الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكتابه الولاء والبراء (1)، وقال أحمد البنا في شرح ترتيب مسند الإمام أحمد. اضطروهم إلى أضيق الطريق أي جانبها بحيث لا يمشون وسط الطريق، وذلك لا بقصد إهانتهم إن كانوا من أهل الذمة، ولم يظهر منهم سوء نية للمسلمين، بل بقصد إظهار فضل المسلم وتقديمه على غيره؛ لأن إهانة الذمي ممنوعة؛ لقول الله سبحانه وتعالى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} (2).
أقول: والذي يظهر من ترجمة الإمام ابن القيم. كراهة أن يبدءوا بالسلام القول بالكراهة اللهم إلا إن كانت الكراهية عنده كالكراهية عند القدامى أنها للتحريم، والقول بالتحريم أولى وأظفر بالدليل. والله أعلم.
(1) مجموع فتاوى ورسائل ج3 ص37، الفتح الرباني لترتيب المسند مع بلوغ الأماني ج18 ص 338.
(2)
سورة الممتحنة الآية 8
المبحث الثاني: معنى السلام
عرفنا فيما مضى أن اليهود والنصارى وغيرهم من المشركين لا يبدءون بالسلام، وعرفنا كيف نرد عليهم إذا سلموا علينا، ويحسن بنا أن نعرف معنى السلام. يقول الحافظ ابن قيم الجوزية رحمه الله: ولما كان السلام اسما من أسماء الله تبارك وتعالى، وهو
اسم مصدر في الأصل كالكلام والعطاء. . بمعنى السلامة. كان الرب أحق به من كل ما سواه؛ لأنه السالم من كل آفة وعيب ونقص، فإن له الكمال المطلق من جميع الوجوه، وكماله من لوازم ذاته، فلا يكون إلا كذلك، فاسم السلام يتضمن إثبات جميع الكمالات له، وسلب جميع النقائص عنه، وهذا معنى سبحان الله والحمد لله.
قال: وأما قول المسلم السلام عليكم فهو إخبار للمسلم عليه بسلامته من غيلة المسلم وغشه ومكره يناله منه، فيرد الراد عليه مثل ذلك، أي فعل الله بك ذلك وأحله عليك، فهو في الأول إخبار للمسلم عليه بالسلامة، وفي الثاني طلب. وفي هذا الوجه الأول والثاني.
ووجه ثالث: أن يكون المعنى: اذكر الله الذي عافاك من المكروه، وأمنك من المحذور، وسلمك مما تخاف، وعاملنا من السلامة والأمان بمثل ما عاملك به، فيرد عليه الراد بمثل ذلك، ويستحب أن يرد عليه بأكثر كصاحب الهدية يستحب أن تكافئه بزيادة عليها.
ووجه رابع: وهو أن يكون معنى سلام المسلم ورد الراد بشارة من الله سبحانه جعلها على ألسنة المسلمين لبعضهم بعضا بالسلامة من الشر وحصول الرحمة والبركة، وهي دوام ذلك وإثباته، وهذه البشارة لدخولهم في دين الإسلام، فأعظمهم أجرا أحسنهم
تحية «وخيرهما الذي يبدأ بالسلام (1)» .
ووجه خامس: وهو أن كل أمة لهم تحية بينهم من أقوال أو أعمال، كالسجود وتقبيل الأيدي. وانعم صباحا، وغيرها فكانت أحسن من جميع تحيات الأمم، لتضمنها السلامة التي لا حياة ولا فلاح إلا بها، قال والمقصود أن السلام اسمه ووصفه والتلفظ به ذكر له. قال وقد اشتق الله لأوليائه تحية بينهم اسما من أسمائه واسم دينه الإسلام الذي هو دين أنبيائه، ورسله، وملائكته قال تعالى:{أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} (2).
قال: وتحية أوليائه في الدنيا وتحيتهم يوم لقائه، «ولما خلق آدم وكمل خلقه فاستوى قال الله له: " اذهب إلى أولئك النفر من الملائكة فاستمع ما يحيونك به فإنها تحيتك وتحية ذريتك من بعدك (3)». انتهى بتصرف.
وقال البخاري: باب: السلام اسم من أسماء الله يقول الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (4)، وأورد حديث التشهد وفيه «فإن الله هو السلام (5)» ، قال في الفتح: وكذا
(1) مسند أحمد ج4 ص144.
(2)
سورة آل عمران الآية 83
(3)
أحكام أهل الذمة ج1 ص 195.
(4)
سورة النساء الآية 86
(5)
صحيح مسلم الجنائز (975)، سنن النسائي الجنائز (2040)، سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1547)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 353).
ثبت في القرآن في أسمائه {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} (1) ومعنى السلام السالم من النقائص، وقيل: المسلم لعباده، وقيل: المسلم على أوليائه. قال: وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس موقوفا «السلام اسم الله وهو تحية أهل الجنة» " (2). وشاهده «حديث المهاجر بن قنفذ أنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه حتى توضأ وقال: إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر (3)» ، أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وغيره.
قال وقد اختلف في معنى السلام: فنقل القاضي عياض أن معناه اسم الله أي كلاءة الله عليك وحفظه، كما يقال: الله معك ومصاحبك. وقيل معناه: إن الله مطلع على ما تفعل، وقيل معناه: أن اسم الله يذكر على الأعمال توقعا لاجتماع معاني الخيرات فيها وانتفاء عوارض الفساد عنها، وقيل معناه: السلامة كما قال تعالى: {فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} (4)، فكأن المسلم أعلم من سلم عليه أنه سالم منه وأنه لا خوف عليه منه.
ونقل عن ابن دقيق العيد: أنه قال: السلام يطلق بإزاء معاني منها: السلامة ومنها التحية ومنها اسم من أسماء الله. انتهى
(1) سورة الحشر الآية 23
(2)
فتح الباري ج11 ص13.
(3)
أخرجه أبو داود ج1 ص5 حديث 27.
(4)
سورة الواقعة الآية 91