الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} (1).
وفي الصحيح عن عثمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة (2)» (3) إذا تخلف شرط " العلم " فإنه "الجهل" وإذا لم يزيح العلم الجهل - وخاصة في العقائد- فإنه الكفر والضلال والشقاء والعناء، وإذا لم يتحقق هذا الشرط؛ فلا يمكن تحقيق معنى " لا إله إلا الله " ولا يمكن أن ينتفع قائلها بها في الدنيا والآخرة؛ من الدخول في الإسلام والفوز بالجنة والنجاة من النار.
(1) سورة العنكبوت الآية 43
(2)
أخرجه مسلم في الصحيح، كتاب الإيمان، حديث رقم43.
(3)
انظر معارج القبول للحكمي ج1ص378.
المبحث الخامس والثلاثون: هل الجهل يؤثر على صحة الإسلام أو فساده وبطلانه
؟، ودائرة تأثيره على التكليف، وما يصلح أن يكون عذرا ومالا يصلح.
قال تعالى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} (1).
(1) سورة البقرة الآية 273
أي: الذي لا يعلم بحقيقة حالهم، وهو المعنى الأول من معاني الجهل "فقد العلم"، وهو الذي سيكون مدار هذا المبحث عليه.
أولا: تأثير عارض الجهل على التوحيد أصل الدين هو معرفة الله عز وجل وعبادته وحده لا شريك له. وهذا لا عذر فيه بالجهل، سواء وجدت مظنة العلم - كدار الإسلام - أم لم توجد - كدار الحرب - وسواء ثبتت إقامة الحجة أم لم تثبت. ويجب اعتبار الجاهل فيه كافرا في ظاهر الأمر. وهذا القدر متفق عليه بين الأئمة قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} (1){أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} (2){وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (3).
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقول لأهون أهل النار عذابا: لو أن لك ما في الأرض من شيء، كنت تفتدى به؟ قال: نعم. قال: فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك بي، فأبيت إلا الشرك (4)»
(1) سورة الأعراف الآية 172
(2)
سورة الأعراف الآية 173
(3)
سورة الأعراف الآية 174
(4)
أخرجه البخاري بلفظه من حديث أنس، في كتاب الأنبياء، باب خلق آدم وذريته رقم 3334 (فتح الباري ج60 ص 363)، ومسلم في الصحيح، المنافقين رقم51 ينحوه.
قال ابن كثير على الآية: يخبر تعالى أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم، شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو، كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه، قال تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} (1).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة - وفي رواية: على هذه الملة- فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تولد البهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء (2)» ؟
وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله: إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم، عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم (3)» . . . وذهب طائفة من السلف والخلف أن المراد بهذا الإشهاد إنما هو فطرهم على التوحيد. . . وأن المراد بهذا أن جعل هذا الإشهاد حجة عليهم في الإشراك. . . وهذا جعل حجة مستقلة عليهم فدل على أنه الفطرة التي فطروا عليها من الإقرار بالتوحيد. . . (4)
(1) سورة الروم الآية 30
(2)
صحيح البخاري الجنائز (1385)، صحيح مسلم القدر (2658)، سنن الترمذي القدر (2138)، سنن أبو داود السنة (4714)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 275)، موطأ مالك الجنائز (569).
(3)
صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2865).
(4)
تفسير ابن كثير ج 3 ص500، 501.
وقال القرطبي: شهدنا أي من قول بني آدم، والمعنى شهدنا أنك ربنا وإلهنا. . . {أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} (1) بمعنى لست تفعل هذا ولا عذر للمقلد في التوحيد (2).
قال ابن القيم: إنه سبحانه أشهد كل واحد على نفسه أنه ربه وخالقه، واحتج عليهم بهذا الإشهاد في غير موضع من كتابه، كقوله تعالى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} (3) أي فكيف يصرفون عن التوحيد بعد هذا الإقرار منهم أن الله ربهم وخالقهم، وهذا كثير في القرآن، روى مسلم من حديث عائشة قالت:«يا رسول الله إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين؟ فهل ينفعه؟ قال: لا ينفعه، إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين (4)» (5).
وروى مسلم في صحيحه: عن أنس «أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: في النار قال: فلما قفى الرجل دعاه فقال: إن أبي وأباك في النار (6)» .
فيتضح من الأحاديث السابقة أن جهل من مضى قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، لم يكن عذرا لهم سواء في الحكم عليهم في الدنيا بظاهر أمرهم، أو في حقيقة أمرهم عند الله
(1) سورة الأعراف الآية 173
(2)
تفسير القرطبىج7ص318.
(3)
سورة الزخرف الآية 87
(4)
صحيح مسلم الإيمان (214)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 93).
(5)
عقيدة الموحدين ص327 - 331.
(6)
صحيح مسلم الإيمان (203)، سنن أبو داود السنة (4718)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 268).
تعالى. وذلك بإخبار الرسول عنهم أنهم في النار. .
قال الحكمي في معارج القبول: إن أنواع الكفر لا تخرج عن أربعة: كفر جهل وتكذيب، وكفر جحود، وكفر عناد واستكبار، وكفر نفاق. فأحدها يخرج من الملة بالكلية، - إلى أن يقول-:" وإن انتفى تصديق القلب مع عدم العلم بالحق، فكفر الجهل والتكذيب ".
وقال ابن القيم: والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان بالله وبرسوله واتباعه فيما جاء به، فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم، وإن لم يكن كافرا، معاندا فهو كافر جاهل، فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهال غير معاندين، وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفارا؛ فإن الكافر من جحد توحيد الله وكذب رسوله إما عنادا أو جهلا وتقليدا لأهل العناد اهـ (1).
ونخلص إلى أن الجهل يؤثر على صحة الإسلام سلبا بل يفسد الإسلام ويبطله؛ لكون هذا الجاهل أشرك مع الله فلا يعذر لجهله؛ لأنه مفطور على الملة أولا، ولأنه أعرض عن العلم والعمل ثانيا، ولأن رسول الله أخبرنا عن الذين كانوا في الجاهلية ولم يتبعوا الرسل السابقين أنهم في النار، أي كفار. فالجاهل بالتوحيد صاحبه
(1) عقيدة الموحدين ص331 - 335.
في الدنيا كافر، لأنه قد أخذ عليه العهد والميثاق في عالم الذر ومع ذلك أشرك فهو كافر.
ثانيا: تأثير عارض الجهل في الإسلام على الحقيقة أي في حقيقة التوحيد عند الله في الآخرة من ثواب وعقاب اختلف العلماء في هذا الأمر فمنهم من قال: أن العقل وحده هو مناط التكليف في هذا، وأن الإنسان قد فطر على إدراك التوحيد وحده فيجب عليه أن يصل إلى الحق بالنظر والاستدلال، وأنه سيحاسب في الآخرة على هذا الأساس حتى ولو لم يأته رسول من الله، ويدخل في هذا ما أطلق عليهم " بأهل الفترة " وهم غير معذورين.
وذهب آخرون: إلى أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحدا في الدنيا أو في الآخرة إلا بعد قيام الحجة الرسالية عليه؛ وبالتالي فأهل الفترة عند أصحاب هذا المذهب معذورون.
وذهب فريق ثالث: إلى عدم وجود من لم تبلغه دعوة التوحيد في الدنيا قبل موته بأية صورة، وذلك لعموم الأدلة القرآنية الدالة على إرسال الرسل وإقامة الحجة في الدنيا على كل شخص، وأن الدنيا هي دار التكليف ولا تكليف بعدها.
وكل فريق له أدلته من الكتاب والسنة والمعقول على التفصيل الذي ذكره المؤلف في بحث " الجواب المفيد في حكم جاهل
التوحيد " ثم يخلص المؤلف إلى النتيجة التالية:
ويجب أن نلاحظ أخيرا، أن كل ما نقلناه من خلاف بين العلماء في هذا الفصل، إنما هو في أحكام الآخرة فقط، أي في مآل الجهل يوم القيامة في أحكام الثواب والعقاب عند الله سبحانه وتعالى، وأما بالنسبة لأحكام الدنيا فلا خلاف بين العلماء في اعتباره كافرا في ظاهر أمره، وذلك لجريان الأحكام في الدنيا على هذا الأساس.
يقول ابن القيم: والله يقضي بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله، ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل، فهذا مقطوع به في جملة الخلق، أما كون زيد من الناس بعينه أو عمرو قامت عليه الحجة أم لا؟ فذلك مما لا يمكن الدخول بين الله وبين عباده فيه، بل الواجب على العبد أن يعتقد:
1 -
أن كل من دان بدين غير الإسلام فهو كافر.
2 -
وأن الله لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول.
هذا في الجملة، والتعيين موكول إلى الله، وهذا في أحكام الثواب والعقاب.
وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر اهـ.
ثالثا: تأثير عارض الجهل في أصول الشريعة (1).
(1) انظر عقيدة الموحدين ص 347.
بمعنى: هل الجاهل بأحكام أصول الشريعة مثل: المتواتر من الأخبار والصفات الثابتة التي لا تعرف إلا بالعقل، ومواقع الإجماع، والمعلوم من الدين بالضرورة من مسائل الفروع يكفر؟
والإجابة على هذا السؤال: لا يكفر الجاهل به " قبل إقامة الحجة عليه " على تفصيل:
فإن كان المكلف في مكان تتوافر فيه مظنة العلم - كدار الإسلام - كان آثما ولم يعذر بجهله، ويقام عليه الحد إن انبنى على قوله عمل فيه حد، سواء كان متأولا أم غير متأول، وإن أنكر: كفر، وإن كان المكلف في مكان لا تتوفر فيه مظنة العلم - كدار الحرب - لم يكن آثما وعذر بجهله، فإن أقيمت عليه الحجة فأنكر، كفر بذلك. أما من كان في مكان أو في حال هو مظنة العلم، فيكفي فيه إمكان العلم، ولا يشترط تحقق العلم فعلا.
لقوله صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم (1)» ، قال مالك:" الجاهل في الصلاة أو سائر العبادات كالمتعمد لا كالناسي " وقال الشافعي عن الفروع التي اشتهرت وعرفت من المتواتر وغيرها: " لا يسع أحدا غير مغلوب على عقله جهلها في دار الإسلام" القاعدة العامة:] سقوط العذر بالجهل في
(1) حديث صحيح، ذكره الألباني في صحيح الجامع رقم 3808.
وجود مظنة العلم [فإن قامت الحجة على جاهل هذه الأمور؛ سواء الجاهل بها حيثما تتوفر مظنة العلم " الآثم الغير معذور"، أما الجاهل بها حيث لا تتوفر مظنة العلم "المعذور الغير الآثم " كدار الحرب أو الناشئ في بادية بعيدا عن المسلمين مثلا فأنكر أيا منها بعد بيان الحجة والإعلام بالدليل، كان كافرا بلا خلاف. والمدار في كفر منكرها بعد العلم بها هو أن منكرها إنما ينكر ما ثبت بصورة قطعية وقطعي الثبوت وقطعي الدلالة، والقواعد القطعية في أصول الشريعة التي ثبتت قطعيتها بالنص أو بالاستقراء الكلي للنصوص، وكل ما هو في مقام القطعية مثلها، كالمعلوم من الدين بالضرورة من مسائل الفروع مثل تحريم الخمر والزنا، ووجوب الصوم والحج والزكاة، هو الذي يكفر منكره بلا خلاف. . .
قال ابن القيم: ومن جحد فرضا من فروض الإسلام أو تحريم محرم من محرماته، أو صفة وصف الله بها نفسه أو خبرا أخبر الله به. . . جهلا أو تأويلا يعذر فيه صاحبه فلا يكفر صاحبه به. . . وقال ابن تيمية بعدم تكفير المعين إلا بعد إقامة الحجة عليه. أما من أنكر أمرا مما ذكر فيعتبر كفرا، إلا في حالة عدم وجود مظنة العلم فيعذر الجاهل في هذه الأمور، لأنها تحتاج كلها إلى الإبلاغ بشرع فتقام الحجة أولا بالشكل الواضح القاطع، فإذا أنكر بعدها كفر. . .
وعلى هذا المعنى تتنزل كل أقوال ابن تيمية في التوقف عن تكفير الجهال بأعيانهم حتى تقام الحجة عليهم أولا؛ وخاصة في المسائل الخفية، وليس في كل الأمور وتحت أي ظرف. . . قال ابن تيمية: أنا من أعظم الناس نهيا عن أن ينسب معين إلى تكفير أو تبديع أو تفسيق أو معصية، إلا إذا علم أنه قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرا تارة وفاسقا تارة وعاصيا تارة أخرى أهـ.
ونخلص إلى أن من أنكر من الدين ما هو معلوم بالضرورة جهلا؛ فإن كان في مكان تتوفر فيه مظنة العلم وكان هذا الذي أنكره مما اشتهر وعلم لدى الخاصة والعامة؛ فهو كافر، وإن كان من الأمور التي ليست بمشتهرة فهو آثم بجهله ويعلم. فإن عاند فهو كافر.
وإن كان في مكان لا تتوفر فيه مظنة العلم؛ فهو آثم بجهله، وتقام عليه الحجة بالتعليم، سواء كانت المسألة معلومة ومشتهرة أو لم تكن كذلك، فإن عاند فهو كافر والله أعلم.
رابعا: تأثير عارض الجهل في الأصول الاعتقادية.
قال المؤلف: وهي الأمور التي تعتبر من أصول الاعتقاديات عند أهل السنة، ولكنها لم تثبت بطريقة قطعية، فهي ظنية الثبوت عند البعض.
وما كان مثل هذا فلا يكفر جاهله قبل إقامة الحجة عليه، والجمهور على عدم تكفيره حتى لو أنكره بعد إقامة الحجة عليه - وذلك لعدم قطعية الدليل - بل يعتبر مبتدعا أو فاسقا أهـ (1).
وما ذهب إليه المؤلف - وفقه الله - قد لا يوافق عليه حيث إن خبر الآحاد إذا توفرت فيه شروط الصحة فإنه يفيد العلم اليقيني لا الظني - كما تقرر عند جملة من المحققين ومنهم ابن القيم -. لأن الحديث الصحيح شرع، والشرع ليس بظن، ثم إن أحاديث الآحاد كما أنها تفيد العلم اليقيني فهي تفيد اليقين إذا تلقتها الأمة بالقبول أو احتفت بها قرائن أو تسلسلت بالأئمة أو وردت من أكثر من طريق.
قال ابن القيم في معرض الكلام على أن الاحتجاج بأحاديث الآحاد في العقيدة وغيرها هو المجمع عليه وهو قطعي الثبوت وله حكم المتواتر قال: " فهذا الذي اعتمده نفاه العلم عن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم خرقوا به إجماع الصحابة المعلوم بالضرورة وإجماع أئمة الإسلام، ووافقوا المعتزلة والجهمية والرافضة
(1) عقيدة الموحدين ص 354.
والخوارج الذين انتهكوا هذه الحرمة وتبعوا بعض الأصوليين. . . " (1).
والقائلون بإفادتها العلم والاحتجاج بها في العقائد كثير من السلف والخلف ومنهم:
داود الظاهري، وابن حزم، وابن طاهر المقدسي، والحسين الكرابيسي، والحارث المحاسبي، وهو قول الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد، واختاره من المتأخرين: صديق خان، ومن المعاصرين: أحمد شاكر، ومحمد الألباني، وصبحي الصالح. . . (2)
وإذا تقرر هذا وثبت فإن من جهل الأصول الاعتقادية أو بعضها وأنكرها، سواء ثبتت بالتواتر أو بالآحاد، وهو في مكان تتوفر فيه مظنة العلم، وهي من الأمور المعلومة والمشتهرة للعامة والخاصة فهو كافر؛ كما تقرر ذلك في أصول الشريعة في المبحث السابق ومن جهل وأنكر بعض الأمور في الأصول الاعتقادية والتي ليست بمشتهرة، فإنه تقام عليه الحجة بالتعليم وبيان الدليل، فإن عاند فهو كافر. ومن جهل وأنكر الأصول الاعتقادية أو بعضها وهو في مكان لم تتحقق فيه مظنة العلم، سواء كانت هذه الأمور معلومة ومشتهرة أم لا؛ فإنه تقام عليه الحجة بالتعليم وبيان الدليل، فإن عاند
(1) أصول الاعتقاد ص 42، وعزاه الأشقر إلى الصواعق المرسلة ج 2 ص 474.
(2)
أصول الإعتقاد ص 39.
فهو كافر أما من جهل وأنكر شيئا مما ذكر متأولا، فإنه تقام عليه الحجة بالتعليم وبيان الدليل، فإن أصر وعاند فهو كافر بجهله وتأويله ثم إصراره وعناده وعدم تسليمه.
ثم نختم هذا المبحث والذي نسأل الله أن يجزي أخانا الشيخ / أبو عبد الله عبد الرحمن بن عبد الحميد خير الجزاء، وأن يجعله في ميزان حسناته؛ نختمه بفتوى صادرة من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية برقم 9257 وتاريخ 22/ 12 / 1405 ھ.
والسؤال: هل كل من أتى بعمل من أعمال الكفر أو الشرك يكفر - علما بأنه أتى بهذا الشيء جاهلا - هل يعذر بجهله أم لا يعذر؟ وما هي الأدلة بالعذر أو عدم العذر؟
الجواب: لا يعذر المكلف بعبادته غير الله أو تقربه بالذبح لغير الله أو نذره لغير الله ونحو ذلك من العبادات التي هي من اختصاص الله إلا إذا كان في بلاد غير إسلامية ولم تبلغه الدعوة فيعذر لعدم البلاغ لا مجرد الجهل لما رواه مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار (1)» فلم يعذر النبي صلى الله عليه وسلم من سمع ومن يعيش في بلاد إسلامية قد سمع بالرسول
(1) صحيح مسلم الإيمان (153)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 317).