الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في رياض الشعر
بين شاعرين
في الشهر الماضي انتخب أهالي دير القمر حضرة الفاضل داود بك عمون مندوباً عنهم في مجلس إدارة جبل لبنان ، وقد برح مصر لهذا الغرض ، فاذكرتنا هذه المناسبة مراسلة شعرية كانت قد جرت بينه وبين صديقه حافظ بك إبراهيم في سنة 1902 ، وكان داود بك مصطافا في لبنان ، فرأينا أن ننشرها لقراء الزهور وهي من خير ما قاله شعراء العصر:
كتب حافظ إلى عمون:
شَجَتنا مطالعُ أقمارِها
…
فسالت نفوسٌ لتذكارِها
وبتنا نحنُّ لتلك القصورِ
…
وأهلِ القصور وزوَّارِها
قصورٌ كأنَّ بروجَ السماءِ
…
خدورُ الغواني بأدوارِها
ذكرنا حماها وبين الضلوعِ
…
قلوبٌ تَلَظّى على نارِها
فمرَّت بأرواحِنا هِزَّةٌ
…
هيَ الكهرباءُ بتيَّارِها
وأرضِ كستها كِرام الشهورِ
…
حرائرَ من نسج آذارِها
إذا نقّطتها أكفُّ الغمامِ
…
أرتكَ الدراري بأزهارِها
وإن طالعتها ذُكاءُ الصباحِ
…
أرتك اللّجينَ بأنهارِها
وإن دبَّ فيها نسيم الأصيلِ
…
أتاك النسيمُ بأخبارِها
وخلٍّ أقامَ بأرض الشامِ
…
فباتت تدلُّ على جارِها
وأضحت تتيهُ بربّ القريض
…
كتيهِ البوادي بأشعارِها
وللنيلُ أولى بذاك الدلالِ
…
ومصر أحقُّ ببشَّارِها
فشمّرْ وعجّل إليها المآبَ
…
وخلِّ الشامَ لأٌدارها
فكيف لعمري أطقتَ المقامَ
…
بأرضِ تضيق بأحرارِها
وأنتَ المشمّرُ إثرَ المظا
…
لمِ تسعى إلى محوِ آثارِها
ثأرتَ الليالي وأقعدتها
…
بمصقولِ عزمِك عن ثارِها
إذا ثُرتَ ماجت هضاب الشام
…
وباتت تَرامي بثوَّارِها
ألستَ فتاها ومختارَها
…
وشبلَ فتاها ومختارِها
إذا قلتَ أصغت ملوكُ الكلام
…
ومالت إليكَ بأبصارِها
أداودُ حسبك أن المعاليَ
…
تسبُ دارك في دارِها
وأنَّ ضمائرَ هذا الوجودِ
…
تبوحُ إليك بأسرارِها
وأنك إمَّا حللت الشامَ
…
رأيناك جذوةَ أفكارِها
وغن كنتَ في مصر نعم النصير
…
إذا ما أهابت بأنصارها
حافظ إبراهيم
فكتب إليهِ عمَّون:
أمِنْ ذكرِ سلمى وتذكارِها
…
نثرتَ الدموعَ على دارِها
وعفتَ القصورَ لأجلِ الطلولِ
…
تطالعُ طامس آثارها
وقفتُ بها ليلتي ناشداً
…
عساها تبوحث بأسرارِها
وللدارُ أنطقُ آياتها
…
من الروايات وأخبارِها
تعيدُ عليكَ ليالي الحمى
…
بأنجمها وبأقمارِها
سلالمٌ عليكَ زمانَ الشبابِ
…
ربيعَ الحياةِ بآذارها
لأنتَ مخفّفُ أحزانِها
…
وأنتَ مسوّعُ أكدارِها
ولولا الشبابُ وذكرى الشبابِ
…
لعاشَ الفتى عمرَه كارها
قطعنا الحياةَ بهِ حلوةً
…
وقد جاء إبَّانُ إمرارِها
أطوّفُ في الشرقِ علّي أرى
…
بلاداً تطيبُ لأحرارِها
فلم أرَ إلاّ أموراً تسوءُ
…
وتصدعُ أكبادَ نظَّارِها
فظلمٌ بتلك وذُلٌّ بهذي
…
وجهلٌ مُغشٍّ لأبصارِها
تعقُّ مراحمَ رُعيانها
…
وترعي الولاء لجزَّارِها
إذا شاَء قاسمُ رفعَ الحجابِ
…
تسمَّيهِ هاتِكَ أستارِها
فلا قولَ إلاّ لجهَّالها
…
ولا رأيَ إلاّ لأغرارِها
يدبُّ التراخي على تِرْبها
…
ويجري الخمولُ بأنهارِها
منالُ الترّقي بإرغامها
…
ومَرجى الفلاحِ بإخبارِها
أهذا الذي أورثتْ أهلَها
…
بلادُ العلومِ وأنوارِها
عدمتُ حياتي إذا لم أقِف
…
حياتي على نفعِ أقطارِها
أحافظُ هذا مجالُ العُلى
…
فشمّرْ سبقِ بمضمارِها
أشوقي أحافظُ طالَ السكوتُ
…
وتركُ الأمورِ لأقدارِها
فصوغا القوافيَ مصقولةً
…
وشِقّا الجلودَ ببتّارها
عساها تحرِّكُ أوطاننا
…
وتنشرُ ميّتَ أفكارِها
أقولُ وأعلمُ أني سأُرمي
…
بأني محرّكُ ثوَّارِها
وأني الدخيلُ وأني الغريبُ
…
وأني النصيرُ لقُهَّارِها
أحبُّ بلادي على رُغمها
…
وإنْ لم ينْلني سوى عارِها
ولست بأوّلِ ذي همّةٍ
…
تصدَّى الزمانُ لإنكارِها
داود عمون
الأنفة في الحب
من حيد الشعر وأطيبه القصيدة التي ننشرها هنا وقد رأيناها في بعض الجرائد على أشكال مختلفة: فالبعض أغفل اسم شاعرها جهلاً به ، والبعض اقتضب أبياتاً منها ، وغيره أبدل الأربلي أصلاً ومنشأ ، البحراني أني مولداً ، المتوفي في سنة 585 للهجرة وقد مدح بها بعض الأمراء فانتصرنا منها على النسيب لرقته ، قال:
رُبَّ دارٍ بالغضى طالَ بَلَاها
…
عكف الرَّكبُ عليها فبكاها
درسَتْ إلَاّ بَقايا أسطرٍ
…
سمح الدَّهرُ بها ثمَّ محاها
كان لي فيها زمانٌ وانقضى
…
فسقى اللهُ زماني وسقاها
وَقَفتْ فيها الغوَادي وقفةً
…
ألصقتْ حَرَّ حياها بثراها
وبَكتْ أطلالَها نائبةً
…
عن جفوني أحسنَ اللهُ جزَاها
قلْ لجيران مواثيقهُمُ
…
كلَّما أحكمنُها رثَّت قواها
كنتُ مشغوفاً بكم إذْ كنتمُ
…
شجَراً لا تبلغُ الطيرُ ذُراها
لا تبيتُ الليلَ إلاّ حَولها
…
حَرسٌ ترشحُ بالموتِ ظباها
وإذا مُدَّتُ إلى أغصانها
…
كفُّ جانٍ قُطعتْ دون جَناها
فتراخي الأمرُ حتى أصبحتْ
…
هَمَلاً يطمعُ فيها مَن يَراها
تُخصبُ الأرضُ فلا أطرقُها
…
رائداً إلَاّ إذا عَزَّ حِماها
لا يَراني اللهُ أرعى روضةً
…
سَهلةَ الأكنافِ مَن شاَء رعاها
وإذا ما طمعٌ أغرى بكم
…
عرَضَ اليأسُ لنفسي فثناها
فصباباتُ الهوىَ أوَّلُها
…
طمعُ النفسِ وهذا مُنتهاها
لا تظنُّوا لي إليكم رجعةٌ
…
كشفَ التجريب عن عيني عماها
إن زين الدين أولاني يداً
…
لم تدع لي رغبةً فيما سواها
ذكرى الشباب
تُمسي تذكّرنا الشبابَ وعهدَهُ
…
حسناءُ مرهَفةُ القَوام فنذكرُ
هيَفاءُ أسكَرَها الجمالُ وبعض ما
…
أوفى على قدرِ الكفايةِ يُسكرُ
تَثِبُ القلوبُ إلى الرؤوس إذا بدت
…
وتُطلُّ من حَدَقِ العيونِ وتنظُرُ
وتبيتُ تكفرُ بالنحور قلائدٌ
…
فإذا دنت من نحرها تستغفرُ
ويزيد في فمِها اللآلئُ قيمةً
…
حتى يسودَ كبيرَهنَّ الأصغرُ
إسماعيل صبري
سكر صبابة
أبتَ الصَّبابة مورداً
…
إلاّ شؤونك وهي شكري
يا ساقيَ الدمع الذي
…
من مقلتيهِ يسيلُ خمراً
لا غروَ أن بدت الصبا
…
بة وهي في عينيكَ سكري
خليل مطران
دمعة على الشباب
ضحكاتُ الشيبِ في الشَعَرِ
…
لم تدع في العيش من وطرِ
هنَّ رسلُ الموتِ سانحةٌ
…
قبلّهُ والموت في الأثرِ
يا بياضَ الشيبِ ما صنعت
…
يدُك العسراءُ في الطررِ
أنت ليلُ الحادثات وإن
…
كنتَ نورَ الصبح في النظرِ
ليت سوداَء الشبابِ مضتْ
…
بسوادِ القلبِ والبصرِ
فالصبى كلُّ الحياة ، فإن
…
مرَّ ، مرَّتْ غبطةُ العمرِ
مصطفى لطفي المنفلوطي