الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وشغلهم عن مطامع الراغبين، فاضت عبراتهم من وعيده، وشابت ذوائبهم من تحذيره، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب (1).
فائدة: قال الخطيب البغدادي: أجود أوقات الحفظ الأسحار، ثم نصف النهار، ثم الغداة، وحفظ الليل أنفع من حفظ النهار، ووقت الجوع أنفع من وقت الشبع، وأجود أماكن الحفظ كل موضع بعد عن الملهيات، وليس الحفظ بمحمود بحضرة النبات والخضرة والأنهار وقوارع الطرق؛ لأنها تمنع خلو القلب (2).
(1) لطائف الإشارات: 1/ 11.
(2)
شرح طيبة النشر للنويري: 1/ 23.
الفصل الثاني: طرق الأخذ والتحمل عند القراء
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: العرض على الشيخ
المبحث الثاني: السماع من لفظ الشيخ
المبحث الثالث: الإجازة من الشيخ
المبحث الرابع: الوجادة
المراد بطرق الأخذ والتحمل هنا: هو نقل القراءة عن الشيوخ الضابطين لها العارفين بأحكامها المتصفين بالصفات السالف ذكرها.
وطرق الأخذ والتحمل تأتي على أنواع ذكر المحدثون أنها ثمانية وهي باختصار:
السماع من لفظ الشيخ
القراءة على الشيخ
الإجازة
المناولة
المكاتبة
الإعلام
الوصية
الوجادة
ولكل واحد من هذه الأقسام عند علماء الحديث مبحث خاص وأمثلة ليس هذا محل ذكرها (1).
والذي يعني القراء من هذه الأقسام أربعة وهي: (السماع من لفظ الشيخ، والقراءة على الشيخ، والإجازة، والوجادة) وهو ما سنوضحه في هذا الفصل إن شاء الله تعالى.
المبحث الأول: العرض على الشيخ
وهو قراءة الطالب على الشيخ، وعرض القارئ على المقرئ.
(1) يراجع: مقدمة ابن الصلاح: 62. الإلماع للقاضي عياض: 99. تقريب النووي: 2.
وهو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيح من «أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ على جبريل ويعارضه القرآن في كل رمضان فلما كان العام الذي توفي فيه عارضه القرآن مرتين (1)» .
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرض على أبي رضي الله عنه كما ثبت في الصحيح «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي إن الله يأمرني أن أعرض القرآن عليك، فقال: أسماني لك ربك؟ قال: نعم فقال أبي: بفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا هو خير مما تجمعون (2)» . قال أبو عبيد القاسم بن سلام: " معنى هذا الحديث عندنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أراد بذلك العرض على أبي أن يتعلم منه القراءة ويتثبت فيها، وليكون عرض القرآن سنة، وليس هذا على أن يستذكر النبي صلى الله عليه وسلم منه شيئا بذلك العرض "(3) «وعرض عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على رسول الله صلى
(1) فتح الباري: 1/ 30.
(2)
المصدر السابق: 7/ 126.
(3)
فضائل القرآن لأبي عبيد: 359.
الله عليه وسلم حينما طلب منه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقرأ من أول سورة النساء فقال ابن مسعود: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إني أحب أن أسمعه من غيري. فقرأ عليه من أول السورة حتى بلغ قوله تعالى:.
قال: حسبك، قال ابن مسعود رضي الله عنه: فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان (2)».
وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: «عرضنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعب أحدا منا، وقرأت عليه قراءة سفرتها» (3). أي سورة سورة. وعرض آخرون من الصحابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرهم الذهبي في طبقاته فقال (4):
الطبقة الأولى الذين عرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
1 -
عثمان بن عفان رضي الله عنه: (ت 35 هـ).
2 -
علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ت 40 هـ).
(1) فتح الباري: 8/ 250، صحيح مسلم بشرح النووي: 6/ 87.
(2)
سورة النساء الآية 41 (1){فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}
(3)
النهاية في غريب الحديث: 2/ 372.
(4)
طبقات القراء 1/ 5.
3 -
أبي بن كعب رضي الله عنه: (ت 22هـ).
4 -
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (ت 32هـ).
5 -
زيد بن ثابت رضي الله عنه: (ت 45هـ).
6 -
أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: (ت 44هـ).
7 -
أبو الدرداء عويمر بن زيد رضي الله عنه: (ت 32هـ).
فالعرض على الشيوخ هو المقدم عند القراء، وإنما كان مقدما عندهم؛ لأنه يلاحظ فيه كيفية الأداء من تجويد الحروف، فليس كل من سمع من لفظ الشيخ يقدر على الأداء كهيئته وبتقديم العرض على السماع أخذ بعض العلماء والمحدثين قال مالك رحمة الله تعالى:(قراءتك علي أصح من قراءتي عليك)(1).
وقال ابن فارس (2): (السامع أربط جأشا وأوعى قلبا)(3). وقال موسى بن داود: (القراءة أثبت من الحديث، وذلك أنك إذا قرأت علي شغلت نفسي بالإنصات لك وإذا حدثتك غفلت عنك)(4).
(1) الإلماع للقاضي عياض: 70، فتح المغيث: 2/ 28.
(2)
أحمد بن فارس بن زكريا القزويني من أئمة اللغة، توفي سنة:(395هـ)، وفيات الأعيان: 1/ 132.
(3)
لطائف الإشارات: 181.
(4)
الإلماع: 70، المحدث الفاصل: 96، الكفاية:278.
ومن هنا رجح وجه العرض على الشيخ على وجه السماع منه، لأن الشيخ لو غلط في القراءة وهيئتها لم يتهيأ للطالب الرد عليه، بخلاف ما لو غلط الطالب فإن الشيخ يرد عليه (1). وإلى ما في العرض من تمام ضبط وإتقان وعناية نبه أبو عبيد القاسم بن سلام فقال: " وإنما نرى القراء عرضوا القراءة على أهل المعرفة بها ثم تمسكوا بما علموا منها مخافة أن يزيغوا عما بين اللوحين بزيادة أو نقصان) (2).
وبالعرض على الشيوخ أخذ الصحابة كما تقدم والتابعون وتابعوهم ومن بعدهم وإلى يومنا هذا منهم على سبيل المثال لا الحصر.
1 -
رفيع بن مهران أبو العالية الرياحي من كبار التابعين (ت 90هـ) أخذ القرآن عرضا عن أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وابن عباس، رضي الله عنهم، أخبر عن نفسه أنه قرأ القرآن على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثلاث مرات وقيل أربع مرات (3).
2 -
مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي أحد الأعلام من التابعين
(1) علوم الحديث لأبي شهبة: 14.
(2)
فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم: 361.
(3)
طبقات ابن سعد: 7/ 113، طبقات القراء: 1/ 37، غاية النهاية: 1/ 285.
والأئمة المفسرين (ت 103هـ). قرأ على عبد الله بن السائب وقرأ على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بضعا وعشرين ختمة، ويقال ثلاثين عرضة ومن جملتها ثلاث سأله عن كل آية فيم كانت (1).
3 -
عيسى بن مينا بن وردان بن عيسى بن عبد الصمد أبو موسى الملقب قالون قارئ المدينة ونحويها: (ت: 220هـ)، قال عن نفسه: قرأت على نافع قراءته غير مرة. وقال النقاش: قيل لقالون كم قرأت على نافع؟ قال: ما لا أحصيه كثرة.
وقال قالون: قال لي نافع: كم تقرأ علي اجلس إلى اصطوانة حتى أرسل إليك من يقرأ (2).
4 -
يوسف بن عمر بن يسار ويقال سيار أبو يعقوب المدني المعروف بالأزرق: (ت: 240هـ). أخذ القراءة عرضا وسماعا عن ورش وهو الذي خلفه في القراءة والإقراء بمصر.
قال عن نفسه: كنت نازلا مع ورش في الدار فقرأت عليه عشرين ختمة من حدر (3) وتحقيق (4)، فأما التحقيق فكنت أقرأ عليه
(1) طبقات القراء ك 1/ 42، طبقات ابن سعد: 5/ 466، غاية النهاية: 2/ 41.
(2)
طبقات القراء: 1/ 174، غاية النهاية: 1/ 615، البداية والنهاية: 10/ 283.
(3)
هو الإسراع في القراءة مع المحافظة على قواعد التجويد وأحكامه.
(4)
هو القراءة بتؤدة مع تدبر المعاني ومراعاة أحكام التجويد وقواعده.
في الدار التي كنا نسكنها في مسجد عبد الله، وأما الحدر فكنت أقرأ عليه إذا رابطت معه بالإسكندرية (1).
5 -
محمد بن غالب أبو جعفر الأنماطي البغدادي المقرئ (ت: 254هـ)، أخذ القراءة عرضا عن شجاع عن أبي عمرو البصري قرأ عليه عشر ختمات ثلاثا بالإدغام وسبعا بالإظهار (2).
6 -
إسحاق بن أحمد بن إسحاق بن نافع بن أبي بكر أبو محمد الخزاعي المكي (ت: 308هـ)، قال المطوعي سمعنا الخزاعي يقول: قرأت على ابن مفلح سبعا وعشرين ختمة، وقرأت على البزي ثلاثين ختمة (3).
7 -
محمد بن هارون بن نافع بن قريش بن سلامة أبو بكر الحنفي البغدادي المعروف بالتمار المتوفى بعد سنة (310هـ)، أخذ القراءة عن رويس أخبر أنه قرأ على رويس أربعا وعشرين ختمة، وثلاثا وعشرين ختمة أخرى متقطعات (4).
8 -
أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي الحافظ أبو بكر البغدادي: (ت324هـ)، قرأ على عبد الرحمن بن عبدوس عشرين.
(1) طبقات القراء: 1/ 209، غاية النهاية: 2/ 402.
(2)
طبقات القراء: 1/ 256، غاية النهاية: 2/ 226.
(3)
طبقات القراء: 1/ 271، غاية النهاية: 1/ 156.
(4)
طبقات القراء: 1/ 331، غاية النهاية: 2/ 271.
ختمة (1). 9 - محمد بن الحسن بن يونس بن كثير أبو العباس الهذلي الكوفي (ت: 332هـ) مقرئ مشهور ضابط قرأ على علي بن الحسن بن عبد الرحمن التميمي، قال: ومنه تعلمت القراءة حرفا حرفا حتى السجدات العزائم وحتى فاتحة الكتاب وأخذت القرآن جميعه من لفظه وعرضت عليه بعد أن ختمت ثلاث عشرة مرة كل عرضه من أوله إلى آخره (2).
10 -
حمدان بن عون بن حكيم بن سعيد أبو جعفر الخولاني المصري: (ت: 340هـ)، قرأ على أحمد بن هلال ثلاثمائة ختمة ثم ذهب إلى إسماعيل النحاس فقال: هذا تلميذي وقد قرأ علي وجود فخذ عليه فأخذ علي وقرأت عليه ختمتين (3).
11 -
الحسن بن داود بن الحسن بن عون بن منذر بن صبيح أبو علي النقار المتوفى قبيل سنة: (350هـ) عرض على القاسم بن أحمد بن يوسف أبو محمد الخياط القملي قال النقار: قرأت عليه أربعين ختمة (4).
(1) طبقات القراء: 1/ 333، غاية النهاية: 1/ 139، السبعة لابن مجاهد:88.
(2)
طبقات القراء: 1/ 360، غاية النهاية: 2/ 125.
(3)
طبقات القراء: 1/ 373، غاية النهاية: 1/ 260.
(4)
طبقات القراء: 1/ 379، غاية النهاية: 1/ 212.
12 -
علي بن عبد الغني أبو الحسن الفهري القيرواني الحصري الفرير (ت: 468هـ) قرأ القراءات السبع على شيخه أبي بكر القصري تسعين ختمة كلما ختم ختمة قرأ غيرها حتى أكمل في مدة عشر سنين.
وقد أشار إلى ذلك في قصيدته الحصرية (1) حيث قال:
وأذكر أشياخي الذين قرأتها
…
عليهم فأبدأ بالإمام أبي بكر
قرأت عليه السبع تسعين ختمة
…
بدأت ابن عشر ثم أكملت في عشر
13 -
محمد بن يوسف بن علي بن حيان أثير الدين أبو حيان الأندلسي (745هـ) قرأ السبع ببلده على عبد الحق بن علي بن عبد الله في نحو من عشرين ختمة إفرادا وجمعا (2).
وهكذا فإن من طالع كتب تراجم القراء يرى أن منهج العرض هو منهج الطلبة النابهين والقراء المنتهين فلا يعدلون به عن السماع من الشيخ إلا عند تعذره كأن يكون الشيخ على سفر أو ازدحم عليه الطلبة.
كما وقع من الحافظ محمد بن الجزري لما قدم القاهرة وازدحم عليه الخلق لم يتسع وقته لقراءة الجميع والسماع من كل منهم،
(1) طبقات القراء: 1/ 550، لطائف الإشارات:335.
(2)
طبقات القراء: 3/ 1264، غاية النهاية: 1/ 359، 2/ 285.
فكان يقرأ عليهم الآية ثم يعيدونها عليه دفعة واحدة فلم يكتف بقراءته عليهم (1).
ولا يخفى على ابن الجزري رحمه الله تعالى أنه في حال إعادتهم بصوت واحد ما قرئ عليهم لا يمكنه إصلاح غلط من غلط منهم وتقويم لسان من أخطأ {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} (2).
فليس إدراك ذلك إلا لله سبحانه وتعالى الذي لا تخفى عليه الأصوات مهما كثرت ولا تلتبس عليه اللغات وإن تباينت فسبحان من وسع سمعه كل شيء.
فلعله بفعله هذا قصد أمرين: - أولهما: أن يحصل للجميع السماع من لفظه وهو أحد مراتب الأخذ والتحمل. فلا تفوت من حضر هذه الميزة فيعد من تلاميذ الشيخ الذين سمعوا منه وإن لم يكن مجيدا ضابطا للفظ الشيخ.
ثانيهما: أن من كان من الحاضرين ضابطا متقنا واستطاع أن يعيد لفظ الشيخ كما يجب حصل له العرض المطلوب والسماع وذلك أعلى المراتب.
وصيغة الإجازة في حال الأخذ بالعرض أن يقول الشيخ أجزت
(1) الإتقان: 1/ 280.
(2)
سورة الأحزاب الآية 4