الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مجدلية أخرى
لم تكن أوَّلَ من أساءَ إليها الرجلُ فإنَّ أمثالها كثيراتٌ ممن دفعهنَّ الجهلُ إلى ارتكاب ما ارتكبنهُ ، وإلقاء تحيَّة الوداع على الفضيلة والعفاف. أليست أزقّتنا مزدحمة بأقدام هؤلاء البائسات؟ أليست المدن الكبرى قائمة على أطلال بابل ، والرذيلة تمثّلُ أفظعَ أدوارها في زواياها المظلمة؟ أَليس السين والتاميز وارثَين لماء للتيبر الذي شربته رومية الفاجرة ، وماء الفرات الذي ارتوت بهِ نينوى الزانية؟ أليست شوارعنا مسارح لتمثيل تلك الأدوار التي تقشعرُّ لها الأبدان ، وتتململ لها العظام التي في القبور؟ أَهذهِ مدنيَّتك أيها العالم ، وهذهِ فضيلتك أيها الإنسان؟
مستبدٌّ أنت؟
إن كنت ملكاً فكن عادلاً؛ وإن كنت بشراً فكن عاطفاً؛ وإن كنت غنيّاً فأنفق ثروتك في غيرِ الزوايا المظلمة. لماذا تحفر هاويةً لسقوط المرأة؟ كفى ما أوصلتها إليهِ من البؤس والشقاء
تائهة في باريس!
في تلك المدينة العظيمة؛ في ذلك الأوقيانوس المتلاطم؛ وحيدة لأبيتَ لها فتأوي إليه ، ولا سقف تحته. للطيور أوكار ، وللبهائم زرائب. وأما هي فليس لها أين تسند رأٍسها.
الرواية القديمة! باعت نفسها لرجل سامها في عرضها. أعطتهُ قلباً
مملوءاً إخلاصاً. فنقدَها ثمنهُ خزياً وعاراً. فتحت لهُ صدراً رحيباً ، فحفر لها مهواةً أرحب. تركت العالم من أجله فترك لها كل مذلة وهوان.
رحماك! إلى أين تقذف بي أيها الإنسان؟
اصرخي ما شئت أيتها البائسة؛ أَغبتِ أَبويكِ فطرداكِ؛ أَغضبتِ العالم فنبذك؛ أَغضبتِ اللهَ فأدار وجههُ عنكِ.
اصرخي ما شئتِ. قولي لذلك الجالس على كرسي العدل ، الرابض على عرش الرحمة: الهي الهي لماذا تركتني؟ أَلستِ مرفوعةً على صليب الهوان ، وتحت قدميكِ هاوية الأبدية أللإقرار لها.
علمَ تلومين البشر؟ هلا بعتِ عفافكِ إلَاّ للوحوش الضارية؟ هلَاّ ساومتِ في عرضكِ إلَاّ على قوارع الطرق؟ ألم تعلمي أن الأزهار التي يفترسها لكِ الإنسان الوحش ، وأنتِ في ثوب العفاف ، تنقلب أشواكاً متى خلعتِ ذلك الثوب؟ هو ذا الأحلام التي كنتِ تعللين بها
نفسكِ قد انقلبت إلى خيالات مرعبة فهي تصوّر لكِ الآن ظلمات الأبدية وتمثّل لعينيكِ هاوية الشقاء أللإقرَار لها
الدير!. . . .
وهل تمادى بكِ الغرورُ حتى زعمتِ أن الدير مأوى الساقطات؟
هل توهّمتِ أن السقف الذي يظلل بنات الله الطاهرات يظلل أمثالكِ من الفتيات اللواتي لسنَ عذارى ولا أُمهات؟
أيكون الدير مأوًى لراحاب وهيروديار ومرغريت وفرناند؟
الدير؟. . .
هل يكون الدير ملجأً للواتي كسرنَ وصية الله القائل لا تزنِ؟
هل يكون الدير مأوًى لمن هجرنَ العفاف وأسأنَ إلى المجتمع العمراني وآثرنَ منعطفات الطرق على الهياكل والمعابد؟
هل الدير ملجأ لكل امرأةً يطاردها العالم لينزل بها العقاب على ما أتتهُ من الشرور والمآثم؟
أجل! إن لم يكن الدير ذلك فيجب أن يكون كذلك؛ يجب أن يكون أوَّل محطة على الطريق إلى السماء
تائهة في باريس!. . .
بيت أبيها موصدٌ في وجهها؛ وباب الدير موصد في وجهها؛ وباب السماء موصد في وجهها فإلى أين تأوي؟
هنيئاً لكِ يا خالعة ثوب العفاف. ألم تنتعمي بالسعادة التي كنتِ تحلمين بها؟ فماذا تطلبين بعد؟
مبيتاً؟. . .
هو ذا قوارع السبل!
هو ذا مهاوي الشقاء!
هو ذا القبر!
ووراء ذلك القبر وحشة الأبدية اللَاّنهاية لها ، وحجاب الظلمة يكتنف النفس فيزيد في عذابها ، كلّ لحظة قرون وأحقاب مملة.
رحماك اللهم! إن عرشك ليس عرشَ العدل فقط بل عرش الرحمة أيضاً. فانظر إليَّ من فوق عرشك هذا دون عرشك ذاك. واذكر إنك جبلت المرأة على الضعف ، وقذفت بها بين برائن الرجل المستبد.
رحماك اللهم! إنك تؤدَّب ولكنك أنزه من أن تنتقم. فقاصصْ ولكن أجمل مع القصاص متَّسعاً من الرحمة. عاقبو ولكن اجعل مع الشدة منفذاً. إنك ارحم من أن تبخل على شقية مثلي بنظرة شفقة وإحسان.
إلى أين اذهب يا الله؟ ألم تجعل للطيور أعشاشاً ، وللثعالب أوكاراً ، وللبهائم زرائب؟ فأين أسند رأسي في هذا الليل الحالك - في هذه المدينة المظلمة - في هذا الأوقيانوس المتلاطم؟ ألم تعفُ عن راحاب وتغفر للمجدلية؟ ألم تقل لتلك البائسة التي شكوها إليك: ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي بعد؟ ألم تقل أن الإعلاّء هم الذين يتاجون إلى طبيب؟
يا لك من عصرٍ شديد النحسِ
…
ضاعت بهِ الرحمة تحتَ الشمسِ
لم تلق مأوى فيهِ غيرَ الرمسِ
…
وغيرهُا ممتَّعٌ بالأنس
في عالم أحلامُهُ غرورٌ
سليم عبد الأحد