الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الممرضة
وضع حضرة الدكتور سروبيان طبيب مستشفى لادي كرومر وملجأ الأطفال كتباً في علم الصحة وقدمها إلى نظارة المعارف العمومية لتعليمها في مدارسها ، وقد تناول فيها ما ينبغي على الطلبة معرفته في هذا الفن فكتبه بعبارة واضحة وزين الكتب بالصور والرسوم. فجاء عمله متمماً وافياً بالغرض منه. وقد نقلنا من أحد الفصول الكلمة التالي ، في وصف الممرضة. قال:
قد يُصابُ عزيزٌ لنا بمرض عُضال فيكون على المرأة وحدَها أن تمرَضهُ وتعتني بهِ. أوَ ليستَ الرشاقة والرقَّة والحنان من الصفات التي تغلب في النساءِ ويقتضيها فنُّ التمريض؟ غير أن هذه المزايا الجميلة لا تكفي وحدَها بل يجب أن تقترنَ بالخبرة والمعرفة ، وترافقها على الخصوص زلاقةٌ في العمل والحديث. ولئن كن العطفُ شرطاً في معاملة المرضى ، فإن اللطف من مستلزمات هذا الفنّ الدقيق.
لطفٌ في العمل ، وعذوبة في اللسان؛ كلاهما لا غنِى عنهُ:
أيتها الممّرضة ، ما للمريض غنِى عن عذوبتكِ. كلميهِ بوادعةٍ كما تكلّمين الطفل الصغير. وليكن ملءَ صوتك دِعةٌ ورزانةٌ ، وعلى شفتَيكِ شبهُ ابتسام. ما للمريض غنى عن لطفكِ ورفقكِ. لِتَمَسَّهُ يدكِ مسّاً لا تقسُ عليهِ قساوة. لَمْسٌ دون لَهوجةٍ ، ورشاقة دون تسرُّعٍ ، ولطفٌ دون برودةٍ!!
لا تغضبي ولا تنفري. قد تسمعين منهُ سوءاً ، وقد تُلَاقين فظاظةً؛ فلا تُسئِكِ إِساءتهُ ، ولا تَرُعكِ فِظاظتهُ؛ وقد ينفرُ منكِ ، ويتطلَّبُ بديلاً
عنكِ فلا تنفري منهُ ولا تقابليهِ بغير التسامح واللين. لا تثقل عليكِ شكواهُ وكثرةُ مشتهياتهِ ، فإن الممرّضة المخلصةَ تجدُ دائماً وسائلَ لتعزية المريض وتلطيف همومه. نفسُها الفاضلة توحي لها ، وقلبُها الشفوق يملي عليها. هي مرآة مريضها. يرى في وجهها صورة ما يحسُّ بهِ في نفسهِ ، ويُبَصر في عينيها سيماءَ ما في فؤاده. تشكو لشكواه وترضي لرضاه. فإِن حدَّثها عن نفسهِ أصغتْ إليه واعيةً أمرَهُ متهمَّةً لشؤونهِ؛ الهدوء في حركاتها ، والرَّزانة في سكناتها. وأمَّا الإِخلاص والحنان فملءُ عملها الشريف.
هذه هي الممرضة وتلك هي صفاتها الجميلة ومزاياها الغرَّاء!
ومن جملة واجبات الممرّضة أن توصدَ باب مريضها دون عائديهِ ، ولاسيَّما متى كان داؤهُ
عُضالاً ، وحالهُ خطرة. فيُستقبل العائدون في حجرة أُخرى. وحينئذٍ فإن السكينةَ لابدَّ منها لأن المريض لا يقوى على تحمُّلِ الجلبة. وإِذا أَعضل الداءُ وأَشفى المريض فمن المحتَّم على أهلهِ وممرّضيهِ أن يتحاشوا قدَّامهُ كلَّ علامات القلق والخوف فلا يقرأ على وجوههم نبأ انقطاع الرَّجاء ، ويرى في عيونهم نذيرَ الشرّ ودُنوّ الأجل. لأن المريض ، في تلك الحال ، كثيرُ الشكوك ، كثيرُ المخاوف؛ يحاول أن يسترقَ نظرة يفهم منها حقيقة أمرِه ، أو يختلسُ إِشارة يعلمُ بها ما يخفي عليهِ من حالهِ الصائر إليها.
إِنَّ أفضلَ ما يؤَاسي به مريضٌ على شفا الموت اعتقادٌ مستمرٌّ في نفسه بزوال الداءِ وقرب الشفاء.
وقال من جملة كلام عن العناية بالطفل:
أما في البيت فلا يُترك الطفل طول يومهِ في مهدهِ ، بل يُحمل من ينٍ على حينٍ على الذراع ويُتَمَشَّى به. ومتى بلغ الشهر السادس أو السابع من عمره يوضع كلَّ يومٍ ، مدَّة من الزمن ، على حصيرٍ أو سجَّادةٍ أو بساطٍ حيث يمكنهُ أن يلهوَ ويلعبَ. فتتقوَّى كُلَاه ، وتشتدُّ رجلاهُ ، وهو يحاول القعود وحده ، ثمَّ الانتقال من مكانه فيحبو ، ثمَّ يدبُّ مستنداً إلى يديه ورُكبتيه. ثم يحاول بعد مدةٍ أن ينهض منتصباً فيستعين بالكراسي أو بما يلاقيهِ قدَّامهُ ، فيتعلَّم بذلك الوقوف على قدميهِ. ثمَّ يأخذ بأن يباعد بين ركبتيه ، ويخطو خطواتهِ الأولى ممسكاً بالمقاعدِ؛ ومتى أَنِسَ من نفسهِ القوَّة الكافية يترك كلَّ مسند ويمشي وحده.