الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو شبهة عقد ولم يوجد أي منهما هنا. فواضح من النقول المتقدمة أن المفتى به عند الحنفية كما هو هنا هو ضمان الجاني ما فوته على المجني عليه من الكسب والعمل؛ لأنه لم يتعطل عن ذلك إلا بسبب الجناية عليه. ولكنا نلاحظ أن النص على ضمان النفقة ليس شاملا جميع كسب المجني عليه قبل الجناية ومن ثم فهو ضمان جزئي، كما أنه ليس على سبيل الإطلاق بل هو على ما استظهره ابن عابدين مقيد بما إذا كان المجني عليه فقيرا لا ينفق إلا من كسبه، وأن ذلك يحسب من الدية أو الحكومة عندما يحكم له بها بعد البرء.
ب-
رأي المالكية:
للمالكية في هذا المسألة وجهان:
الوجه الأول: أن الجاني يضمن تعطل المجني عليه عن العمل، وقد استظهره بعضهم من القول بضمان أجرة الطبيب وثمن الدواء. فقد جاء في حاشية الرهوني على شرح الزرقاني لمختصر خليل في من تعطلت منفعته بسبب الجرح وليس له ما يعيش عليه غيره كالخماس هل يجب على الجاني إعطاؤه أجيرا يخدم في محله؟:" ويظهر من كلام اللخمي في الصانع وفي أجرة الطبيب أنه يلزم ذلك الجاني؛ لأن الظالم أحق أن يحمل عليه لا سيما وهو متعد ظالم للخماس مثلا "(1).
(1) 6/ 233، 234.
فهذا وإن كان نصا في لزوم إعطاء الجاني المجني عليه أجيرا يخدم في محله ليأتي له بما يعيش عليه لتعطله بسبب الجناية، فهو في النهاية تحميل لهذا الجاني ما عطله على المجني عليه من كسبه فترة انتظار البرء وهي مسألتنا. 234.
الوجه الثاني: أن الجاني لا يضمن ما يترتب على الجناية من تعطل المجني عليه عن العمل. فقد جاء في حاشية الرهوني في مقابل الرأي السابق: " إذ نصوص المتقدمين والمتأخرين مصرحة بخلافه؛ لقول المصنف تبعا لأهل المذهب: ومنفعة البضع والحر بالتفويت وغيرهما بالفوات. فالذي تعطلت منفعته بالجرح إن كان حرا لا شيء له على من فوتها عليه؛ لأنه لم يستعمله وإنما عطله عنها بالجرح كتعطيله بشد يده أو سجنه أو غير ذلك من موانع العمل "(1).
وقد ظهر من النص السابق أن العلة في عدم الضمان هو عدم استغلال هذه المنفعة المتعطلة؛ إذ الأصل عند المالكية أن منافع الحر لا تضمن إلا بالتفويت - يعني الاستيفاء - بخلاف
(1) 6/ 234.