الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال القرطبي: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} (1) أي: يجهلون الحق. وقيل: يجهلون أنه لا يجوز اقتراح الآيات بعد أن رأوا آية واحدة (2) لفرط جهلهم وعنادهم طلبوا أن تنزل الملائكة، ويكلمهم الموتى، ويأتي بالأمم قبلا، ويأتي بالله، أو يرون الله. . . وهذه الطلبات تدل على جهلهم بالله وبآيات الله، وبشرع الله، وبمهمة رسل الله. . .، وتدل على أنهم لن يؤمنوا بدليل هذه الشروط وهذا التمحل، ولذلك قال الله تعالى:{مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (3) لأنه سبحانه وتعالى يعلم طبيعتهم الملتوية، وعقولهم الفاسدة، وجهلهم المطبق. .
(1) سورة الأنعام الآية 111
(2)
تفسير القرطبي ج 7 ص 67.
(3)
سورة الأنعام الآية 111
المبحث الخامس: ما فعله إخوة يوسف دليل على جهلهم
.
قال تعالى: {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} (1).
قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرا عن يوسف عليه السلام: أنه لما ذكر له إخوته ما أصابهم من الجهد والضيق وقلة الطعام وعموم الجدب، وتذكر أباه وما هو فيه من الحزن لفقد ولديه، مع ما هو فيه
(1) سورة يوسف الآية 89
من الملك والتصرف والسعة، فعند ذلك أخذته رقة ورأفة ورحمة وشفقة على أبيه وإخوته، وبدره البكاء، فتعرف إليهم، يقال: أنه رفع التاج عن جبهته، وكان فيها شامة، وقال:{هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} (1) أي: إنما حملكم على هذا الجهل، بمقدار هذا الذي ارتكبتموه، كما قال بعض السلف: كل من عصى الله فهو جاهل، وقرأ:{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} (2) إلى قوله: {إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (3)
والظاهر - والله أعلم - أن يوسف عليه السلام إنما تعرف إليهم بنفسه، بإذن الله له في ذلك، كما أنه إنما أخفى منهم نفسه في المرتين الأوليين بأمر الله تعالى له في ذلك، والله أعلم، ولكن لما ضاق الحال واشتد الأمر، فرج الله تعالى من ذلك الضيق، كما قال تعالى:{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (4){إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (5) فعند ذلك قالوا: {أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ} (6) ثم اعترفوا له بالفضل والأثرة عليهم في الخلق والخلق، والسعة والملك، والتصرف والنبوة أيضا. . . وأقروا له بأنهم أساءوا إليه واخطأوا في حقه (7).
كم يكون حياؤهم وخجلهم من يوسف عندما ذكرهم ما فعلوه به وأخيه، لكن الجهل وتحكيم الهوى، وطاعة النفس الأمارة بالسوء وإتباع خطوات الشيطان؛ تجر الإنسان إلى أعظم من ذلك،
(1) سورة يوسف الآية 89
(2)
سورة النحل الآية 119
(3)
سورة النحل الآية 119
(4)
سورة الشرح الآية 5
(5)
سورة الشرح الآية 6
(6)
سورة يوسف الآية 90
(7)
تفسير ابن كثير ج 4 ص 332.