الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: والظاهر لي الجواز مطلقا؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه صلى الله عليه وسلم عاد أبا طالب وكرر عليه الدعوة إلى الإسلام، وعاد رسول الله رأس المنافقين عبد الله بن أبي ابن سلول والنفاق أشد كفرا، ولم ينه صلى الله عليه وسلم عن عيادة المشركين كما نهى عن الصلاة على المنافقين. والله أعلم.
المبحث السابع: حكم تعزية غير المسلمين واتباع جنائزهم
تعزية غير المسلمين في موتاهم لا بأس بها، وكذا تشييع جنائزهم، قال ابن القيم رحمه الله: توقف الإمام أحمد رحمه الله عن القول فيها وقال: لا أدري؟ قال: وقال الأثرم: حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو إسحاق بن منصور السلولي حدثنا هريم بن سفيان البجلي قال: سمعت الأجلح عزى نصرانيا فقال: عليك بتقوى الله والصبر، كما قال الأثرم عن منصور بن إبراهيم أنه قال: إذا أردت أن تعزي رجلا من أهل الكتاب فقل أكثر الله مالك وولدك، وأطال حياتك وعمرك. وقال الحسن: إذا عزيت الذمي فقل لا يصيبك إلا خيرا، وقال حرب: قلت لإسحاق فكيف يعزى المشرك؟ قال يقول: أكثر الله مالك وولدك (1).
وقال ابن قدامة في تعزية الكافر يقال: أخلف الله عليك ولا نقص عددك، يعني زيادة عدده لتكثير جزيتهم. قال: وقد توقف
(1) أحكام أهل الذمة ج1 ص 204.
أحمد عن التعزية لأهل الذمة وهي تخرج على عيادتهم وفيها روايتان.
الرواية الأولى: لا يعودهم فكذلك لا يعزيهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تبدءوهم بالسلام (1)» وهذا في معناه.
الرواية الثانية: يعودهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أتى غلاما من اليهود مريضا كان يعوده فقعد عند رأسه فعلى هذا نعزيهم (2).
وأما اتباع الجنائز فقد نقل ابن القيم رحمه الله تعالى عن الإمام أحمد جواز تشييع المسلم جنازة المشرك. قال أبو طالب: سألت أبا عبد الله عن الرجل يموت وهو يهودي وله ولد مسلم كيف يصنع؟ قال: يركب دابته ويسير أمام الجنازة ولا يكون خلفه، فإذا أرادوا أن يدفنوه رجع مثل قول عمر. قال قلت أراد ما رواه سعيد بن منصور قال: حدثني عيسى بن يونس عن محمد بن إسماعيل عن عامر بن شقيق عن أبي وائل قال: ماتت أمي نصرانية فأتيت عمر فسألته فقال: اركب في جنازتها وسر أمامها. وقد روى مثله في أم قيس بن شماس، وعلي بن أبي طالب «وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يواري أبا طالب» ، وعبد الله بن عمر، في «أم عبد الله بن ربيعة، حيث قال له: أحسن ولايتها، وكفنها ولا تقم على قبرها» . وابن عباس قال: يشهده ويدفنه، قال الخلال: كأن أبا عبد الله لم
(1) سنن الترمذي الاستئذان والآداب (2700)، سنن أبو داود الأدب (5205).
(2)
المغني ج3 ص 486.
يعجبه ذلك، ثم روي عن هؤلاء الجماعة أنه لا بأس به واحتج بالأحاديث يعني أنه رجع إلى هذا القول. والله أعلم (1).
وقال ابن باز رحمه الله: لا بأس أن يعزيهم المسلم إذا رأى المصلحة في ذلك، بأن يقول جبر الله مصيبتك، أو أحسن الله لك الخلف بخير، وما أشبهه من الكلام الطيب، ولا يقول غفر الله له ولا رحمه الله إذا كان الميت كافرا أي: لا يدعو للميت وإنما يدعو للحي بالهداية وبالعوض الصالح ونحو ذلك (2).
قلت: أخرج الإمام أحمد في المسند «أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبا طالب مات، فقال: اذهب فواره فلما واريته رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: اغتسل (3)» . وفي رواية «إن عمك الشيخ الضال قد مات (4)» . وفي رواية «إن عمك الشيخ قد مات (5)» . وفي كلها يأمره صلى الله عليه وسلم بمواراته (6).
أقول: ومن هذا نأخذ سماحة الإسلام، وسمو تعاليمه وإن المسلم يراعي حقوق ذوي القربى، وغيرهم، فيأمر بصلة الأم الكافرة بالمال، وبعيادة المرضى، ودعوتهم للإسلام، وترغيبهم فيه. وعرضه عليهم بالأسلوب الحسن والحكمة. قل يا عم: «لا إله إلا
(1) أحكام أهل الذمة ج1 ص 204.
(2)
فتاوى ومقالات ج4 ص267.
(3)
سنن النسائي كتاب الطهارة (190)، سنن أبو داود الجنائز (3214).
(4)
سنن النسائي الجنائز (2006)، سنن أبو داود الجنائز (3214).
(5)
مسند أحمد بن حنبل (1/ 103).
(6)
مسند أحمد ج1 ص97، 130، 131 ط المكتب الإسلامي.