الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خمسة جنيهات للرافعي
بيتان من الشعر أُعجب بهما الشيخ أحمد آل إبراهيم أحد سراة الهند ، فأحب أن يعرف شاعرهما ، فسأل عنهُ وديعاً البستاني سميرَه الأديب ، فخانتهُ الذاكرة ، فسأل صديقتهُ مجلة الزهور فلم توفّق أكثر منهُ ، فحوّلت السؤال بدورها إليَّ ، فكان حظي من الشاعر حظ من سُئل قبلي ، فطرحتُ بالسؤال على قرّائي في جزء سابق ، فلم تخب آمالي ، لأنّ بين قرَّائي نخبة الأدباء المتضلّعين ، وجاءَني الجواب الشافي من أبي السامي مصطفى صادق الرافعي وقد نشرته ص: 494 سنة 3 وضمنتُ له حينئذٍ جائزة من آل إبراهيم. فُحقّقت آمالي للمرة الثانية ، وكان حظي من قرّائي الأغنياء حظي من قرّائي الأدباء. فما لبث يريد مصر إن حمل إلى الهند ذلك الجواب حتى وافاني بريد الهند بكتابٍ تضمن الجائزة المؤمَّلة ، وهي حوالة بخمسةٍ من الذهب ، أدفعها للرافعي حين الطلب. . . بورك في آل إبراهيم الكرام ، وبورك في البستاني الصغير ، وبورك في الرافعي الأديب ، بركة شملتهم جميعاً ولم ينلني منها لا خيرٌ ولا أذى ، وإنما حسبي من أبي السامي الرضي. . .
حاصد
ثروة هائلة
تقولُ العربُ في أمثالهم أغنى من قارون. ولكن التاريخ لم ينبئنا عن مبلغ غنى الرجل ، لنقابل بين ثروتهِ وثروة ملوك المال في عصرنا هذا: توفي في الشهر الغابر المثري الأميركي الشهير ببير بونت مورغن عن ثروةٍ قلما اجتمعت لرجلٍ ، وقد قدَّرتها الدايلي تلغراف بمبلغ يتراوح بين العشرين مليوناً والمئة مليون جنيه ، وقالت أن السبب في هذا الاختلاف الكبير في التقدير كون مورغن يملك كثيراً
من التحف القديمة التي دفع بها أموالاً طائلة كالصورة التي اشتراها بمبلغ 100 ألف جنيه. فإذا أريد بيعها لم يشترها أحد بذلك المقدار. وقالت أيضاً أن ثروته الخصوصية دون ثروة المسترروكفلر والمستر كارنيجي بكثير ولكن قيمة الشركات والأعمال المالية التي كان يتولاها مورغان تفوق كل ماتولاه إنسان قبله. وقد قدرتها التيمس بمبلغ ألفي مليون جنيه وهو قدر يبلغ عشرة أضعاف الغرامة الهائلة التي دفعتها فرنسا إلى ألمانيا بعد حربها المشهورة. على أن كاتباً في الديلي تلغراف قدَّر تلك القيمة بمبلغ 1300 مليون جنيه وقال أن هذا القدر يزيد 200 مليون جنيه على الدخل السنوي لأمم الأرض الكبرى وعدتها 43أمة. وهو يزيد 400 مليون جنيه على جميع ما في الأرض من الذهب المسكوك نقوداً وغير المسكوك. ولو بدأ إنسان يعد هذا المال من ساعة ولادته على نسبة جنيه في الثانية وبقي يعد ويحسبّ الأيام كلها بلياليها من غير انقطاع لانتهى من العد وهو ابن 63سنة. على أن أعظم من هذا القدر هو قيمة الأعمال المالية التي كان مورغن يتولاها وللمستر روكفلر سهم كبير فيها. ففي السنة الماضية عين مجلس النواب الأميركي لجنة لتحقيق ما لهذه الشركة من التأثير في شؤون البلاد المالية والصناعية. وبعد تحقيق دام عدة أشهر وضعت اللجنة تقريراً قالت فيهَِ أن في أيدي الرجلين 36 بالمئة من ثروة أميركا المتداولة بين الأيدي ومصادرها الطبيعية وقدَّرت قيمة ما تمتلكه هذه الشركة بمبلغ 7950 مليون جنيه. منهُ نحو 3000 مليون قيمة أعمال صناعية. ونحو 3400 مليون قيمة سكك حديد. ونحو 800 مليون قيمة بنوك وغيرها من المعاهد المالية. و2 مليون قيمة مناجم من بترول وغيره. ونحو ذلك قيمة أعمال أخرى. ولبيان عظم هذا القدر تصوَّرْ أن رجلاً شرع يعدُّه على نسبة جنيه في الثانية من عهد موت كرومويل في انكلترا ومزاران في فرنسا لانتهى من عدّهِ في هذه السنة الجارية بفرض أنهُ عاش هذه المدة كلها وطولها نحو 250 سنة. ولو شرع في عدّه من الآن لانتهى سنة
2163.
ولما توفي مورغن أوقفت بورصة نيويورك الأعمال حداداً عليهِ خمس دقائق وهذه أول مرة أوقفت البورصة أعمالها هذه المدة الطويلة!! منذ نشأتها إكراماً لرجل من الناس. كان مورغن قليل الكلام كثير الكلف بالإيجاز. قابل إمبراطور ألمانيا فقال: قابلت الإمبراطور فأحببتهُ. أما الإمبراطور فقال فيهِ: لم أجد في حديثهِ دليلاً على أنهُ مدرك تمام الإدراك ما في العالم التجاري من أسباب الائتلاف والاختلاف. وقد أدهشني جهله لتقدم الأمم التاريخي والفلسفي. وليس في سياستهِ الاقتصادية أو اقتصاده السياسي محل للاهتمام بالاشتراكية التي ستصبح عن قريب أعظم المسائل حيثما كان. وقد اعترف بأنهُ لم يهتم بها إلى حد أن يعرف حقيقة ماهيتها تزوج مرتين. ففي الأولى قصد باريز سنة 1859 لرؤية خطيبته وكانت مريضة بل مسلولة فامتنعت عن الزواج طبعاً فأقنعها مورغن بأن تتزوجه وقال: أني أدور بك الأرض لتعود إليكِ صحتكِ. فاقترن بها سنة 1861 وانقطع عن الأعمال وتفرَّغ لعمل كل ما يُحسن صحتها. ولكن ذلك كله لم يجدِ نفعاً ، فتوفيت بعد زواجهما ببضعة أشهر. وعاد فأكب على أعماله كعادته ولم يتزوَّج ثانية إلاّ بعد مضي ثلاث سنوات على زواجه الأول. كان مورغن لا يضنّ بدفع الرواتب الهائلة عند الحاجة. وأكبر راتب دفعهُ هو أو غيره إلى مستخدم ، ما عدا رواتب الملوك ، هو مبلغ خمسين ألف جنيه للمستردوكنيس وكيل المالية المصرية سابقاً والسير كلتون دوكنس فيما بعد. فإنهُ لم يكد يستعفي من مصر ويعين عضواً مالياً في مجلس والي الهند حتى عرض عليهِ مورغن خدمة عنده بالراتب المذكور وضمن له الراتب. فقبل ولكن لم تطل مدة خدمته عنده لأنهُ مات بعد سنوات قليلة من فرط الجهد وتراكم العمل عليهِ.