا منذ سنة 1866 وأنه يكتفي مع حفظ حقوقه بمملكة هانوفر بأن يدعي دوق دي كمبرلند وهو لقب جده في انكلترا قبل أن يكون ملكاً على هانوفر ودوق دي برنزويك ولونبرج. وفي السنة نفسها اقترن بثالثة بنات خريستان التاسع ملك الدنمرك فصار عديلاً لولي عهد انكلترا أدوار السابع وولي عهد روسيا اسكندر الثالث. ولما انقرض فرع أسرتهِ
المالك على برنزويك بوفاة غليوم بدون عقب سنة 1884 ، كان يجب أن يصير هو دوقاً على برنزويك التي هي إحدى ممالك وإمارات ألمانيا المتحدة ولكن الإمبراطور وكمجلس التحالف رفضاً إعطاءهُ هذه الدوقية ما لم يقبل بضم الهانوفر ويستعيد منشورات اعتراضه السابقة ، فرفض؛ وبقيت دوقية برنزويك تحت ولاية وصيٍّ إلى اليوم. وفي العام الماضي 1912 ، لما توفي فردريك الثامن ملك الدنمرك فجأةً في همبرغ وتعين ميعاد دفنه في 24 أيار في كوبنهاغ ، توجه ابنُ أختهِ وهو بكر الدوق أرنست المذكور في أتوموبيل مجتازاً ألمانيا ذاهباً إلى الدنمرك لحضور المأتم. فحدث اصطدامُ الأتوموبيل ، وسقط الأمير الشاب قتيلاً وهو في الثانية والثلاثين من عمره ونقلت
جثته إلى كوبنهاغ فاحتفل بدفنه مع خاله بوقتٍ واحد فكان لهذا الحادث المكدر تأثير سيءٌ في كل العالم لاسيما وأنه كان قد جرت مفاوضات سرية ليتنازل الدوق أرنست عن حقوقهِ لابنه هذا وهو يخضع لما جرى في ألمانيا فيصير دوقاً مالكاً على برنزويك. فسعى الأقارب والأمراء بين الإمبراطور وهذا الدوق التعس الحظّ حتى نجحت مساعيهم بواسطة الحب لأن الابن الوحيد للدوق ارنست ، واسمهُ كأبيه ، أرنست أغوست ، رأى ابنة الإمبراطور وعلق بحبها فتصالحت الأسرتان وخطبت الأميرة للأمير. وفي 24 أيار احتفل بزواجها في برلين في حفلةٍ شائقة سار فيها الإمبراطور مع الدوقة ثم الدوق مع الإمبراطورة ، ثم سائر الملوك والأمراء الألمان المتحالفين وأمراء من كل الأسر المالكة. وبلغت التحف والهدايا المقدمة إلى العروسين 12