الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مدينة المصريون الأقدمين
تقتطف الصفحات التالية من كتاب في تاريخ مصر القديم والحديث لحضرة الكاتبة الفاضلة السيدة هند كريمة سعادة اسكندر عمون بك المحامي الشهير. وقد بحثت حضرتها بحثاً دقيقاً في مدينة مصر ، في أزمنتها الأولى ، فتكلمت عن الديانة والشرائع والعلوم والآداب والصنائع والكتابة كلاماً كثيراً الفائدة ولكننا اقتصرنا على نقل ما ورد فيهِ عن ديانة المصريين وشرائعهم. قالت: سبق قدماءُ المصريين شعوبَ العالم قاطبةً في مضمار التمدُّن والترقي ، وأدركوا من العلوم والمعارف والآداب ما لم تبلغ إليهِ أُمةٌ في تلك الأعصر الخوالي ، حتى أنه ليصحُّ أن تُعدَّ المدَنيةُ المصرية أمّاً لمدَنيات شعوبٍ كثيرة أخذت عنها واقتدت بها. وقد خلّف لنا المصريون من الآثار المجيدة ما ينطق بما كانوا عليهِ من التقدُّم الأدبي والمادي والصناعي؛ ولا يزال علماءُ العاديات يكتشفون في أيامنا هذهِ أدلةً على ازدهار المدَنية المصرية القديمة. وفي ما يلي شيءٌ مما كانت عليهِ حالةُ مصر الدينية والأدبية والمادية:
الديانة المصرية - كان قدماءُ المصريين من أشدّ الأمم تمسكاً بالدّين؛ يدلُّ على ذلك المعابد والهياكل الكثيرة التي لا يزالُ معظمها قائماً حتى يومنا. وأصلُ دينهم مجهول ، ولعلهم أتوا بهِ من آسيا عندما هاجروا منها إلى مصر. وكانوا في بداية أمرهم موحدين يؤمنون بإلهٍ واحدٍ أزليّ مبدع الأرض والسماء ، تعجز العقول عن إِدراك جوهرهِ. ثم أَخذوا
يعبدون ذلك الإلهِ في مظاهرهِ المتعدّدة؛ فرمزوا إلى كل صفة من صفاتهِ بتمثالٍ أو حيوانٍ أو نباتٍ أو غيرِ ذلك؛ فأدّى بهم هذا الشركِ والوثنية؛ وقسموا الآلهة إلى ثلاث طوائف: آلهة الموتى ، والآلهة الشمسية ، وآلهة العناصر. ومن أعظم آلهة الموتى أوزيريس إلهُ الخير ورمزُهُ النيل ، ووإيزيس إلاهة الخصب والحياة ورمزُها التربةُ السوداءُ ، وأنوبيس حافظ الموتى ورمزُهُ ابن آوى. ومن أعظم الآلهة الشمسية رع الإلهُ الأكبر ورمزهُ الشمس ، وتم إلاهة الغروب ورمزها العجل منيفس. أما آلهة العناصر فأعظمها نو إلهُ الماءِ ورمزُهُ المحيط ، وتيفون إلهُ الشر والفاقة ورمزُهُ الصحراءُ. وقد تختلف أسماءُ هذهِ الآلهة باختلاف الأعصر والأماكن التي عُبدت فيها. وكان قدماءُ المصريين يعتقدون أن آلهتهم تتزاوج ، وتتألم ، وتموت ، وترعى حقوق الجوار ، وتأكل وتشرب ، فكانوا يقرّبون لها القرابين والضحايا من الحيوان والحبوب والأثمار. وكانوا يعتقدون أيضاً أن مقام الإلهِ بالنسبة إلى
سائر الآلهة هو مقام البلد المعبود فيهِ بالنسبة إلى سائر البلدان؛ فعندما سيطرت طيبة مثلاً على وادي النيل ، جعلت إلهها أمون سيداً لجميع الآلهة. ولما دالت دولتها ، أصبح أمون في المرتبة الثانية بين الآلهة. . . ومن أشهر الرموز التي أُلّهت وعبدت ابن آوى رمز أنوبيس ، والعجل أبيس والجُعَل وكلاهما رمز فتاح وغيرها من الحيوانات كالقرد والهرّ والتمساح وفرس الماءِ والبازي والجعَل أي الجعران. وكانوا يعبدون العجل مدة 25 سنة فإذا لم يمت بعد هذهِ المدة أخذوهُ في مهرجان عظيم
وأغرقوه في النيل ، ثم أخرجوهُ وحنَّطوه ودفنوهُ في مدفن العجول بقرب سقارة ولبسوا عليهِ شعائر الحداد إلى أن ينتقوا لهم عجلاً آخر يعبدونهُ. وكانوا يحزنون حزناً شديداً عند هبوط منسوب النيل ويقدمون لهُ القرابين استرضاءَ. وفي إبّان فيضانهِ كانوا يطرحون فيهِ فتاة عذراءَ يسمونها عرس النيل وقد بقيت هذهِ العادة متّبعة حتى نسخها عمرو بن العاص لدّن فتح مصر. وعيد وفاءَ النيل من المواسم التي يحتفل بها حتى اليوم في البلاد. ولما دخل مصر اليونانيون ثم الرومانيون أخذ كل فريق عن الآخر بعض معبوداتهِ؛ وصار المصريون يؤمنون بوحي أبولّون ومينزفا وديانا وجوبيتر المشتري ومارس. ثم ظهرت النصرانية وانتشرت في العالم فاعتنقها فريق من المصريين. وظلت تنشر في البلاد حتى أصبحت دينها الرسمي ، واضمحلت الوثنية في مصر بنهي طيودوسيوس عنها. وفي سنة 641 فتح عمرو بن العاص مصر فدخلها معهُ الإسلام. وقد اعتقد قدماءُ المصريين بالخلود والثواب والعقاب. وكان الإِلهُ الديان أوزيريس ، وكانت مملكتهُ الجديدة حقول الفول إشارة إلى خصبها. وكان قومهُ هناك متمتعين بالسعادة التامة والملذات على اختلاف أنواعها ، يطوفون مع الإله الشمس في زورقهِ ولا ينالهم أذًى. ولم يكن ينمكن من الوصول إلى مملكة الأموات هذهِ إلَاّ من حنّطهُ وأقاموا له بعض الطقوس الدينية. فمن تمَّ لهُ ذلك بُعث من
قبرهِ وسافر إلى حقول الفول ، فإن كان عاقاً شجاعاً تغلب على ما يلاقيهِ من المصاعب ، وبلغ سالماً مملكة الأموات حيث يمثل بحضرة الديان أوزيريس وأعضاء مجلسهِ الاثنين والأربعين. فيسمع المجلس اعترافهُ ، ثم يزن الإِلهُ توت قلبهُ بميزان الحق ، فإن كان صالحاً أجازوا لهُ الإقامة معهم وإلا حكموا عليهِ بالنفي المؤَبد والتعذيب الأليم. وكان المائل بحضرة الديان ينفي عن نفسهِ أولاً ارتكاب المحرَّمات ، فيقول: لم أُعذّب الأرملة ، ولم أخدع أحداً ، ولم أكذب قط ، ولم أعبث بالحق
، ولم أعرف الخيانة ولا الكسل ولا التعجرف ، ولم أُدنس الأشياءَ المقدسة ، ولم أسعَ إلى ضرر العبد لدى مولاهُ ، ولم أُبكِ أحداً ، ولم افتك بأحد غدراً أو ظلماً ، ولم أحمل أحداً على ارتكاب اللبن من فم الرضيع ، ولم أشهد زوراً ، ولم أسرق خبز المعابد ، ولم أُحرز مالاً حراماً الخ ثم يعدّد بعد ذلك الحسنات التي أتاها فيقول: لقد عشت بالعدل ، وتغذيت بالحق ، ونشرتُ الأفراح في كل صوب ، وأطعمتُ الجياع ، وسقيتُ العطاش ، وكسوت العراة ، ومددتُ للغرقى يد النجاة
شرائع المصريين وآدابهم - من أمعن النظر في الذنوب والآثام التي تتنصل منها الموتى وفي الصالحات التي تدَّعيها يوم المعاد ، أدرك ما كان عليهِ المصريون من الأخلاق الراقية والمناقب الحميدة. وقد عثر الباحثون في الآثار المصرية على كتابات عن شرائع المصريين وآدابهم نقتطف منها ما يلي:
كان يُعاقَب بالقتل كلُّ من يحلف يميناً كاذبة أو يحنث بيمينهِ؛ ومن يرى رجلاً يعتدي عليهِ معتدٍ ولا يغيثهُ وهو قادرٌ على ذلك؛ فإن لم يقدر ولم يرفع أمر المعتدي إلى أولياء الأمر عوقب بالجلد ومنع عنهُ الطعام ثلاثة أيام. ويُعاقب بالقتل أيضاً كل من يرفع إلى قاضٍ وثيقةً كاذبة؛ ومن يقتل عمداً سواءٌ كان المقتول عبداً أو حرّاً؛ وكذلك من يقتل حيواناً مقدساً. وكان يعاقَب بقطع اللسان كل من نُفشي أسرار الحكومة للأعداء؛ ومن لم يكن لهُ عملٌ أو حرفة يحترفها لتحصيل رزقهِ؛ ومن شرائعهم أيضاً أن ناكر الدَّين يُصدَّق بيمينهِ إذا لم يكن عند المدَّعي سندٌ يؤيد دعواهُ؛ وإن للدائن حقّاً على ممتلكات المدين لا على شخصهِ ، فلا يجوز للدائن أن يسجن المدين أو يمسَّهُ بأذى لأنهُ تابع لوطنهِ يخدمهُ في الحرب والسلم. ولم يكن يجوز لأحدٍ أن يحترف حرفةً غير حرفة أبيهِ فكانوا بذلك يتوارثون الصنائع والحرف. وكانت المرآة المصرية حرة كنسائنا اليوم ، نصيبها من الإرث نصيب الرجل ، وقد أباح لها شرعهم أن تتصرف بإرثها بعد زواجها كيف شاءَت ، ولقبوها وهي مزوجة بسيدة البيت
هند عمون