الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الإمام الشوكاني رحمه الله: أي موعظتنا لهم معذرة إلى الله حتى لا يؤاخذنا بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذين أوجبهما الله علينا، ولرجاء أن يتعظوا فيتقوا ويقلعوا عما هم عليه من المعصية (1). انتهى. وقد نقل الشيخ صالح الفوزان عن ابن القيم رحمه الله المراتب الثلاث في الدعوة إلى الله نحو ما ذكر (2).
أقول: وهذه الأمور التي تجب على كل مسلم يدعو إلى الله أن يتحلى بها؛ حتى يقبل الله منه قوله وفعله، وتنجح مهمته ودعوته.
قلت ولا نقول: إن الناس كلهم يجب أن يكونوا على المستوى من العلم، لكن الذي يفوته العلم لا يفوته حسن الخلق والصبر والحكمة واللين وإرجاع المشكل إلى العلماء، كما أنه لا يفوته العدل والصدق والوفاء والأمانة، وكل هذا من خلق المسلم. ودافعة إلى الدخول في الإسلام مع التوجيه بقدر الإمكان، والله من وراء القصد.
(1) فتح القدير للشوكاني ج2 ص257.
(2)
مجلة البحوث العلمية ج31 ص165.
المبحث الرابع: النصيحة لمن ذهب إلى بلاد الكفر
لما كان لبلاد الإسلام فضل كبير على غيرها من البلاد، حيث إنها تدين بالإسلام، وتحكم شرع الله من حيث الحلال والحرام،
وتعلن فيها شعائر الإسلام من صلاة وصوم وحج وعمرة وغير ذلك كان الخوف على أبناء الإسلام فيها قليلا، أما غيرها فإن على الشباب من الذهاب إليها خطرا كبيرا؛ لأنها بلاد كفر وليس بعد الكفر من ذنب. وقد بينا فيما سبق لمن كان داخل البلاد المسلمة كيف يدعو إلى الإسلام.
أما إذا كان ممن ابتلي بالذهاب إلى بلاد الكفر لعمل أو علاج أو تدريس أو دراسة، أو دعوة إلى الله، فإنه يجب عليه التمسك بدينه وأهدافه السامية والنبيلة، وأن يدعو إلى الله على بصيرة في عمله في مدرسته في مسكنه، وأن تكون الحكمة رائده، وأن لا يسأم ولا يمل ولا يستبطئ الاستجابة لدعوته، فهذا محمد صلى الله عليه وسلم مكث السنوات في مكة يدعو إلى الله ولم يستجب إليه إلا النفر القليل، وهذا نوح عليه السلام مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعو إلى الله محتسبا الأجر عند الله، وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدعوة إلى الله وبين فضلها «فلأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم (1)» ، وليكن قدوته رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل، وأبو موسى الأشعري، وقبلهم مصعب بن عمير، وغيرهم ممن أرسلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعليم الناس وإبلاغ الحجة
(1) البخاري باب الفتح ج7 ص70.
حتى هدى الله على أيديهم الكثير وانتشر بهم الإسلام.
وإذا كان أعداء الإسلام يرسلون المبشرين بدين النصارى، ويتكبدون المشاق في رحلاتهم، ويبذلون الأموال لنشر دينهم، وهم على باطل فكيف بنا لا ندعو إلى الله، ونحن على الطريق الصحيح الذي اختاره الله ورضيه لنا دينا؟ ومن حسنت نيته، وصلحت سريرته فلن يضيع الله عمله، وصدق الله إذ يقول:{إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} (1)، ويقول جل وعلا:{وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (2)، ويقول تعالى:{إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} (3).
ووصيتي لكل من خرج إلى البلدان غير المسلمة أن يراقب الله في السر والعلن، وأن لا يتبع نفسه هواها، وأن يتذكر دائما أن الله يعلم السر وأخفى، وأن معه حفظة كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون، يكتبون الحسنات والسيئات حتى الأنين يكتب، فكيف بالأعمال؟ وليعلم أن العبد محاسب ومجزى على عمله إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. فليكن المسلم قدوة حسنة في دينه وخلقه، وتعامله وكافة أعماله ومعاملاته، متحليا بالصدق والأمانة، والنزاهة والابتعاد عن
(1) سورة الكهف الآية 30
(2)
سورة هود الآية 115
(3)
سورة الأعراف الآية 170
المحرمات في المأكل والمشرب والمنكح؛ ويجتنب الأمور المشتبهات، ليكون مثلا حيا وصورة رائعة لدينه الإسلام معتزا ومفتخرا به، ثابتا عليه متمسكا بشعائره من صلوات وصيام وغيرها، مجتنبا المحرمات في كل شئونه. هدى الله الجميع لما يحب ويرضى، وحفظنا وإياهم من كل سوء ومكروه، وثبتنا وإياهم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. والله الهادي إلى سواء السبيل.