الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبو العلاء المعري
ثِقةَ الدهورِ وحجَّةً الأزمانِ
…
خذْ من بيانِكَ ذمّةً لبياني
أُعيي القريضَ فإنْ بلغتُكَ خانني
…
قَلمي وعيَّ عن المقالِ لساني
وعت القياصرَ والملوكَ وراعني
…
ما فيك وحدَك من جلال الشانِ
لكَ في الملوك الخالدين على البلى
…
أسمى العروشِ وأُمنُ التيجانِ
تهوي الأسرَّةُ والمماليكُ تنقضي
…
وسريرُ ملككَ راسخُ الأركانِ
ملكٌ عليهِ من الخلود سرادقٌ
…
فخمٌ يهابُ جلَالهُ الملَوان
تهوي جبابرةُ الخطوبِ حيالهُ
…
صرعى منكّسةً على الأذفانِ
وترى الدهورَ إذا مررنَ بساحهِ
…
فوضى الخُطى يعثرنَ بالحَدثانِ
يدلفنَ من كبرٍ وفرط كهولةٍ
…
وشبابُ مجدكَ دائمُ الرَّيعانِ
تبني العقولُ وترفعُ الأيدي وما
…
يسطيعُ شأوَكَ رافعٌ أو بانَ
صدع الزلازلَ ما بنيتَ وهدَّها
…
ما للزلازلِ بالبروجِ يدان
أدركتَ أسرارَ الوجود وجُزتها
…
ترتادُ أسرارَ الوجودِ الثاني
تدنو فتبعدُ والمخاوف جمَّةٌ
…
والحجبُ شتَّى والحتوفُ دوانِ
تهتاج إن ومضت فإن هيَ أمسكتْ
…
زادتكَ أشجاناً على أشجانِ
صانعتَ شاردّها فقلنا عاشقٌ
…
طربٌ يصانعُ شاردَ الغزلانِ
وشكوتَ هاجرَها فقالوا كاشحٌ
…
ظلموكَ! تلكَ سجيةُ الولهانِ
جهلوا مرادَك ، والعقولُ مراتب
…
والناسُ بالألباب والأذهانِ
أكبرت رزَء العقلِ حينَ رأيتهُ
…
رهنَ العمى وغضبت للإنسانِ
تجري الأُمورُ وليس يعلمُ كنهها
…
وهو المراد بهذهِ الأكوانِ
ويقالُ أعمى في الحياةِ وبعدَها
…
والدينُ والدنيا لهُ عينانِ
كلٌّ له ذكرى وكلٌّ عبرةٌ
…
تجلو اليقينَ وصادقَ الإيمانِ
فلئن حجبت عن الغيوبِ فإنها
…
لله ذي الجبروتِ والسّلطانِ
أعلى لكَ الغرُفاتِ يومَ لقيتَهُ
…
وحباك ما تبغي من الرضوانِ
فرأيتَ منزلَهُ العظيمَ وأجرهُ
…
وحمدت عُقبى العلم والعرفانِ
شغفت بكَ الدنيا تُريدك دامقاً
…
وشغفت بالإِعراض والهجرانِ
تجلو زخارفها فتُغمضُ دونها
…
عينَ الحكيم وتنثني بأمانِ
فتنت محاسنها العقولَ ولم تزل
…
في حيرةٍ من عقلكَ الفتانِ
صارمتها وكشفتَ عن سوآنها
…
ليُفيقَ مختبلٌ ويقصرُ عانِ
وصددت عن صلفِ الملوكِ وكبرهم
…
متعالياً عن ذِلّةٍ وهوانِ
أغناكَ عن آلائهم وهباتهم
…
أنَفُ الشريفِ وعفّةُ المتغاني
ورضيتَ بينكَ هازئاً بقصورهم
…
وجليلِ ما رفعوا من البُنيانِ
بيتٌ أناف على الكواكب رفعةً
…
فدنا يمسّحُ ركنَهُ القمرانِ
لم يحكهِ كيوانُ في عليائهِ!
…
بيتُ الحكيمِ أجلُّ من كيوانِ
لو رُدَّ كسرى أو تأخرَ عصرُهُ
…
فأذنتَ ، حجَّ إليكَ بالإيوانِ
لو كنتما منّي بحيثُ أراكما
…
لَلثمتُ تربَكما إذاً فشفاني
فحمدتما في الظالمين ضراعتي
…
ورفعتما في الخالدينَ مكاني
خيرُ المناسك حلَّ حيث حللتما
…
للناسكين وأنتما الحرَمانِ
أوتيتَ من أخلاقِ ربِّكَ رحمةً
…
لم يُؤتها بشر وفرطَ حنانِ
أشفقتَ من وطءِ التراب على الأُلى
…
غالَ الترابُ وكلُّ حيٍ فانِ
يمشي الفتى يختالُ فوقَ رفاتهم
…
جذلانَ فعلَ الشاربِ النشوانِ
الجوُّ أرواحٌ تفيضُ وأنفسٌ
…
والأرضُ من رمُمٍ ومن أكفانِ
عفتَ الأذى ونهيتَ عن مكروههِ
…
وأمرتَ بالمعروفِ والإحسانِ
ورحمتَ حتى الوحشَ في فلواتها
…
وحميتَ حتى الطيرَ في الأوكانِ
ورثيتَ للشاكين من بلوائهم
…
فحملتَ ما حملوا من الأحزانِ
ومسحتَ دمعَ النائحاتِ معزياً
…
فكففنَ عن نوحٍ وعن إرنان
ونسينَ من هولِ الفجائع ما مضى
…
وسلَونَ بعد تعذّر السلوان
شرعٌ بعثتَ بهِ ودينٌ لم تقمْ
…
فيهِ لغير الواحدِ الدّياّنِ
بوركتَ في دينِ المسيح وأحمدٍ
…
ومُدحتَ في الأنجيل والقرآن
الشرقُ معتزٌ بفضلكَ معجَبٌ
…
والغربُ مغتبطُ بذكرك هاني
بإملاء بحكتكَ المسامعَ والنُهى
…
واحكْم فما شيءٌ سوى الإذعانِ
ما زلتَ من قبلِ المماتِ وبعدهِ
…
شيخَ النُهى وحكيم كلّ زمانِ
الأرضُ حافلةٌ كعهدِكَ بالأذى
…
والناسُ فوضى والحياةُ أماني
أحمد محرم