الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتشعّب واللؤلؤء والمختلف النضار الساكب أو المتبسّط والجمان المصوغ أو المُتناثر. فإذا التمس العقلْ مزيداً وتعمَّق إلى مضطَرَب الذُّرَيراتِ فما حَيرتهُ ودهشتهُ لدى كل قطرةٍ ، وفي القطرة جُزيئاتٌ لا تُعّدُّ: هذه تبسمُ وردية ، وتلك ترقص لازوردية؛ إِحداها تحجلُ محمرّة ، وأختها تزحف مخضرَّة؛ بعضها ينظرْ باللجَين شزراً ، وبعضها يُضمرُ النار ويصفو مفترّاً
أيها البحر الشائقُ الجميلً!
تُجاهك لا يحسن إلَاّ التعجُّبُ والسكوت؛ وأنَّ مع السرور برؤيتك لأسفاً دويّاً من أنك أنت أيضاً حيٌّ وأنت أيضاً ستموت.
خليل مطران
أين أقام في مصر
العلماء الذين صحبوا نابليون بونابرت
كان مسيو جورج لجران قد قدَّم إلى المجمع العلمي المصري في شهر مارس سنة 1913 درساً عن منزل في القاهرة عاش فيهٍِ فريقٌ من العلماءِ الذين رافقوا بونابرت إلى مصرو وهذا المنزل لا يزال محفوظاً إلى اليوم وهو قرب ميدان الناصرية في شارع الكومي عند آخر حارة حسن كاشف الواقعة بين مدرسة الناصرية ومكتب البوستة. وكان في سنة 1798 إبان الحملة الفرنسوية مُلكاً لإبراهيم السناري الأسود ، وهو اليوم ملك الأوقاف. وقد تمنى مسيو لجران على المجمع العلمي المصري أن يتخذ الطرق اللازمة لحفظ هذا الأثر من الدمار. فاجبيت أمنيتهُ وعينت لجنة حفظ الآثار العربية مبلغاً من المال للشروع
في ترميم المنزل. وفي آخر أغسطس الماضي اجتمع في المنزل نفسهِ فريقٌ من الجالية الفرنسية يتقدمهم مسيو فوشه وكيل فرنسة ومسيو كرترون قنصلها في مصر فألقى عليهم مسيو ليجران خطاباً تلخصهُ في ما يأتي: هذا المنزلُ القديم الآن كان حديث البناءِ عندما فتح القائد بونابرت مصر سنة 1798. فإن البنائين والرسَّامين كانوا قد أتموا تشييده ونقشهُ منذ مدة يسيرة. وهذه المِطفرة الناشفة الآن كانت تُلطّف الهواءَ؛ والطنافس لثمينة تفرش هذا الرخام الأبيض ، والمقاعد ول هذه القاعة تنتظر سيّد المنزل ، وهو إبراهيم السنَّاري الأسود وكيل مراد بك الشهير الذي كان ينازع إبراهيم بك الكبير سيادة مصر في ذلك العهد. وكان إبراهيم السناري الأسود كما يدلُّ اسمهُ قاتم اللون أمَيل إلى السواد منهُ إلى السمرة. ويؤخذ من تاريخ الجبرتي أنهُ ولد في دنقلع حوالي سنة 1770؛ فهجر بلاده وهو يافع ، ونزل النيل حتى بلغ القاهرة. فلم يجد فيها سبيلاً لكسب معاشه ، فتابع السير حتى المنصورة حيث اضطر أن يكون بواباً في أحد المنازل. على أن إبراهيم كان على جانبٍ من الذكاء فتعلم القراءة والكتابة ثمَّ التركية والحساب. وانصرف من ثمَّ إلى الفنون السحرية ، فأصبح أشهر من قال البخت أو أعدَّ الطلاسم والتعاويذ. ونال حظوةً في عيني المعلوك الشابوري ، فاستصحبهُ إلى الصعيد ، حيث توصل إبراهيم إلى التقرُّب من مراد بك. فكان ذلك بداية افترار ثغر الدهر لهُ. ولم يلبث
أن أصبح صديق سيده وموضع ثقتهِ ، فغمرهُ هذا بالهدايا والنعم. ولمَّا نزل مراد في الجيزة في السراي التي قامت محلها اليوم إصلاحية
الأحداث على طريق الأهرام عُيّنَ السناري وكيلاً له في القاهرة. فكان إبراهيم يفلوض امراء المماليك باسم مولاه ، وصار منذ ذلك العهد مسموع الكلمة بعيد النفوذ. وكان له في القاهرة أبنية عديدة عندما صحّت عزيمتهُ على بناء هذا المنزل الذي نحن فيهِ ، ولم يدّخر وسيلةً في توفير أسباب الهناء والرخاء في منزله الجديد ، ويمكننا أن نتثبَّت ذلك بالعيان ممَّا بقي أمامنا من الآثار ، وإن كان قد ذهب معظمها ولعبت بهِ يدُ الدهر التي لا تُبقي ولا تَذّر. ولو قدرت هذا الجدران على الكلام لإفادتنا أنهُ عند انتشار خبر وصول الفرنسيين إلى القطر بقيادة الجنرال بونابرت واستيلائهم على الاسكندرية ، ترك مراد بك مزاحِمَهُ إبراهيم بك يحشد رجاله بالقرب من بولاق ، وجمع هو جموعهُ وزحف لمقابلة الفاتح وفي 14 يوليو 1798 تقابل الفريقان في شبراخيت ، فولى المماليك الأدبار. وبعد ثمانية أيام نازلهم بونابرت في أنبابة حيث توجد الآن المحطة الحالية. وفي مساء ذلك اليوم نام بونابرت في سراي مراد بك عدّوهِ المغلوب. أما مراد بك ففرَّ إلى الصعيد؛ ولحق إبراهيم السناري بسيدهٍ ولم يفارقهُ مدة الثلاث سنوات التي ظلّ يناوش الفرنسيين أثناءَها. وهكذا ترك السناريّ المنزل الذي نحن فيهِ. وعهد بونابرت بعد انتصاره هذا إلى الجنة في أن تختار منزلاً له
ولأركان حربهِ. فوقع اختيارها على منزل محمد بك الألفي وكان قد تمَّ بناؤه منذ ثلاثة أسابيع فقط ، وكان هذا المنزل قائماً شمالي ميدان الأزبكية بين فندق شبرد والنادي الفرنسي الحاليين. ولا صحة لما يُروي عن أن في القاهرة اليوم منازل عديدة قد سكن فيها بونابرت. ولكن المرجح أن القائد الفرنسي ذهب إلى الديوان الأكبر الذي لا يزال منهُ بعض حجر في شارع الرّويعي وشارع البواكي فوق محل سبيرو؛ وقد زار بونابرت أيضاً منزل الشيخ السادات والشيخ البكري ، ولكني لم أجد قط ما يدلّ على أنهُ اتخذ لسكنه محلاً غير منزل ألفي بك. أمَّا الحاشية العسكرية والملكية فقد اتخذت لسكناها سرايات البكوات والمماليك حول الأزبكية ، وقد درست آثارها كلها. وكان مع الحملة العسكرية بعثة علمية مؤلفة من 135 عضواً ولم يكن بدٌّ من إيجاد منازل لهم وللمجمع العلميّ المصريّ الذي ألَّفوه. فوقَّع بونابرت أمراً صريحاً بهذا المعنى يقضي بإسكانهم بقرب المعسكر العام بالأزبكية. ولا ندري ما الذي حال دون تنفيذ ذلك الأمر. على أن المقرّر أن مونج وبرتوله وكافارلي قصدوا إلى السيدة زينب؛ واحتلوا منازل عديدة كان قد تركها المماليك أنصار
مراد بك. وكان أجمل هذه البنايات منزل حسن بك الكاشف الذي قامت على أنقاضهِ مدرسة الناصرية الحالية. وكان تجاه هذا المنزل قصرٌ فخم لقاسم بك حيث يوجد الآن مكتب البريد الجديد ، ومن الجهة الثانية للشارع كانت حديقة متسعة الأطراف وإلى جانبها سراي لعلي بك وقد
محا معوَل الهادمين كل هذه الآثار ، ولم يبقَ إلَاّ منزل إبراهيم السناري الذي نحن فيهِ الآن. هذه هي المنازل التي سكنها أعضاءُ لجنة العلوم والفنون التي رافقت الحملة الفرنسية. فاتخذ قصر حسن بك الكاشف مقرّاً للمجمع العلمي ، وحوّلت حديقة قاسم بك معرض للتاريخ الطبيعي ، فجمع فيها العالم جوفري سانتهيلير عدداً كبيراً من الحيوانات ، واستنبت البذور التي قد استحضرها من فرنسة. وكان هناك أيضاً مكتبة عمومية يرتادها من يشاء ، ومعامل كيماوية كان يُجري فيها العالم برتوله تجاربهُ ويلقي دروسه ، فأمّها الكثيرون من الوطنيين وأخذوا يدرسون مدنية الغرب. وأقام كونته إلى جانب المعامل ورشاً أخرجت للمستعمرة الجديدة كل ما تحتاجهُ من آلات وأدواتٍ ومعدّات. وكان قصر قاسم بك من نصيب المغني فيلّوتو الذي درس أصول الموسيقى العربية على أربابها ، وألّف فيها وصنّف. وسكن سائر علماء الحملة من فلكيين ومهندسين ومستشرقين وغيرهم حول تلك البقعة. أما منزل السناري هذا فوضع تحت تصرُّف المصوّر رغو لأن هذه القاعة الفسيحة كانت في غاية الموافقة. وكان بونابرت قد عهد إلى ذلك المصوّر في تصوير أعيان البلاد ووجهائها. وفي هذا المكان رسمت صور الشيخ السادات والشيخ البكري وغيرهما من أعيان الديوان الكبير والديوان الصغير. وكان نابوليون وهو منفيٌّ في جزيرة القديسة هيلانة
يذكر الرسوم البديعة التي زين بها المصوّر ريغو سراياه في الأزبكيةز وحدث لريغو في هذا المنزل حوادثه متنوّعة فكان السذَّج ينظرون إليهِ كأنهُ ساحرٌ ويشيعون أن أعضاء بشرية معلقة إلى حائط القاعة التي يسكنها مشيرين بذلك إلى الصور العديدة التي كانت عنده. واتفق يوماً أنهُ أراد تصوير أحد النوبيين القادمين إلى مصر ، فرضي النوبي بذلك ولما جلس المصوّر أمامهُ ، ومزج الألوان ، وأخذ يرسم على القماش تقاطيع الرجل وهيئته ، قام هذا مذعوراً وخرج مستجيراً من شرّ إبليس. وكان جماعة العلماء يعيشون في راحةٍ وصفاء منصرفين إلى أبحاثهم ودروسهم ، إلى أن حدثت فتنة القاهرة في أواخر أكتوبر سنة 1798 ، فوجدوا أنفسهم منفصلين عن المعسكر العام. وكان عندهم شيءٌ من
السلاح للدفاع ، على أنهم كانوا قليلي الخبرة في استعماله؛ ففكّروا هنيهة في أن يتركوا مقرَّهم ويلجأُوا إلى الأزبكية ، ولكنهم خافوا على المكتبة والمجموعات العلمية من أن تذهب فريسة الثائرين ، فأثروا البقاء حيث كانوا وإِن عرّضوا حياتهم للخطر ، وتحصنّوا في المنازل وأقاموا الخفراء عند مدخل شارع حسن كاشف وقرب سبيل السيدة زينب ، إلى أن تمكّن الجنرال لأنّ من نجدتهم وإعادة المياه إلى مجاريها. وبعد سكون الفتنة رجع العلماءُ إلى أعمالهم حتى يناير سنة 1800 فسافروا إلى الاسكندرية على نية الرجوع إلى فرنسة بموجب اتفاقية العريش. فحال دون ذلك نقض الاتفاقية. ثم حدثت موقعة المطرية ،
وثورة القاهرة الكبرى وعودة إبراهيم بك إلى لعاصمة فاضطراه إلى مغادرتها لمعاودة القتال. وهكذا رجع العماءُ ثانيةً إلى المنازل المتقدّم ذكرها ، ولكنَّ إقامتهم هذه المرة كانت أشبه شيءٍ بالمنفى. وجاءَ الطاعون فزاد موقف الفرنسيين حرجاً. ولما غُلبَ القائد مينو وتقهقر إلى الاسكندرية ، أصدر القائد بليار نائبة في القاهرة الأمر إلى العلماء بأن يوافوه إلى القلعة حيث يكونون بمأمنٍ من الطوارئ. فرفضوا بتاتاً لأنهم كانوا يشعرون بأنهم بين أصدقائهم الوطنيين في حرز حريز. ولم يذكر العلماءُ قطّ أنهم وجدوا بين المصريين رجلاً واحداً أساء إليهم أو لم يحسن معاملتهم. وظلوا كذلك إلى أن جلت الحملة الفرنسية نهائياً عن الديار المصرية. أما إبراهيم السناري فإنه عاد منزله هذا ، ولكنهُ لم يذُق فيهِ الراحة طويلاً ، لأن القائد العثماني لم يدّخر وسعاً في إِبادة سلطة المماليك وتوطيد سلطة الباب العالي في مصر ، وقد روى لنا الجبرتي مقتل السناري في الإسكندرية. ولكان هذا الرجل اليوم نسياً منسيّاً لولا أن فريقاً من العلماء احتلوا منزله ، وهم الذين عرّفوا مصر القديمة إلى العالم ، وذلك لخير العلم والإِنسانيةز
سئُل أعرابيٌّ: هل لك في الزواج؟
فقال: لو استطعتُ لطلقتُ نفسي