الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمين في أعيادهم ومشاركتهم فيها، محرمة لما في ذلك من الإعانة لهم على الإثم والعدوان، وقد قال تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (1). ولأن مشاركتهم فيها تقتضي إقرارهم على هذه الديانة، والرضا بما هم عليه من الكفر.
وقال رحمه الله: وقد اختلف العلماء فيما إذا أهدى إليك أحد من غير المسلمين هدية بمناسبة أعيادهم هل يجوز لك قبولها أم لا؟ فمن العلماء من قال: لا يجوز؛ لأن ذلك عنوان الرضا بأعيادهم، ومنهم من قال: لا بأس بها، قال: وعلى كل حال، إذا لم يكن في ذلك محذور شرعي، وهو أن يعتقد المهدي إليك أنك راض بما هم عليه فإنه لا بأس بالقبول وإلا فعدم القبول أولى (2).
قلت: والذي يظهر لي أن تهنئتهم بأفراحهم التي لا مساس لها بالدين جائزة، كالزواج، وقدوم الغائب، ونحوها. وأما تهنئتهم بأعيادهم فلا تجوز، والله أعلم.
(1) سورة المائدة الآية 2
(2)
فتاوى ورسائل ج 3 ص32، 33.
المبحث الخامس: حكم صلة الكفار والإحسان إليهم
العدل والإحسان مطلوب ومظهر من مظاهر الإسلام ومبدأ من مبادئه السمحة، ولذلك كان على المسلم أن يعامل غير المسلمين بالعدل والإحسان والصلة للكافر إن كان جارا أو قريبا ولين
الجانب فيما لا يمنعه الشرع، مما لا يجوز كبدء السلام وتزويجه المسلمة ونحو ذلك، فهذا جائز سواء كان الكافر بعيدا أم قريبا.
قال سماحة المفتي ابن باز رحمه الله: على المسلم أن يعامل غير المسلمين من أهل الذمة وغيرهم بالعدل والإحسان، لأن الله سبحانه وتعالى قال:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (1).
قلت: ويؤيده ما في صحيح البخاري رحمه الله: «أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: أتتني أمي راغبة، وفي رواية قدمت إلى أمي وهي مشركة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فسألت: النبي صلى الله عليه وسلم أصلها. قال: نعم (2)» قال ابن عيينة فأنزل الله {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ} (3)
قال ابن حجر رحمه الله: والمعنى راغبة في صلتي قال: واسمها، قيلة بنت العزى بن سعد بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، وكان أبو بكر قد طلقها وهي أم أسماء وعبد الله بن أبي بكر، وقدمت بهدايا زبيب وسمن وقرظ، فأبت أسماء أن تقبل هديتها أو تدخل بيتها حتى استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لها
(1) سورة الممتحنة الآية 8
(2)
صحيح البخاري الهبة وفضلها والتحريض عليها (2620)، صحيح مسلم الزكاة (1003)، سنن أبو داود الزكاة (1668)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 355).
(3)
سورة الممتحنة الآية 8
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرها بصلتها، حيث قال لها صلى الله عليه وسلم: صلي أمك: قال: وقال: الخطابي فيه أن الرحم الكافرة توصل بالمال ونحوه، كما توصل المسلمة قال: ويستنبط منه وجوب نفقة الأب الكافر، والأم الكافرة، وإن كان الولد مسلما. انتهى (1).
قلت: وفي صحيح البخاري رحمه الله: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. أرسل حلة إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم (2).
كما أن اللجنة الدائمة للإفتاء قالت ما نصه: " يجوز أن نطعم الكافر المعاهد، والأسير من لحوم الأضاحي، ويجوز إعطاؤه منها لفقره أو قرابته، أو جواره أو تأليف قلبه للآية الكريمة ولقصة أسماء رضي الله عنها وقد أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصل أمها بالمال وهي مشركة. والله أعلم "(3).
قال ابن باز رحمه الله: إذا كان لك جار من غير المسلمين فإنك تحسن إليه ولا تؤذه في جواره وتتصدق عليه إن كان فقيرا وتهدي إليه إن كان غنيا، وتنصح له فيما ينفعه، لأن هذا مما يسبب رغبته في الإسلام ودخوله فيه، ولأن الجار له حق عظيم؛ لقول النبي
(1) فتح الباري ج5 ص233.
(2)
فتح الباري ج10 ص 414.
(3)
فتاوى اللجنة الدائمة ج1 ص98.
صلى الله عليه وسلم «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه (1)» متفق عليه (2)، ولعموم قوله تعالى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ} (3) انتهى (4).
قلت: ويؤخذ مما تقدم أن على المسلم أن يكون مثاليا في خلقه وتعامله، ملتزما بأحكام الشريعة الإسلامية السمحة، داعيا إلى الله بقوله وفعله وتعامله، ليس بالفظ ولا الغليظ ولا المنفر عن دين الإسلام فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق (5)» ، ومن ذلك صلة الرحم والإحسان إليها، وصلة الأقارب والجيران من المسلمين وغيرهم بالمال رجاء استمالة غير المسلمين وترغيبهم في الإسلام لعل الله أن ينقذهم من الكفر.
يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله: إذا وجدت شخصا غير مسلم في الطريق فلا حرج أن تبره لأن الله تبارك وتعالى يقول: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (6)(7).
قلت: فأنت ترى بأن الإسلام يحثنا على مكارم الأخلاق
(1) صحيح البخاري الأدب (6015)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2625)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 85).
(2)
أخرجه البخاري انظر: فتح الباري ج ص441، ومسلم بشرح النووي ج 8 ص 424.
(3)
سورة الممتحنة الآية 8
(4)
مجموع فتاوى ومقالات ج 4 ص267.
(5)
أخرجه الإمام مالك في الموطأ من رواية أبي هريرة ج 3 ص 97.
(6)
سورة الممتحنة الآية 8
(7)
سورة الممتحنة، الآية 8. وانظر: فتاوى ورسائل ج3 ص 44.