الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن مريم حكما مقسطا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد (1)» أخرجه البخاري (2)، ومسلم (3)، ونكتفي بهذا القدر الوجيز في بيان ما ينبغي إيضاحه لغير المسلمين، وفيه الكفاية إن شاء الله. والله أعلم.
(1) صحيح البخاري البيوع (2222)، صحيح مسلم الإيمان (155)، سنن الترمذي الفتن (2233)، سنن أبو داود الملاحم (4324)، سنن ابن ماجه الفتن (4078)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 272).
(2)
صحيح البخاري بشرح الباري ج1 ص190.
(3)
مسلم بشرح النووي ج1 ص135.
المبحث الثالث: الأخلاق التي ينبغي أن يكون عليها المسلم في دعوته
عرفنا أن كل مسلم ينبغي له أن يحب الخير للناس، بل ويحب لهم أن يبعدهم الله عن النار ويدخلهم الجنة، وهذا ما ينبغي أن يستشعره كل مسلم، ولذا فالمسلم يحب أن يدخل الناس كلهم في دين الإسلام حتى ينقذهم الله من النار ويزحزحهم عنها. فيدعوهم إلى الإسلام، ولكن يجب أن يتحلى بالأخلاق الفاضلة والصدق والأمانة والعدل ولين الجانب، وأن تكون دعوته على بصيرة ورفق بالمدعوين. جاعلا نصب عينيه قوله تبارك وتعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ} (1)، قال ابن كثير رحمه الله يقول الله تعالى: لرسوله إلى الثقلين الإنس والجن آمرا له أن يخبر الناس أن هذه سبيله أي طريقته ومسلكه، وهي
(1) سورة يوسف الآية 108
الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
يدعو إلى الله على بصيرة ويقين وبرهان عقلي وشرعي، وقوله تعالى:{وَسُبْحَانَ اللَّهِ} (1) أي أنزه الله وأجله وأعظمه وأقدسه عن أن يكون له شريك ونظير (2).
فالدعوة إلى الله واجب شرعي على هذه الأمة وحق للبشرية عليها، وعلى الداعية أن يكون حكيما حليما ملما بأحوال المدعوين، فالجاهل له معاملة في الدعوة، والعالم له معاملة في الدعوة، والمعاند له معاملة. فيعامل كل واحد بما يليق به؛ نبراسه وسراجه وقدوته قول الله تبارك وتعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (3).
هذا وتنقسم أحوال المدعوين إلى ثلاثة أقسام. كما يلي:
الأول: إذا كان المدعو جاهلا ولو بين له الحق لأخذ به؛ فهذا يدعى بالحكمة واللين واللطف والرأفة.
الثاني: إذا بين له الحق لم يسرع في قبوله والعمل به، بل يكون عنده كسل وفتور، فهذا يحتاج مع البيان إلى الموعظة الحسنة بأن يخوف من عقاب الله، ويبين له ثواب المطيعين وعقاب العاصين.
الثالث: من إذا بين له الحق لم يقبله ويحاول رده بالشبهات،
(1) سورة يوسف الآية 108
(2)
تفسير ابن كثير ج2 ص534.
(3)
سورة النحل الآية 125
فهذا يجادل بالتي هي أحسن لكشف شبهته وبيان خطئه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لأن الجدال مظنة الإغضاب، فإذا كان بالتي هي أحسن حصلت منفعته بغاية الإمكان كدفع الصائل. انتهى.
وقد ذكر الشيخ صالح بن فوزان الفوزان جملة من شروط صفات الداعية ومنها: على الداعية أن يكون عالما بما يدعو إليه. يعلم الحلال والحرام، ويميز بين السنة والبدعة، والتوحيد والشرك، والطاعة والمعصية، حتى يعامل المدعوين بحسب ما عندهم من الخلل؛ فهو يحتاج إلى العلم الذي يستطيع به إقناع المعارض وإفحام المناظر، ودحض الشبه، وهذه البصيرة الواردة في قوله تعالى:{عَلَى بَصِيرَةٍ} (1) وهي المجادلة بالتي هي أحسن، وأن يكون مخلصا في دعوته لا يريد رياء ولا سمعة ولا إظهارا لنفسه، وإنما يريد إظهار دين الله ونفع المدعوين. وأن يتحلى بالصبر والحلم؛ لأنه قد يتعرض لمشاق، والله أخبر عن لقمان الحكيم في وصيته لابنه:{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (2).
وأن يوقن أن العاقبة الحميدة للحق ولو تأخرت، ولا يقنط من تأخر حصول النتائج ولو على الأقل إقامة الحجة، وبراءة الذمة كما ذكر الله سبحانه وتعالى عن الذين أنكروا على أصحاب السبت فعلتهم الشنيعة، وقال لهم من قال:{لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (3)
(1) سورة يوسف الآية 108
(2)
سورة لقمان الآية 17
(3)
سورة الأعراف الآية 164