الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في رياض الشعر
البستاني الشاعر والبستاني الوزير
بين الأستاذ عبد الله أفندي البستاني العالم اللغوي الشهير وسليمان أفندي البستاني ناظر. التجارة والزراعة صلة وداد متينة عدا ما بينهما من صلات القرابة والأدب. فلما ألقيت إلي البستاني الوزير مقاليد الوزارة ، كتب إليه البستاني الشاعر بالقصيدة العصماء التي نحن ناشروها هنا. ثم دارت بينهما ، على أثر ذلك ، مراسلة نتوقع الفوز بها لننشرها في الزهور. أما الأستاذ عبد الله فأشهر من أن نعرفه إلى القراء وهو أستاذ معظم أدباء سوريا ، وزعيم العلماء اللغويين فيها ، وكبير الشعراء المجيدين في ربوعها. ولقد تلطف حضرته فوعد الزهور بأن ينشر فيها سلسلة مقالات لغوية انتقادية تكون تكملة لتلك المباحث اللغوية الشائقة التي كان ينشرها المرحوم اليازجي في الضياء. ولعلنا أن نبدأ بها منذ الجزء القادم.
كتب إليه أوّلاً بالتاريخ الآني:
لي مع سليمانَ قلب لا يُزايلُهُ
…
خوفَ الرقيبِ ففيهِ كلُّ أسراري
إن نابَني بعدَهُ شوقٌ يؤرّخُهُ
…
فإِنَّني مستعيرٌ قلب خطّارِ
1913
ثمَّ كَتبَ إليهِ:
تَرَحّلْ إلى مولاكَ يا قلبُ عَجلانا
…
وأبقِ لصدري بعدَ بُعْدِكَ نيرانا
كأنّكَ في دارِ الشقاءِ معذّبٌ
…
تحنُّ إلى دار السعادةِ وَلْهانا
فها أنتَ ذا يا قلبُ تهجرُ أضلُعاً
…
عليكَ انحنتْ لا تبتغي منك هُجرانا
وأنتَ الذي أدمنتَ إيقاظَ أعيُني
…
وأسأمتَ نجمَ الليل تخفقُ يقظانا
فكم سكِرتْ بالدمعِ إّ كنتَ خافقاً
…
ولكن بصَهباءِ الهوى كنت سَكراناً
ولولاك ما اسودَّت لياليَّ إنما
…
سيُسفِرْنَ بيضاً ، أن قفوتُكَ ، غُرَّانا
أتشكو عذاباً في الضلوعِ وأنتَ قد
…
جعلتَ بحرّ النار صدريّ حَرَّانا
جرى الدمعُ غازيّاً عليها زادَها
…
سعيراً ولمَّا هجتَ خلتُكَ بركانا
وساءكَ أن تنتابَها سِنةث الكَرى
…
وسرَّكَ أن أرعى السوافرَ سَهرانا
عهدتكَ ذا رفقٍ بها صائناً لَها
…
فلاتكُ في عهدٍ لمولاكَ صوَّانا
ألم يكُ إنساناً لها ابتهجت بهِ
…
ولم تكُ تهوى غيرَهُ قَطُّ إنساناً
أتتركه قَرْحَي ومولاك ناظِرٌ
…
يعزُّ عليهِ أن تُقَرَّحَ أجفانا
كمِ التمستْ منك الهُجُوعَ لأن ترى
…
دموعاً بنحرِ الطيفِ تُعْقدُ مَرجانا
فمِمَّنْ تعلّمتَ الجفاَء ولم تكُنْ
…
ترى غيرَ مولاك الأنيسَ إلى الآنا
تُنفّذ أمرَ الدهرِ فيَّ وما عنا
…
أبيٌّ لذي حيفٍ لهُ أنقاد مِذعانا
أما أنت تدري أنَّ مولاك مَوثلي
…
إذا بان للعينيِ أو عنهما بانا
وقامَ بنصري منذُ عهدِ صبائهِ
…
وما خانَ عهدي قَطَ بل غيرُهُ خانا
ولستُ أرَى غيرَ ابن عمّي أخي ولا
…
أرى أبداً أبناء آدمَ إخوانا
فما أكثرَ الإِخوانَ في مَذهب الهوى
…
وليسوا إذا نالوا هوى النفسِ خُلاّنا
ومَن عجمَ الأخلاقَ لم يكُ سائِلي
…
على مَنْحِ قلبي لابن عمّيَ برهانا
ولم يُلهِهِ عَنّي نعيمٌ غَنَا لَهُ
…
وصَعْبُ شقاءِي إن فكرتُ بهِ هانا
وهانَ عليهِ أن أحلّ بأرضهِ
…
كما حلَّ إسرائيلُ في أرض كنعانا
فموسى من المنّانِ قد نالَ منّه
…
ولقياهُ مَنٌّ ما بهِ كان منّانا
فيا قلبُ سرْ واسكنْ إليهِ فأنتَ ما
…
فُطرتَ لترضى غَيره فيك سكّانا
بحرمةِ أشواقي إليه توقَّ أن
…
يرى فيك ناراً لوَّعتنيّ أزمانا
فدّعها بصدري خوفَ لذعِ أناملٍ
…
على الطرس قد خطَّت بياناً وتبيانا
وإلَاّ فكن كالبدرِ بالشمسِ مزهراً
…
وما فيهِ نارٌ بل بأنوارها ازدانا
أحبُّ إليهِ أن براها كما رأى
…
بحوريبَ موسى النارَ مرتفعاً شانا
وإِياكَ ذِكرى لوعتي بفراقهِ
…
مَخَافة أن تلقاه يلتاعُ أحزانا
وناسمْهُ عني بالسلام يظنَّهُ
…
إذا اشتمَّ ريّاه تجسّم ريحانا
قيا قلبُ لم يقنَعُ برؤيةِ طيفهِ
…
فقد شاقك الجثمان تخفق لهفانا
فكن بارحاً مثواكَ مرتحلا إلى
…
فروقَ وطب واشهد لمولاك جثمانا
وفي كلِّ نادٍ بالجلالِ مؤرَّخٍ
…
تجَلّدْ ولا تخفق بنادي سليمانا
1913
عبد الله البستاني
المشيب
يا شَيبُ عَجَّلتَ على لِمّتي
…
ظُلماً فيا ابنَ النُّورِ ما أظلَمَكْ
بدّلتَ بالكافورِ مسكي وَما
…
أضواهُ في عيني وما اعتَمَكْ
مَنْ يقبلُ الفاضحَ في سَاتِرٍ
…
فهاتِ ليلايَ وخُذْ مريَمكْ
غرَّكَ أنّ الشَّيبَ عند الورى
…
يُكرَمُ ، هل في الغيد من أكرَمَكْ
نَفّرْتَ عني غانياتِ الطلي
…
ويحك قد أسقيتَني عَلْقَمَكْ
دعونَني الشيخَ وكنتْ الفتى
…
أخَّرني الدَّهرُ الذي قدَّمكْ
ونالَ من حولي ومن قوّتي
…
جَورُ زمانٍ فيَّ قج حكَّمَكْ
سرعانَ ما أذبلتَ من صبوتي
…
بناركَ البيضا فما أضرَمَكْ
وشدَّ ما لاقَتْ عيوني فلو
…
ينطقُ لي جفنٌ إذّنْ كلَّمَكْ
ورُبَّ لمياَء منيعِ اللّمى
…
تقولُ ما أسقيهِ إلاّ فمَكْ
تخاطِبُ البدرَ على تَمّهِ
…
جلَّ الذي من غرَّني جسّمَكْ
كنتُ مع العفّةِ أحيا بها
…
وهل بلا ماءٍ يَعيشُ السَمَكْ
فرَّنْ كمثلٍ الخشفِ مذعورةً
…
لما رأت في مفرِقي مِخْذَمَكْ
وصارتِ النظرةُ لي حسرَةً
…
تقولُ للطرفِ أفضْ عَندَمكْ
وما كفى يا شَيبُ حتى لقدْ
…
فَضحتَ أسرارَ مِنِ اسْتكتمَكْ
أيُّ خضابِ لم يكن ناصلاً
…
عنكَ ولو بالليل قد عمَّمكْ
فليتَ أيامَ شبابي التي
…
أرقَتها غّدْراً أراقتْ دَمَكْ
وأنتَ يا ظَبي النقا ما الذي
…
أغراكَ بالهجرِ ومَنْ عَلَّمَكْ
ما لبياضِ الرأس حكمٌ هنا
…
لكن سوادُ الحظِ قد ألزّمكْ
لو لم يُغِرْ هذا على لونِ ذا
…
لم تجفُ ذا الشيخَ وما استخصمَكْ
ما خلتُ أن ترضي بنقصِ الوفا
…
واللهُ بالحسن لقد تمَّمَكْ
يا ربِّ ما طالَ زمانُ الصبّى
…
كأنهُ طيفٌ سرى وانْهمَكْ
وهكذا الأيّامُ تطوى بنا
…
سُبحانَك اللهمّ ما أعظمَكْ
رضيتُ يا ربي بما ترتضي
…
فلا تخيّبْ مُذْنباً يمَّمَكْ
وأنتَ يا شيبيَ خُذْ بي إلى التق
…
وى عسى الرحمنُ أن يرَحَمكْ
عبد الحميد الرافعي
هل أنت في مصر
إذا كنتَ في مصرٍ ولم تكُ ساكناً
…
على نيِلِها الجاري فما أنتَ في مصرِ
وإن كنتَ في مصرٍ بشاطئِ نيلها
…
وما لكَ من شيءٍ فما أنتَ في مصرِ
وإن كنتَ ذا شيءٍ ولم تك صاحباً
…
لإِلفٍ له لطفٌ فما أنتَ مصرِ
وإن كنتَ ذا إلفٍ ولم تكُ مالكاً
…
لكيسٍ حوي ألفاً فما أنتَ في مصرِ
وإن حزتَ ما قُلنا ولم تكُ هائماً
…
بمَيلٍ لمن تهوى فما أنتَ في مصرِ
في قينة تُنشد
يا مَن بكى الرَّبعَ أفنى في معَاهِدِهِ
…
شبابَهُ وبَكى الأيَّام والسَّكنَا
تعالَ أُسْمِعكَ شَدْواً يستعيدُ بهِ
…
فؤَادُك الرَّبعَ والأحبابَ والزمنا
خليل مطران
أنتِ والدَّهرُ
أسيدتي. لا الدَّهرُ يُسعِفُ مطلبي
…
ولا أنتِ إنّي حِرْتُ بينكما جدّاً
إذا رُمتُ شيئاً جِئتماني بِضِدِّهِ
…
لقد صِرْتِ لي ضِدّاً وقد صارلي ضدَّا
سألتُكِ ودّاً فاسْتطبتِ لي الجفا
…
وأمَّلْتُ قرباً فارتضى الدَّهرُ لي البعدا
تشابهتما جَورْاً وغدراً وقوَّةً
…
فصيّرتهِ ندّاً ولم تقبلي ندَّا
فلا تحرماني لذّةً من تألّمٍ
…
ولا تسلباني الوجدَ لن أسلوَ الوجدا
خذا جسدي والروحَ فاقتسماهما
…
ولكن دعا لي وحدَه ذلك الكبدا
حفظتُ بهِ عهداً وأخشى ضياعَهُ
…
وغني لأُبقي الكبد كي أُبقيَ العهدا
ولي الدين يكن
يا آسيَ الحيّ
يا آسيَ الحيّ هلْ فَتّشتَ في كبدِي
…
وهلْ تبيّنتَ داءً في زواياها
أوَّاهُ من حُرُقٍ أودتْ بعظَمِها
…
ولم تَزَلْ تتمشّى في بقاياها
يا شوقُ رِفقً بأضلاعٍ عصفتَ بها
…
فالقلبُ يخفُقُ ذُعراً في حناياها
إسماعيل صبري