الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني وجوب الدعوة إلى الله
لا شك أن كل مسلم يحب الخير للناس جميعا. وهذه من صفات المؤمنين. ومن أهم ما يحبه المسلم للآخرين أن ينقذهم الله من النار بدخولهم دين الإسلام، ونبذ ما سواه من الأديان، فكان على المسلم أن يبين لغير المسلمين أن الإسلام هو دين السماحة والصدق والوفاء، كما أنه دين عدل لا يفرق بين الأسود والأبيض إلا بالتقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (1). فهو الدين الصالح لكل زمان ومكان، اختاره الله ورضيه لنا دينا {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (2). وأن ما عداه من الأديان السماوية منسوخ بشريعة الإسلام وغير مرضي ولا مقبول عند الله. يقول الله تبارك وتعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (3).
ويقول تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (4).
وعليه أن يبين لهم أن رسالة محمد عليه الصلاة والسلام عامة لكل المخلوقين، يقول تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (5)
(1) سورة الحجرات الآية 13
(2)
سورة المائدة الآية 3
(3)
سورة آل عمران الآية 19
(4)
سورة آل عمران الآية 85
(5)
سورة سبأ الآية 28
يبين لهم أن هذا القرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم: {بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} (2)، بل بلاغ لكل من بلغه خبره وانتهى إليه أمره، في عصره صلى الله عليه وسلم وفي سائر العصور إلى يوم القيامة. لقول الله تعالى:{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (3) قال الإمام الشوكاني: لأجل أن أنذركم به ومن بلغ إليه من الناس جميعا بجميع شعوبهم وأصنافهم من موجود ومعدوم سيوجد في الأزمنة المستقبلية، فأحكام القرآن شاملة للبشر والجن جميعا إذا بلغتهم دعوة الإسلام وسمعوا بهذا القرآن وهم مسئولون عن استجابتهم لدعوة الله وعن أعمالهم في الدنيا عند لقاء الله. انتهى (4) فرسالة محمد صلى الله عليه وسلم شاملة ودعوته عامة عالمية كما قال
(1) سورة الأعراف الآية 158
(2)
سورة إبراهيم الآية 52
(3)
سورة الأنعام الآية 19
(4)
فتح القدير ج2 ص105.
- صلى الله عليه وسلم: «بعثت إلى كل أحمر وأسود (1)» ويقول صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار (2)» أخرجه الإمام مسلم (3).
يبين لهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين فلا نبي ولا رسول بعده، يقول الله تبارك وتعالى:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (4).
وأنه جاء بدين الحق ودين الهدى وهو الظاهر على كل الأديان. يقول تبارك وتعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (5).
يبين لهم أن القرآن الكريم مهيمن على كل الكتب السماوية السابقة، وأنه الحق. يقول الله تبارك وتعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} (6) قال الأستاذ عثمان بن جمعة ضميرة: تنوعت عبارات المفسرين من السلف ومن بعدهم رحمهم الله في التعبير عن معنى هذه الهيمنة فقالوا
(1) مسلم بشرح النووي ج3 ص6.
(2)
صحيح مسلم الإيمان (153)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 317).
(3)
مسلم بشرح النووي ج1 ص463.
(4)
سورة الأحزاب الآية 40
(5)
سورة التوبة الآية 33
(6)
سورة المائدة الآية 48
مهيمنا أي مؤتمنا وشاهدا ورقيبا وحاكما ودالا ومصدقا. فالقرآن الكريم مهيمن على كل كتاب قبله. انتهى (1) قلت: وهو كما ذكر. وانظر إن شئت فتح القدير للشوكاني (2) وتفسير الطبري تحقيق أحمد محمود شاكر (3) وتفسير ابن كثير مختصر محمد الرفاعي (4).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: السلف متفقون على أن القرآن هو المهيمن على ما بين يديه من الكتب، ومعلوم أن المهيمن على الشيء أعلى منه مرتبة، ومن أسماء الله تعالى المهيمن، ويسمى الحاكم على الناس القائم بأمورهم انتهى. نقله عنه ابن ضميرة (5).
قلت: وكما أن كتاب الله مهيمن على ما قبله. فكذا كانت رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسخة لما قبلها من الرسالات والنبوات كما سبق. وكما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال لعمر رضي الله عنه: وقد رأى مع عمر صحيفة وفيها شيء من التوراة «أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ ألم آتيك بها بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حيا ما وسعة إلا اتباعي (6)» أخرجه الإمام أحمد (7)، وحسنه الألباني.
(1) مجلة البحوث الإسلامية عدد21 ص316.
(2)
فتح القدير ج2 ص47.
(3)
الطبري ج10 ص377.
(4)
ابن كثير ج2 ص56.
(5)
المجلة المشار إليها بعاليه.
(6)
مسند أحمد بن حنبل (3/ 387)، سنن الدارمي المقدمة (435).
(7)
مسند الإمام أحمد ج5 ص57.
قلت ولفظه في إرواء الغليل أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب حين رأى مع عمر صحيفة فيها شيء من التوراة، وقال: أفي شك؟ الحديث أخرجه أحمد والدرامي، وابن أبي عاصم وابن عبد البر إلى آخره، وقال في آخر البحث: إنه حسن (1).
يدعوهم إلى الله، ويأمرهم بالتصديق برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وباتباع شريعته؛ فلقد أمر الله بذلك في قوله تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} (2){يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (3).
يعرض عليهم ما في القرآن الكريم من الأخبار بما هو موجود في التوراة والإنجيل من أنه رسول الله ونبي أمي، وأنهم مأمورون باتباعه كما في قوله تعالى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (4){قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (5).
(1) إرواء الغليل ج6 ص36.
(2)
سورة المائدة الآية 15
(3)
سورة المائدة الآية 16
(4)
سورة الأعراف الآية 157
(5)
سورة الأعراف الآية 158
يدعوهم بالحكمة واللين، ويحبب إليهم الإسلام ويرغبهم فيه، وأن من اتبع محمدا وآمن به وأطاعه من أهل الكتاب كان له أجران كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيما رواه عنه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: «ثلاثة يؤتون أجورهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم، فآمن به واتبعه وصدقه فله أجران، ورجل كانت له أمة فغذاها وأحسن غذاءها، ثم أدبها فأحسن أدبها، ثم أعتقها وتزوجها؛ فله أجران، وعبد مملوك أدى حق الله وحق سيده فله أجران (1)» أخرجه البخاري (2).
يبين لهم أن عيسى عليه السلام سينزل في آخر الزمان فيحكم بشريعة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم منفذا لها مقرا بها. روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم عيسى
(1) صحيح البخاري النكاح (5083)، صحيح مسلم الإيمان (154)، سنن الترمذي النكاح (1116)، سنن النسائي النكاح (3344)، سنن أبو داود النكاح (2053)، سنن ابن ماجه النكاح (1956)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 402)، سنن الدارمي النكاح (2244).
(2)
فتح الباري ج4 ص414.