الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أفضل الوسائل
لإنهاض السلطنة
خطرِ لنا عند الفراغ من تأليفِ هذا الكتاب ، أن نستطلع آراء نخبة من أكابر العلماء وفحول الكتّاب ، عن أفضل وسيلة تنهضُ بالسلطنة بعد كبوتها ، وتزيدُ في يقظةِ الأمّة بعد غفوتها؛ فسألنا من أسعدنا الحظ بالوصول إليه ، قُبَيل صدورِ هذا المؤلف ، أن يصوغ لنا فكرتهُ الأساسية في أسطر قليلة فتكرَّموا بتلبية الطلب ، أدامهم الله زهراً نضيراً في بستان العلم والأدب. وإليك آراءَهم مرتبة حسب تواريه ورودها:
قال سعادة فتحي باشا زغلول:
أقرئك السلام وبعد فسؤلك همُّ ومطلبك أهمّ
الدولة العليّةُ ، رعاك الله ، مجموعٌ يحتاج في سياستهِ وإنهاضهِ إلى حكمةٍ عاليةٍ وبصرٍ بالأمور كبير. فإذا غلبَ الرأيُ الهوى ، وبطلَ التفاضلُ بين العناصر ، وأقيم وزن العدل ، وتساوى الناس جميعاً في الحقوق وفي الواجبات: وإذا خلصت نيَّات أهل الزعامة ، وصدقت عزائم ذوي الرئاسة ، ففضَّلوا مصالحَ الأمة على المنافع الفردية ، وجدَّ الكلُّ في طلب الإصلاح فنشروا التعليمَ ، وعنوا بالأمور الاقتصادية فاستبقوا لأنفسهم مرافقَ البلاد وكنوزها ، وذلَّلوا السبُلَ وأَمَّنوا السابلة ، وقرَّبوا المسافات ثم ازدرعوا واحترفوا واتجروا فأحرفوا؛ وإذا احكموا نزانَ الجندِ وهذَّبوه لا
شك أنَّ الدولةَ ناهضةٌ من سقطتها ، وأنّ الأمّةَ ناشطةٌ من عقالها ، وأنها نائلةٌ من الحضارة والمناعة مكانا عليّا.
وقال الدكتور فارس أفندي نمر:
حضرة الفاضل؛ إن كان المقصودُ من السلطنة في سؤالكم الحكومة والأُمَّةُ في حالتهما الحاضرة أي الدستورية فوسائط إِنهاضها متعدّدةٌ: منها ماديٌّ ومنها أدبي. ولكل واسطةٍ منها قوَّة لا يُستغني عنها وخصوصاً وسائط العلم والمال. على أنَّ في الحكومة وفي الأُمةِ رجالاً م ذوي العلم وذوي المال فلا يعوزهم إِدراكٌ ولا يسار؛ ولكن الذي ينقصُنا هو تربيةُ الحكومة على الأخلاق القويمة والصفاتِ المنظَّمة والمرقّيةِ لشؤون الهيئة الاجتماعية حتى نستطيع الاتحادَ والتعاونَ على تدبير أمورنا وإنجاح أعمالِنا ، ونحنُ جماعات ، كما يستطيع كثيرون منا اليوم تدبير أمورهم وإنجاح أعمالهم ، وهم أفراد.
وقال الدكتور شبلي شميل:
الدولة لا تنهض إِلَاّ بثلاثة: رجالٌ ومالٌ ووقتٌ؛ والرجالُ بالعلم والتربية ، والمال بالموارد. فهل ذلك متوفرو ولاسيما الوقتَ وحالنا في الاجتماعِ كما هي من قلَّةِ التكافؤ مع ما هو عليهِ اليوم من شدَّةِ التنازع؟ والجواب على ذلك يدل على المصير.
وقال السيد رشيد رضا:
الدولة كائن حي يحفظ وجودُها بالسنّة التي تُحفظ بها حياة سائر الأحياء: وهي سلامةُ مزاجها في نفسها ووقايتهُ مما يعدو عليهِ من الخارج فأمَّا سلامةُ مزاجِ دولتنا العثمانية في نفسها ووقايتهُ مما يعدو عليهِ من الخارج. فأمَّا سلامةُ مزاجِ دولتنا العثمانية في نفسهِ فإِنما يكون بإقامةِ الشرعِ العادل في القضيةِ ، والمساواةِ في الحقوق بين الرعية ، وبناءِ إِدارة المملكة على أساسِ اللمركزية ، وجعِ السلطة العليا شقَّ إلا بلمة بين العنصرَين اللَّذين يتكوَّن منهما الماء والهواء. وأما وقايتُها مما يعدو عليها من الخارج فهو الآن منوطٌ بدلوِ أوربةَ الكبرى فهنّ أصحابُ المطامع فيها ومطامعهُنَّ متعارضة. وما دامت كذلك كانت الدولة آمنةً على نفسها من اقتسامهنّ إياها بالقوَّة؛ فيجب أن نتقي استيلاءَهنَّ على البلادِ بقوّة المال والسياسةِ أي بالفتح السلمي ، وأن نقوّي مزاج الأُميّةِ بالمالِ والعلم وإعدادِها للدفاع عن نفسها. فإذا هي فرَّطت في مرافقها وأملاكها فباعتها للأُوربْيّينَ وبقيت على تبذيرها وتوهمّها إنها تستطيع أن تحمي نفسَها منهنَّ بقوَّتي الدول: البرية والبحرية الرسميتينِ ، ولم تجعل كلَّ أعمادِها على الأُمة ، فالخطرُ عليها من الفتح السلمي أقربُ وأقَوى من خطرِ الفتح الحربي.
وقال داود أفندي بركات:
رأيي في إصلاحِ السلطنة العثمانية أن تُقسَم مناطقَ ، وأن تكونَ كل منطقة مؤلفةً من العناصر المتفقة في التقاليد والعادات واللغةِ ،
فتُعطى الاستقلالَ الإداريَّ تبتُّ من أموره كلّ مالا يتناول منطقةً أخرى أو أكثرَ من منطقة. ويُعيّنَ لكل منطقة مندوبٌ سامٍ يعاونهُ مجلس إدارة يؤلف من النّيين في الأمور الماليَّة والإداريةِ والقضائيةِ والعسكرية ، ويؤخذ للمركز العام جزءٌ معينٌ من دخل كل منطقةٍ ، وتُلغى الضرائب العشرية ، وتقرَّر ضرائبُ ثابتة معينة على الأملاك ، وتوضع قوانين للشركات على اختلاف أنواعها ، ويوحّدَ القضاءُ فلا
يكون من اختصاص رجالِ الدين إلَاّ الأمورُ الشخصيّة. فتكون الدولة مؤلفة من ولايات متحدة أو مناطق متحدة.
ذلك رأيي في إنهاض السلطنة بسرعة.
وقال جرجي بك زيدان:
العلَّة الحقيقيةُ في حالة الدولة العثمانية اليوم فَقرُ المملكة واضطرابُ الحكومة. والحكومة الدستورية في أيدي الأمة والأمة العثمانية ضعيفة الأخلاق ، عريقةٌ في الانقسام بسبب ما توالى عليها من أعصرِ الفساد. أما المملكة ونعني الولاياتِ الباقيةَ منها في آسيا فليس فقرُها أصليّاً فيها؛ وكل ولاية منها كانت في بعض الأزمان مملكة قائمة بنفسها: فالعراقُ كانت وحدَها مملكة البابليّين والآشوريين وبها اعتزّ العباسيّون في إبَّان دولتهم وكانت جبايتها ثلثَ جباية مملكتهم الواسعة الممتدّة من حدود الهند إلى شواطئ الاتلاتنيكي. وسوريا كانت مؤلفةً من عدَّة دُول ثم
اعتزَّ بها السلوقيّون أجيالاً؛ وكذلك آسيا الصغرى وظلّت مدة هي أعظم اركان الدولة العثمانية. فهذه الولاياتُ إذا أُحسنت سياستُها وإدارتها صارت غنية. وهذا لا يتمُّ والأمة تقدَّم. فالوسيلة المثلى للنهوض بالدولةِ العثمانيةِ إنما هي ترقية الشعب وهو لا يقدرُ أن يرقّي نفسهُ رغم استعدادهِ الطبيعي للرقي. وقد يقوم بذلك حاكم عادل عاقل؟ إنما يشترط أن يكون مستبدّاً وهذا لا يتيسّر والحكومة دستورية. فلا بدَّ من الاستعانة بالأجانب. وأسلمُ الطرُق أن تتحالف الدولة العثمانية مع دولة تثِقُ بصداقتها فتستعين برجالها على إصلاح حكومتها وترقية شعبها وصيانتها من مطامع الدول الأخرى بشرط أن لا يكون لهذه الدولة مطمع في الاستعمار. فإذا وُفّفت إلى ذلك في أثناء أربعين سنة نهضت واسترجعت رونقها.
وقال سامي أفندي قصيري
لما كانت الدّولة العثمانيةُ فيما مضى دولةً استبداديةً قائمةً على حكومة الفرد كانت تقوى بقوّة ذلك الفرد ، وتضعف بضعفهِ ، وتسعدُ بسعدهِ ، وتشقى بشقائهِ. أما الآن وقد أُعلن فيها الحكمُ الدستوري مراعاةً لأحوال الزمان والمكان ، وتبدَّلت حكومة الفرد بحكومة الأمة ، فصلاحُ الحكومةِ قائمٌ بصلاح الأمَّة. ولا يكون ذلك في رأيي إلَاّ بنشرِ التعليم الحرّ بين طبقاتها ، والفصل بين دُنياها ودينها ، والتأليفِ بين عناصرِها وطوائفها حتى تُصبحَ
جميعها كتلةَ واحدةً يحرِّكُها من أعلاها إلى أسفلِها عاملٌ
واحدٌ هو عاملُ الوطنيةِ ، وتجمعُها من أقصاها إلى أدناها جامعةٌ واحدةً هي الجامعة العثمانية.
وقال اسكندر بك عمون
أصلَحُ نظامٍ للدولة ، على ما بين العناصرِ والولاياتِ العثمانيّة من التبايُن في الحاجاتِ والأخلاق والعاداتِ والتقاليدِ ، وعلى ما بينَ أهليها من التفاوُتِ في الحضارة ، أن تُجعَلَ ممالكَ أو ولاياتٍ مستقلّةً في جميع شؤونها الخاصةِ استقلالاً تامّاً حتى في قوانينها وفي شكل حكومتها مع ارتباطها جميعاً في الشؤونِ العموميّةِ على نحو نظامِ الولايات المتَّحدةِ الأميركانية ، أو الممالكِ الجرمانية ، فتُسمَّى حينئذٍ الولاياتِ أو الممالكَ العثمانيَّةَ المتحدة. ولهذا النظام مزيّةٌ على كل نظامٍ آخر وهي: أنهُ النظامُ الوحيدُ الذي يمكنهُ أن يجمع بين الولاياتِ والإِماراتِ العربيَّةِ في جزيرة العربِِ وسائر الولايات الأخرى الممتازة وغير الممتازة.
وقال أمين أفندي البستاني
سألتني رأييَ في الدولةِ ومصيرها: جازَ بالدولة في هذا العام عبرةٌ كبرى إذا لم تعتبر بها نالها ما هو شرٌّ منها. وللدولةِ الآن بقيَّةُ مُلْكِ هو أبعدُ مدى ، وامنعُ حمىً ، وأطيبُ بقعةً من جلِّ الممالك الأُوربيةِ. فهل لها أن تعدِلَ الباقي من هذا المُلْكِ وتمنَعهُ حادثات الدهر؟ الله أعلم
على أنَّ الدولةَ لا تجهلُ أشراطَ المُلْكِ على المالكِ وما هو مُبقٍ لهُ ، وما هو ذاهبٌ بهِ حتى لقد أصبحت الدلالةُ على وجوهِ الإِصلاحِ المنشودِ من مبتذَلاتِ الكلامِ ، وملوكاتِ الأفواه والأقلام. فهلْ للدولةِ أن تعملَ بما علَّمها الدهرُ على حين لم يبقَ لها من ناصرٍ إِلاّ ما تسعى إليهِ من ترميم هذا المُلكِ العزيز؟ وإِلاّ فقد قضى الله بما لا دافع له ولا مانعَ منهُ ، وحسبُكم الإِشارة يا ألبَّاء هذه الدولة. فاعدلوا بين ضروبِ الرعيَّةِ لأنَّ دولتَكم مستمدَّةٌ من جملتها لا من أبعاضِها ، وقدّموا الكفؤَ على غيره مهما كانت نبعتُهُ ومنبتُ أسلتهِ ، واستعملوا الأجنبيَّ في تدبيرِهِ ، واسلكوا القصدَ في عملكم من غير سرفٍ ولا تفريطِ ، وخذوا بالجديد الصالحِ ، واخلعوا القديمَ المبتذلَ ثم أعدّوا للمُلْكِ عدّتَهُ من رجالٍ ومال؛ والله الواقي في هذا الباقي.
وكتب إليَّ عالمٌ كبيرٌ لم يشأ أن يُنْشَر اسمهُ قال: إِن الأمر عويصٌ جدّاً لأن في السلطنة
فواعل كثيرة متناقضةً بعضها خفي ، ولقد سمعتُ مرَّة المرحوم نوبار باشا رئيس الوزارة المصرية الأسبق يقول: إِن لو رد دربي ألقى عليهِ سؤالاً مثل سؤالك وطلب منه أن يرتاءي رأياً ، أو يضعَ مشروعاً نافعاً للسلطنة العثمانية؛ قال نوبار: فأخذتُ القلم وكتبتُ أن يُنشأَ في السلطنة محكمةٌ مختلطةٌ مستقلَّةٌ تُرفعُ إليها الشكاوي من المأمورين فتحاكمهم وتنفّذَ الحكومة ما تحكم بهِ عليهم
فما أدقَّ هذا الانتقادَ ، وما أرقَّ هذا التهكُّم!. . .