الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منافع العبد وغيرها من الأموال فتضمن بمجرد الفوات - أي التعطيل
ج -
رأي الشافعية والحنابلة
وأما الشافعية والحنابلة فيمكن تخريج أقوالهم في المسألة على مسألة ضمان منافع الحر والمغصوب بجامع أن كلا من الغصب والجناية تعد ترتب عليه حبس الشخص عن الكسب، وإذا كان الحبس في الأول واقعا بصورة مباشرة وهي وضع
اليد، وفي الثاني بصورة غير مباشرة وهي الجناية التي أدت إلى قعود المجني عليه وتعطله عن العمل فإن ذلك لا يؤثر؛ لأن القاعدة عندهم أن الحر لا يدخل تحت اليد. ويمكن تلخيص آراءهم فيما يأتي:
القول الأول: أن منافع الحر لا تضمن إلا بالاستغلال فإن لم تستغل فلا يجب ضمانها وهو الأصح عند الشافعية ووجه عند الحنابلة.
قال الغزالي: " وأما منفعة بدن الحر إن استخدامه إنسان ضمنه، وإن حبسه وعطله فوجهان أحدهما: بلى؛ للتفويت، والثاني: لا؛ لأنه فات تحت يد الحر المحبوس "(1).
وفى البيان شرح المهذب للعمراني: " وإن حبس رجل حرا ومات عنده من غير أن يمنعه الطعام والشراب فلا يجب عليه ضمانه. . وإن أقام في يده مدة لمثلها أجرة فإن استوفى الغاصب منافعه وجب عليه أجرته؛ لأنه أتلف عليه منافعه فهو كما لو أتلف عليه ماله، وإن لم يستوفها الغاصب ففيه
(1) الوسيط 3/ 393، 394.
وجهان. . والثاني: لا يجب عليه شيء؛ لأن منافعه تلفت تحت يده " (1).
وجاء في روضة الطالبين للنووي: " ومنها منفعة بدن الحر وهي مضمونة بالتفويت، فإذا قهر حرا وسخره في عمل ضمن أجرته. وإن حبسه وعطل منافعه لم يضمنها على الأصح؛ لأن الحر لا يدخل تحت اليد فمنافعه تفوت تحت يده بخلاف المال "(2).
وفي مغني المحتاج للخطيب الشربيني: " وكذا لا تضمن منفعة بدن الحر إلا بالتفويت في الأصح، فإن حبسه ولم يستوف منفعته لم يستحق شيئا وإن كان صغيرا؛ لأن الحر لا يدخل تحت اليد فمنافعه تفوت تحت يده "(3).
وفي المغني لابن قدامة: " وإن استعمله كرها لزمه أجر مثله؛ لأنه استوفى منافعه وهي متقومة فلزمه ضمانها كمنافع العبد، وإن حبسه مدة لمثلها أجر ففيه وجهان. . والثاني: لا
(1) 7/ 80.
(2)
5/ 14.
(3)
2/ 286.
يلزمه؛ لأنها تابعة لما لا يصح غصبه فأشبهت ثيابه إذا بليت عليه وأطرافه، ولأنها تلفت تحت يديه فلم يجب ضمانها " (1).
وفي الكافي لابن قدامة أيضا: " وإن استعمل الكبير مدة كرها فعليه أجرته؛ لأنه أتلف عليه ما يتقوم فلزمه ضمانه كإتلاف ماله، وإن حبسه مدة لمثلها أجرة ففيه وجهان. . والثاني: لا تلزمه؛ لأنها تلفت تحت يده فلم تضمن كأطرافه "(2).
وفى الإنصاف للمرداوي: " قوله: وإن استعمل الحر كرها فعليه أجرته هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطعوا به. . قوله: وإن حبسه مدة فهل تلزمه أجرته؟ على وجهين. . والوجه الثاني: لا تلزمه. صححه الناظم قال الحارثي: وهو الأصح وعليه دل نصه "(3).
ويستدل لهذا بأن المنفعة تابعة لما لا يصح غصبه وهو الحر نفسه؛ لأن القاعدة أن الحر لا يدخل تحت اليد ومن ثم فأشبهت ثيابه إذا بليت عليه وأطرافه فلم يجب ضمانها، ولأنها
(1) 7/ 429، 430.
(2)
3/ 521.
(3)
15/ 125، 126.
تلفت تحت يديه فلم يجب ضمانها.
القول الثاني: أن منافع الحر تضمن وإن لم تستغل وهو الصحيح عند الحنابلة وأحد الوجهين عند الشافعية.
قال الغزالي: " وأما منفعة بدن الحر إن استخدمه إنسان ضمنه وإن حبسه وعطله فوجهان: أحدهما بلى؛ للتفويت "(1).
وجاء في البيان شرح المهذب للعمراني: " وإن لم يستوفها الغاصب ففيه وجهان: أحدهما يجب عليه أجرته؛ لأن ما ضمن بالبدل في العقد الصحيح ضمن بالبدل في الغصب كالمال "(2).
وفي مغني المحتاج للخطيب الشربيني: " والثاني: أنها تضمن بالفوات أيضا؛ لأن منافعه تقوم في الإجازة الفاسدة فأشبهت منافع الأموال "(3).
وجاء في المغني لابن قدامة: " وإن حبسه مدة لمثلها أجر ففيه وجهان: أحدهما: يلزمه أجر تلك المدة؛ لأنه فوت
(1) الوسيط 3/ 393، 394.
(2)
7/ 80.
(3)
2/ 286.
منفعته وهي مال يجوز أخذ العوض عنها فضمنت بالغصب كمنافع العبد " (1).
وفي الكافي لابن قدامة أيضا: " وإن حبسه مدة لمثلها أجرة ففيه وجهان: أحدهما تلزمه الأجرة؛ لأنها منفعة تضمن بالإجارة فضمنت بالغصب كنفع المال "(2).
وفي الإنصاف للمرداوي: " قوله: وإن حبسه مدة فهل تلزمه أجرته؟ على وجهين. . أحدهما: تلزمه وهو الصحيح، صححه في التصحيح وجزم به في الوجيز وغيره، وقدمه ابن رزين في شرحه "(3).
وفي كشاف القناع: " وإن استعمله أي الحر كبيرا كان أو صغيرا كرها أو حبسه مدة فعليه أجرته؛ لأن منفعته مال يجوز أخذ العوض عنها فضمنت بالغصب كمنافع العبد "(4).
ويستدل لهذا بأن منفعته مال يجوز أخذ العوض عنها وتضمن بالإجارة فضمنت بالغصب كمنافع العبد أي قياسا على منافع العبد.
(1) 7/ 429، 430.
(2)
3/ 521.
(3)
15/ 126.
(4)
4/ 78.
وإذا ثبت هذا فعلى الأصح عند الشافعية، وأحد الوجهين عند الحنابلة لا يتحمل الجاني ما نتج عن الجناية من تعطل المجني عليه عن الكسب؛ لأن هذه المنافع لم يستغلها الجاني ولم يستوفها. وعلى الصحيح عند الحنابلة وأحد الوجهين عند الشافعية يمكن القول بجواز تحمل الجاني لتعطل المجني عليه عن الكسب مدة انتظار البرء والحكم بالأرش أو الحكومة. ولكن يبقى عدد من التساؤلات عند القول بهذا الرأي:
1 -
هل تحمل الجاني لذلك مطلق فيلزم به سواء كان المجني عليه فقيرا أم غنيا؟
2 -
وما مدى ما يتحمله الجاني؟ هل هو كامل ما كان المجني عليه يكتسبه قبل تعطله بسبب الجناية، أو يكون بمقدار نفقة المجني عليه، أو يكون مرجع ذلك إلى تقدير القاضي؟
3 -
هل يحسب ذلك من الدية أو الحكومة عندما يحكم بها أم لا؟
صفحة فارغة
الأخذ والتحمل عند القراء
لفضيلة الدكتور / محمد بن سيدي محمد الأمين (1)
المقدمة: - إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له {أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا} (2){قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} (3){مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا} (4).
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله خاتم الأنبياء وسيد الأتقياء، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، لا خير إلا
(1) الأستاذ المشارك في كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية.
(2)
سورة الكهف الآية 1
(3)
سورة الكهف الآية 2
(4)
سورة الكهف الآية 3
دل عليه ولا شر إلا حذر منه. تركنا على المحجة البيضاء، نقية صافية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الذين تلقوا القرآن من فيه غضا وواظبوا على قراءته تلاوة وعرضا، حتى أدوه إلينا خالصا محضا. ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد: فإن من تكريم الله للعبد أن يجعله من حملة كتابه التالين له العاملين به القائمين عليه المحافظين لحدوده قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} (1). فقرأة القرآن حملة سر الله المكنون، وحفظة علمه المخزون وخلفاء أنبيائه، وهم أهله وخاصته، وخيرته وأصفياؤه، فالخير كل الخير في تعلمه والعمل به، والشر كل الشر في هجره والابتعاد عنه وترك العمل بما فيه، من استظل بظله فهو من الله في حمى، ومن أعرض عنه فهو في غي وعمى ولقد أحسن من قال:
إن العلوم وإن جلت محاسنها
…
فتاجها ما به الإيمان قد وجبا
هو الكتاب العزيز الله يحفظه
…
وبعد ذلك علم فرج الكربا
فذاك فاعلم حديث المصطفى فبه
…
نور النبوة سن الشرع والأدبا
وبعد هذا علوم لا انتهاء لها
…
فاختر لنفسك يا من آثر الطلبا
(1) سورة فاطر الآية 32
والعلم كنز تجده في معادنه
…
يا أيها الطالب ابحث وانظر الكتبا
واتل بفهم كتاب الله فيه أتت
…
كل العلوم تدبره ترى العجبا
واقرأ هديت حديث المصطفى وسل
…
مولاك ما تشتهي يقض لك الأربا
من ذاق طعما لعلم الدين سر به
…
إذا تزيد منه قال واطربا (1)
لقد كان السلف الصالح لهذه الأمة من أشد الناس حرصا على الاهتمام بكتاب الله تلاوة وتعليما بعد سماعهم الأحاديث الدالة على الترغيب في تعلمه واستظهاره من نحو قوله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه (2)» فلا يقدمون على تعلمه شيئا من العلوم، فما أن يعقل الطفل حتى يبدأ في تعليمه حروف أبي جاد ثم قصار السور من المفصل ويلقن ذلك تلقينا خمس آيات أو عشر آيات حتى يتم حفظ كتاب الله أو ما تيسر منه بحسب همته وسعة حفظه وجودة ذهنه، قال ابن عباس رضي الله عنهما: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم.
وعنه: «جمعت المحكم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
فقيل له: ما المحكم؟ قال: " المفصل (3)».
(1) الوجيز في فضائل الكتاب العزيز: 139.
(2)
صحيح البخاري فضائل القرآن (5027)، سنن الترمذي فضائل القرآن (2907)، سنن أبو داود الصلاة (1452)، سنن ابن ماجه المقدمة (211)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 69)، سنن الدارمي فضائل القرآن (3338).
(3)
فتح الباري: 9/ 83.
قال ابن كثير: فيه دلالة على جواز تعليم الصبيان القرآن لأن ابن عباس أخبر عن سنه حين موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان جمع المفصل، وهو من الحجرات، وعمره إذ ذاك عشر سنين (1).
وكان بعض الشيوخ من المحدثين لا يقبل في حلقة درسه من الطلاب إلا من درس القرآن أولا.
قال حفص بن غياث: أتيت الأعمش فقلت حدثني.
قال: أتحفظ القرآن؟ قلت: لا.
قال: اذهب فاحفظ القرآن ثم هلم أحدثك.
قال: فذهبت فحفظت القرآن ثم جئته فاستقرأني فقرأته فحدثني (2).
(1) فضائل القرآن لابن كثير: 255
(2)
أصول الحديث لمحمد عجاج الخطيب: 107.
وحيث إن القرآن الكريم لا يؤخذ إلا بالتلقي والمشافهة من الشيوخ العدول الضابطين كما نبه على ذلك العلماء فقد عقدت هذا البحث لبيان تلك الوسائل والطرق التي اتبعها علماء القراءات في الأخذ والتحميل واهتمامهم البالغ بطرفي العملية التعليمية وهما القارئ والمقرئ، وما يجب أن يتوفر في كل منهما من شروط وآداب تتفق مع حامل القرآن وما يجب أن يتصف به.
خطة البحث:
المقدمة.
الفصل الأول: صفات المقرئ والقارئ. وفيه مبحثان:
المبحث الأول: المقرئ آدابه وصفاته.
المبحث الثاني: القارئ آدابه وصفاته.
الفصل الثاني: طرق الأخذ والتحمل عند القراء وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: العرض على الشيخ.
المبحث الثاني: السماع من لفظ الشيخ.
المبحث الثالث: الإجازة من الشيخ.
المبحث الرابع: الوجادة.
الخاتمة.