الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: في الأخلاق التي ينبغي أن تكون معهم
.
المبحث الأول: معاملة الكفار عند اللقاء وكراهية أن يبدؤوا بالسلام. وكيف يرد عليهم
؟
قال العلماء رحمهم الله تعالى: يكره أن يبدأ المسلم الكافر بالسلام؛ لما ثبت في صحيح مسلم رحمه الله: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه (1)» .
ففي الحديث النهي عن بدئهم بالسلام، وأنه ينبغي مضايقتهم في الطرقات وعدم احترامهم وتقديرهم. وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا سلم اليهودي فإنما يقول: السام عليك فقل وعليك (2)» هكذا بالواو وفي لفظ بغير الواو (3) وعند أحمد من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم (4)» وفي رواية عليكم بلا واو (5).
(1) صحيح مسلم بشرح النووي ج7 ص400، ط، آل مكتوم.
(2)
صحيح البخاري الاستئذان (6257)، صحيح مسلم السلام (2164)، سنن الترمذي السير (1603)، سنن أبو داود الأدب (5206)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 9)، موطأ مالك الجامع (1790)، سنن الدارمي الاستئذان (2635).
(3)
فتح الباري ج11 ص 41، 42.
(4)
صحيح البخاري الاستئذان (6258)، صحيح مسلم السلام (2163)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3301)، سنن أبو داود الأدب (5207)، سنن ابن ماجه الأدب (3697)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 218).
(5)
مسند أحمد ج4 ص 77.
وفي البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «دخل رهط على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك ففهمتها، فقلت: عليكم السام واللعنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهلا يا عائشة فإن الله يحب الرفق في الأمر كله. فقلت: يا رسول الله ألم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد قلت وعليكم (1)» ، وفي لفظ عند مسلم:«فقالت عائشة رضي الله عنها: ولعنكم الله وغضب عليكم فقال: مهلا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش قالت: أولم تسمع ما قالوا؟ قال: أولم تسمعي ما رددت عليهم؟. إنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا (2)» وفي الأحاديث تعليم الأمة كيفية معاملة المسلم غير المسلمين. في رد سلامهم عليهم، وإنه ينبغي الرفق والحلم واللين وعدم الفحش. ألا!! فصلى الله وسلم عليك يا رسول الله. لقد أدبك ربك فأحسن تأديبك. يدعو عليك أعداؤك بالموت والهلاك وتجيبهم وعليكم، وتأمر زوجتك بالرفق واللين. حقا إنه غاية الحلم وحسن الخلق فيك يا رسول الله صلى الله عليك وبارك وسلم.
(1) فتح الباري ج12 ص 280.
(2)
مسلم بشرح النووي ج 7 ص 398 ط آل مكتوم.
أقول: وفي هذا النهي عن بدئهم بالسلام «لا تبدءوهم بالسلام (1)» حتى لا يشعروا بالعزة والمنعة واحترام المسلمين لهم، بل يشعروا أن مكانتهم المذلة والصغار والإهانة والاحتقار {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (2)، فلا يذل المسلم نفسه وقد أعزه الله بالإسلام، وأذل المشركين والكفرة بالكفر.
قال العلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله: لا يجوز أن يبدءوا بالسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، ولأن في هذا إذلالا للمسلم حيث يبدأ بتعظيم غير المسلم، والمسلم أعلى مرتبة عند الله عز وجل؛ فلا ينبغي أن يذل المسلم نفسه في هذا (3).
قال ابن القيم الجوزية رحمه الله: السلام اسم الله ووصفه، والتلفظ به ذكر له، كما في السنن «أن رجلا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه حتى تيمم ورد عليه وقال: إني كرهت أن أذكر اسم الله إلا على طهارة (4)»، فكان من حق هذه التحية - السلام عليكم - أن تصان عن بذلها لغير المسلمين وأن لا يحيا بها أعداء القدوس السلام، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) سنن الترمذي الاستئذان والآداب (2700)، سنن أبو داود الأدب (5205).
(2)
سورة التوبة الآية 29
(3)
مجموع فتاوى ورسائل ج3 ص34.
(4)
سنن الترمذي 1/ 131، وسنن أبي داود 1/ 33 رقم 16.
إذا كتب إلى ملوك الكفار يكتب سلام على من اتبع الهدى ولم يكتب لكافر سلام عليكم أصلا، ولهذا «قال في أهل الكتاب: لا تبدءوهم بالسلام (1)» (2).
وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: المسلم لا يبدأ الكافر بالسلام ولكن متى سلم عليه اليهودي أو النصراني أو غيرهما من الكفار يقول: وعليكم كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام (3)» وقال: «إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم (4)» انتهى بتصرف (5).
قال الإمام النووي رحمه الله: اختلف العلماء في رد السلام على الكفار وابتدائهم، فمذهبنا تحريم الابتداء به، ووجوب رده عليهم بأن يقول: وعليكم قال: وهذا قول أكثر العلماء وعامة السلف، وقال آخرون: بجواز ابتدائهم بالسلام، وروي عن ابن عباس وأبي أمامة وابن أبي محيريز رضي الله عنهم قال: وهو وجه لبعض أصحابنا حكاه الماوردي وقال بعض أصحابنا بالكراهية وهو ضعيف. لأن النهي للتحريم قال: وحكى القاضي عن جماعة أنه يجوز ابتداؤهم به للضرورة والحاجة أو سبب، وهو قول علقمة والنخعي. قال وعن
(1) مسلم بشرح النووي ج 7 ص402، 403.
(2)
أحكام أهل الذمة ص 197.
(3)
صحيح مسلم السلام (2167)، سنن الترمذي الاستئذان والآداب (2700)، سنن أبو داود الأدب (5205)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 346).
(4)
صحيح البخاري الاستئذان (6258)، صحيح مسلم السلام (2163)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3301)، سنن أبو داود الأدب (5207)، سنن ابن ماجه الأدب (3697)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 218).
(5)
مجموع فتاوى ومقالات ج4 ص267.
الأوزاعي. أنه قال: إن سلمت فقد سلم الصالحون، وإن تركت فقد ترك الصالحون. قال: وفي سب عائشة رضي الله عنها الانتصار من الظالم، والانتصار لأهل الفضل ممن يؤذيهم. قال: وفي الحديث تغافل أهل الفضل عن سفه المبطلين إذا لم تترتب عليه مفسدة. قال: وفي حديث فاضطروه إلى أضيقه قال أصحابنا بأن لا يترك للذمي صدر الطريق بل يضطر إلى أضيقه إذا كان المسلمون يطرقون، فإن خلت الطريق من الزحمة فلا حرج. وليكن التضييق بحيث لا يقع في وهدة ولا يصدمه جدار ونحوه والله أعلم. انتهى بتصرف (1).
قال ابن القيم رحمه الله: إذا تحقق السامع أن المشرك قال السام عليك أو شك في ذلك فإنه يرد عليه بقوله عليك أو وعليك.
أما إذا قال الذمي: سلام عليكم فالذي تقتضيه الأدلة وقواعد الشريعة أن يقال له: وعليك السلام، فإن هذا من باب العدل والإحسان، والله يأمر بالعدل والإحسان. وقد قال تعالى:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} (2)، فندب إلى الفضل وأوجب العدل (3).
وذكر ابن عثيمين رحمه الله مثل ما ذكر ابن القيم وانظر
(1) مسلم بشرح النووي ج7 ص 403، 404، ط، آل مكتوم.
(2)
سورة النساء الآية 86
(3)
أحكام أهل الذمة ج1 ص200.