الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم من حفظ الروايات ولم يعلم معانيها، والاستنباط من لغات العرب ونحوها فلا تؤخذ عنه؛ لأنه ربما يصحف، ومنهم من علم العربية ولا يتبع الأثر والمشايخ في القراءة فلا تنقل عنه الرواية؛ لأنه ربما حسنت له العربية حرفا لم يقرأ به، والرواية متبعة والقراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول، ومنهم من فهم التلاوة وعلم الرواية وأخذ حظا من الدراية من النحو واللغة فتؤخذ عنه الرواية ويقصد للقراءة " (1).
(1) منجد المقرئين: 53.
المبحث الثاني: القارئ آدابه وصفاته
القارئ: مفرد جمعه قرأة (1).
والقارئ في عرف المتأخرين هو طالب القرآن الراغب في أخذه وتلقيه وهو على قسمين:
أ - قارئ مبتدئ: وهو من شرع في الإفراد إلى أن يفرد ثلاثا من القراءات.
ب - قارئ منته: وهو من نقل من القراءات أكثرها وأشهرها (2). وهذا المصطلح في التفريق بين القارئ والمقرئ هو الذي مشى عليه العلماء المتأخرون.
(1) الصحاح للجوهري: 1/ 65. مادة (ق ر أ).
(2)
منجد المقرئين: 3.
فهذا مكي بن أبي طالب حينما ألف كتابه الرعاية في التجويد قال: لينتفع به المقرئ والقارئ، والمبتدئ والمنتهي (1). والداني في كتابه التحديد بين أن سبب تأليفه له هو ما رآه من إهمال قراء عصره ومقرئي دهره تجويد التلاوة وتحقيق القراءة (2).
وابن الجزري بين في كتابه التمهيد أنه ذكر فيه " علوما جليلة تتعلق بالقرآن العظيم يحتاج القارئ والمقرئ إليها "(3).
فأنت تراهم يفرقون بين القارئ والمقرئ وإن كان المصطلح الشائع عند المتقدمين إطلاق لفظ القارئ على المقرئ المنتهي أيضا، فقد جاء في ترجمة: سعد بن أبي عبيد بن النعمان بن قيس بن عمر بن زيد قتل شهيدا يوم القادسية سنة (16 هـ) كان يسمى بسعد القارئ (4).
(1) الرعاية: 51.
(2)
التحديد: 66.
(3)
التمهيد: 52، 53.
(4)
طبقات ابن سعد: 1/ 358.
ومعاذ بن الحارث أبو الحارث ويقال: أبو حليمة الأنصاري المدني روى عنه نافع وابن سيرين توفي بالحرة سنة (63 هـ) كان يعرف بالقارئ (1).
ويزيد بن القعقاع الإمام أبو جعفر المخزومي أحد القراء العشرة عرض القرآن على مولاه عبد الله بن عياش، وعلى عبد الله بن عباس، وأبي هريرة، روى القراءة عنه نافع بن أبي نعيم، وسليمان بن جماز، وعيسى بن دردان، مات بالمدينة سنة:(102 وقيل 103 هـ). كان يعرف بأبي جعفر القارئ (2). وغيرهم.
ونحن نتناول في هذا البحث القارئ على مصطلح المتأخرين وهو الذي قسمه ابن الجزري إلى قارئ مبتدئ وآخر منتهي كما تقدم، فهو في مقابلة المقرئ.
وكما اشترط العلماء في المقرئ المتصدر للإقراء شروطا وصفات تقدم بيانها اشترطوا أيضا في القارئ آدابا وصفات يجب أن يتحلى بها منها:
أن يتخير في الأخذ والتلقي أهل الديانة والفهم في القرآن
(1) غاية النهاية 2/ 301.
(2)
غاية النهاية: 2/ 382.
وعلومه، والنفاذ في العربية، ومعرفة التجويد بحكاية ألفاظ القرآن الكريم، وصحة النقل، وسلامة المنقول عنه من أسباب الفسق والبدع وخوارم المروءة.
قال النووي: " ولا يتعلم إلا ممن كملت أهليته، وظهرت ديانته، وتحققت معرفته، واشتهرت صيانته، فقد قال محمد بن سيرين ومالك بن أنس وغيرهما من السلف: هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم "(1).
ويجب عليه أن يخلص النية في تعلمه ويجد ويجتهد في شبابه وأوقات عمره إلى التحصيل ولا يغتر بخدع التسويف فهذه آفة الطالب، ولا يستنكف عن أحد وجد عنده فائدة (2).
وعليه أن ينظر معلمه بعين الاحترام، ويعتقد كمال أهليته ورجحانه على طبقته فإنه أقرب إلى الانتفاع به، وكان بعض المتقدمين إذا ذهب إلى معلمه تصدق بشيء وقال: اللهم استر عيب معلمي عني ولا تذهب بركة علمه مني، وقال الربيع صاحب الشافعي - رحمهما الله -: ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي
(1) التبيان: 37.
(2)
منجد المقرئين: 11.
هيبة له (1).
فإذا دخل على شيخه فليكن كامل الحال متنظفا متطهرا متأدبا وأن لا يدخل بغير استئذان إذا كان الشيخ في مكان يحتاج فيه إلى استئذان، وأن يسلم على الحاضرين إذا دخل ويخص شيخه دونهم بالتحية.
وأن يسلم عليه وعليهم إذا انصرف، ولا يتخطى رقاب الناس بل يجلس حيث ينتهي به المجلس إلا أن يأذن له الشيخ في التقدم أو يعلم من حالهم إيثار ذلك ولا يقيم أحدا من موضعه، فإن آثره غيره لم يقبل اقتداء بابن عمر رضي الله عنهما إلا أن يكون في تقدمه مصلحة للحاضرين أو أمره الشيخ بذلك، ولا يجلس في وسط الحلقة إلا لضرورة، ولا يجلس بين صاحبين إلا بإذنهما (2).
قال الهذلي: " واعلم أنه يجب على القارئ أن يحسن الأدب مع المقرئ ويتباعد منه في الجلوس، ولا يستقبله بنفسه وينبغي أن لا يتناول من البصل والثوم والكراث إذا جلس لقراءة القرآن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من أكل من هاتين الشجرتين فلا يقربن مسجدنا» .
(1) التبيان: 37
(2)
التبيان: 38.
وليجلس على رجليه ولا يقابله بعينيه بل يطأطئ رأسه ويشتغل بما هو بصدده، ولا يرفع صوته عليه ولا يتعنته في السؤال فإن علم أنه يعلم ما يسأله عنه فلا بأس بذلك، ولا يذكرن غيره ممن يعانده بين يديه ولا يذكرن أحدا إلا بخير، ويشتغل بالتعليم والتعلم والتوفير والتفهيم ليضع الله له البركة فيما علم وإن قل ولا يطلبن على شيخه الزلل، وليكن القارئ فطنا والأولى به أن لا يختلف إلى غير من قرأ عليه تبجيلا لا وجوبا ومن لم يعظم أستاذه لم ينتفع بعلمه. روي عن قالون أنه قال: ما علمت أني تناومت بين يدي نافع قط إلا يوما واحدا؛ لأني رأيته كالناعس فظننت أنه لا يسمع ما أقرأ فتناعست فانتهرني فتبت على يديه ولم أعد إلى ذلك.
قال اليزيدي: ولقد صحبت أبا عمرو ثمان عشرة سنة ما أكلت بين يديه لقمة قط (1).
قال النووي: ومن آدابه أن يتحمل جفوة الشيخ وسوء خلقه ولا يصده ذلك عن ملازمته، واعتقاد كماله، ويتأول لأقواله وأفعاله التي ظاهرها الفساد تأويلات صحيحة فما يعجز عن ذلك إلا قليل التوفيق أو عديمه، وإذا جفاه الشيخ ابتدأ هو بالاعتذار إلى الشيخ وأظهر أن الذنب له والعتب عليه فذلك أنفع له في الدنيا والآخرة وأنقى لقلب الشيخ.
(1) الكامل لوحة: 6.
وقد قالوا: من لم يصبر على ذل التعلم بقي عمره في عماية الجهالة، ومن صبر عليه آل أمره إلى عز الآخرة والدنيا، ومنه الأثر المشهور عن ابن عباس رضي الله عنهما:" ذللت طالبا فعززت مطلوبا ".
وقد أحسن من قال:
من لم يذق طعم المذلة ساعة
…
قطع الزمان بأسره مذلولا
(1)
.
ونقل الهذلي عن أبي عبيد قال: اختلفت إلى الحجاج بن محمد أربع سنين وكان أعور فما رفعت عيني قط إليه لأعلم خبر عينيه حتى أخبرني رجل من أصحابنا فقلت له: ومن أعلمك بهذا؟ قال: نظرت إليه، فخفت أن لا يبارك له في علمه (2).
قال ابن الجزري: " وينبغي أن لا يقرأ على الشيخ في حال شغل قلب الشيخ وملله، وغمه وجوعه وعطشه ونعاسه، وقلقه ونحو ذلك مما يشق على الشيخ أو يمنعه من كمال حضور القلب، وأن يحرص كل الحرص على أن يقرأ على الشيخ أولا فإنه أفود له وأسهل على الشيخ، وإذا أراد القراءة ينبغي له أن يستاك بعود من أراك فإنه أبقى للفصاحة وأنقى للنكهة، وينبغي أن يفرد القراءات كلها فإن أراد الجمع فلا بد من حفظ كتاب جامع في القراءات، وعليه أن
(1) التبيان: 39.
(2)
الكامل: 6.
يحفظ كتابا في الرسم وليعلم حقيقة التجويد ومخارج الحروف وصفاتها وما يتعلق بها علما وعملا (1).
قال النووي: " ومما يجب عليه وتتأكد الوصية به أن لا يحسد أحدا من رفقته أو غيرهم على فضيلة رزقه الله الكريم إياها، وأن لا يعجب بنفسه بما خصه الله (2).
وقد ذكر العلماء آدابا كثيرة يجب أن يتصف بها القارئ خاصة وطالب العلم عامة أكتفي بما ذكرته منها فهنيئا لمقرئ القرآن وقارئه بما حباهم ربهم من عالي الجنان، والمغفرة والرضوان، وتثقيل الميزان بالحسنات يوم العرض على الملك الديان.
سئل ذو النون المصري عن حملة القرآن فقال: هم الذين مطرت عليهم سحائب الأشجان، ونصبوا ركبهم والأبدان، وتسربلوا بالخوف والأحزان، وشربوا بكأس اليقين، وراضوا أنفسهم رياضة المتقين، كحلوا أبصارهم بالسهر، وغضوها عن النظر، فقاموا ليلهم أرقا، وتبادرت دموعهم فرقا حتى ضنيت منهم الأبدان، وتغيرت منهم الألوان، صحبوا القرآن بأبدان ناحلة، وشفاه ذابلة، ودموع وابلة، وزفرات قاتلة، فحال بينهم وبين نعيم المتنعمين،
(1) منجد المقرئين: 12.
(2)
التبيان: 41.