الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصحافة
الصحافة صناعة الصحف. والصحف جمع صحيفة وهي قرطاس مكتوب. والصحافيون القوم ينتسبون إليها ويشتغلون فيها. والمراد الآن بالصحف أوراق مطبوعة تنشر الأنباء والعلوم على اختلاف مواضيعها بين الناس في أوقات معينة. فإنَّ فيها من تواريخ الأُول وأخبار الدول وفكاهات الروايات وغرائب الاكتشافات وأسعار التجارة وفنون الصناعة وضروب الانتقاد وشؤون الاقتصاد وأخلاق الغرباءِ وعادات البعداء ما يغني عن التوجه إلى بلادهم ومخالطة شعوبهم والوقوف على أحوالهم. ولذلك عوَّل الفضلاء على إِنشاء الصحف ، بحيث أصبح سكان أقاصي المشرق يصل إليهم خبر أقاصي المغرب بأقرب حين ، بعد إن كانت الأنباء تتجاوز الأيام العديدة للوصول من مكان إلى مكان آخر مجاور لهُ. فتأتي مختلفاً فيها لا يكاد الباحث عنها يعلم الحقيقة. وأوَّل من استعمل لفظة الصحافة بمعناها الحالي كان الشيخ نجيب الحداد منشئ جريدة لسان العرب في الإسكندرية وحفيد الشيخ ناصيف اليازجي. وإليهِ يرجع الفضل في اختيارها ، فقلّده سائر الصحافيين من بعده. وكانت تسمى الصحف في أول عهدها الوقائع ومنها جريدة الوقائع المصرية كما دعاها بهِ رفاعة بك الطهطاوي. وسمُيت أيضاً غزتة نسبة إلى قطعة من النقود بهذا الاِسم كانت تباع الصحيفة بها فعُرّفت كذلك. وقيل أيضاً أنَّ أول صحيفة ظهرت في
البندقية سنة 1566 كانت تسمى غزتة فشملت هذه التسمية كل صحيفة بلا استثناء. ولما نشأت الصحافة العربية أُطلقت عليها لفظة غزتة لأنَّ هذه الصناعة كانت حديثة العهد عند الناطقين بالضاد ولا أثر لها لدى كتابهم الأقدمين. ولما أنشأ خليل الخوري سنة 1858 حديقة الأخبار في بيروت أطلق عليها لفظة جرنال وهي كلمة فرنسية معناها يومي أي المنسوب إلى اليوم للدلالة على الصحف اليومية بينا كانت جريدتهُ أسبوعية وإِليك ما كتبهُ أديب إسحاق في نبذة لهُ عنوانها مباحث في الجرائد قال: ولا مناسبة بين الجرنال وبين الجريدة إلَاّ أن يقال أنهُ أُطلق أولاً على الصحائف اليومية من قبيل تسمية الشيء بما هو عليهِ ثمَّ عممهُ الاصطلاح فعرِفت بهِ الجرائد يومية كانت أو غير يومية ثمَّ رأى الكونت رُشَيد الدحداح اللبناني صاحب جريدة برجيس باريس الباريسية سدَّ هذه الثلمة فاختار لفظة صحيفة وجرى مجراه أكثر أرباب الصحف في ذاك العهد وبعده. فما كان من أحمد فارس الشدياق اللبناني صاحب الجوائب في القسطنطينية ومناظر الكونت رشَيد الدحداح في
بعض المسائل اللغوية إلَاّ أنهُ عقد العزيمة على استعمال لفظة جريدة وهي الصحف المكتوبة كما ورد في معجمات اللغة. ومن ذاك الوقت شاع اسم الجريدة لدى جميع الصحافيين بمعناها العصري ومنهم من استعمل غير ذلك من المسميَّات كالقس صابونجي السرياني صاحب النحلة الذي اتخذ لفظة نشرة بمعنى جريدة أو
مجلة. وهكذا صنع المرسلون الأميركيون أصحاب النشرة الشهرية والنشرة الأسبوعية99 في بيروت وغيرهم. ومن تلك المسميَّات أيضاً الورقة الخبرية أو الرسالة الخبرية وقد استعملتها جريدة المبشر مع أكثر الصحف الدورية في بلاد الجزائر المغربية التابعة لحكومة فرنسا ومنها أوراق الحوادث وهو الاسم الذي أطلقهُ للدلالة على صحف الأخبار نجيب صوايا منشئ مجلة كوكب العلم في القسطنطينية. وكان الصحفيون لا يفرّقون أولاً بين الجريدة وبين المجلة في الاستعمال. ومن المعلوم أن الإفرنج أطلقوا اسم المجلة على الصحف الدورية التي تصدر على شكل الكراسة. فلما تولى الشيخ إبراهيم اليازجي إدارة مجلة الطبيب البيروتية سنة 1884 بالاشتراك مع الدكتورين بشارة زلزل وخليل بك سعادة أشار باستعمال لفظة مجلة وهي صحيفة علمية أو دينية أو أدبية أو انتقادية أو تاريخية أو ما شاكل تصدر تباعاً في أوقات معينة. فأثبتها بمعناها العصري وتابعته في هذا الاصطلاح جميع المجلات التي صدرت بعدها والتي كانت قبلها. ثم شاعت في جميع الأقطار العربية شيوعاً أجهز على المعنى الأصلي حتى صار مهجوراً بالمرَّة. فلا يتبادر الآن إلى ذهن المطالع لدى عثوره على لفظة مجلة إلَاّ الصحيفة الدورية دون سواها ولا يطلق أحد من كتاب العصر هذه التسمية على صحيفة فيها الحكمة إلَاّ إذا كانت تصدر تباعاً في آونةٍ معينة. ومع ذلك إذا طالعت المعاجم العصرية لا ترى فيها للفظة المذكورة معناها الحالي الشائع بل القديم
المهجور. هكذا توفق العرب المولدون إلى وضع أسماء لمسميَّات الصحافة الحديثة. وهو مطلب غير بعيد على أهل هذه اللغة طلبوه بأسبابه ودخلوه من أبوابه. وتختلف مواضيع الصحف باختلاف غايات أصحابها ونزعاتها ومشاربهم فتارة تكون دينية وطوراً سياسية وحيناً أدبية. وقس عليها العلمية والفنية والانتقادية والروائية والهزلية والتهذيبية والإخبارية والعمرانية والقضائية والأخلاقية والتاريخية وغيرها. ولكل من هذه التقاسيم الكبرى فروع بل فروع يطول بنا شرحها لكثرتها فنضرب عنها صفحاً. وقد
أصاب الدكتور شبلي شميل فيما كتبهُ بهذا المعنى قال: الصحف أنواع بقدر المواضيع التي تتناولها معارف البشر. وربما قصروها على فرع من علم بل على مبحث من فرع استيفاءً للبحث. وساعدهم على ذلك كثرة خاصتهم وحب عامتهم لرفع شأن العلم. . . بحيث لم تنقصهم في سبيلها النفقات التي هي لحياة الصحف كالغذاء لحياة الأبدان. فتكاثر عددها عندهم جدّاً حتى صارت فوائد العلم بها قريبة المنال عامة العرفان في كل مكانز إذ ليس للعلم وطن يؤثره على وطن ولما كانت الصحف تصدر في آجال معلومة فقد سماها الإفرنج الصحف الدورية أو الصحف الموقوتة أعني لأنها تنشر شهرية أو أسبوعية أو يومية. بل منها أيضاً ما يصدر مرَّتين في الشهر أو الأسبوع أو اليوم أو غير ذلك من المواعيد.
فيليب دي طرازي