الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنجاءهم، لأني إنما وعدتك بنجاة من آمن من أهلك. ولهذا قال:{وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ} (1) فكان هذا ممن سبق عليه القول بالغرق لكفره ومخالفته أباه نبي الله نوحا عليه السلام (2).
قال القرطبي: أي: أنهاك عن هذا السؤال، وأحذرك لئلا تكون، أو كراهية أن تكون من الجاهلين؛ أي الآثمين. . قال ابن العربي: وهذه زيادة من الله وموعظة يرفع بها نوحا عن مقام الجاهلين، ويعليه بها إلى مقام العلماء والعارفين (3).
لا شك أن جميع أنبياء الله من العالمين والعارفين والمؤمنين، وليس أحد منهم من الجاهلين، لكن نوحا عليه السلام وعظه الله أن تأخذه عاطفة الأبوة والقرابة، وتقديمها على رابطة العقيدة والدين، وهي أقوى من الأولى، ونوح عليه السلام لم يفعل ذلك، لكنه فهم من الآية الأخرى أن الله سينجي أهله جميعهم، وابنه على هذا الاعتبار من أهله، ثم تبرأ نوح من أن يسأل الله ما ليس له به علم، وهذا غاية في العلم والعبودية.
(1) سورة المؤمنون الآية 27
(2)
تفسير ابن كثير ج 4 ص 258، 259.
(3)
تفسير القرطبي ج 9 ص 48.
المبحث الحادي عشر: إذا لم يعصم الله الإنسان من الوقوع في المعصية فإنه يكون من الجاهلين
قال تعالى:
{قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} (1){قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (2).
قال القرطبي: {أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} (3) أي: إن لم تلطف بي في اجتناب المعصية وقعت فيها {وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (4) أي: ممن يرتكب الإثم ويستحق الذم، أو ممن يعمل عمل الجهال؛ ودل هذا على أن أحدا لا يمتنع عن معصية الله إلا بعون الله، ودل أيضا على قبح الجهل والذم لصاحبه (5).
وقال ابن كثير: وذلك يوسف عليه السلام عصمه الله عصمة عظيمة، وحماه فامتنع منها أشد الامتناع، واختار السجن على ذلك، وهذا في غاية مقامات الكمال أنه مع شبابه وجماله وكماله تدعوه سيدته، وهي امرأة عزيز مصر، وهي مع هذا في غاية الجمال والمال والرياسة، ويمتنع من ذلك، ويختار السجن على ذلك، خوفا من الله ورجاء ثوابه. ولهذا ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه
(1) سورة يوسف الآية 32
(2)
سورة يوسف الآية 33
(3)
سورة يوسف الآية 33
(4)
سورة يوسف الآية 33
(5)
تفسير القرطبي ج 9 ص 185.