الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالحسان ما أورده أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، وأبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي وغيرهما من الأئمة في تصانيفهم رحمهم الله وأكثرها صحاح بنقل العدل عن العدل غير أنها لم تبلغ غاية شرط الشيخين في علو الدرجة من صحة الإسناد إذ أكثر الأحكام ثبوتها بطريق حسن، وما كان فيها من ضعيف أو غريب أشرت إليه، وأعرضت عن ذكر ما كان منكرًا أو موضوعًا).
وقد التزم البغوي إلى حدٍّ كبر بخطته التي رسمها للكتاب، لكنه أودع فيه روايات مرسلة وضعيفة، مما حدا ببعض العلماء لانتقاد أحاديث الكتاب، حتى إن الإِمام القزويني (750 هـ) رمى (18) حديثًا منها بالوضع، وقد أجاب الحافظ ابن حجر عن هذه الأحاديث، ووضع في ذلك رسالة، تَجِدُها كاملة في آخر هذه المقدمة. كما أن العلماء قاموا بتخريج أحاديث الكتاب ووضعوا في ذلك التآليف الكثيرة.
ثم إن هذا التقسيم الذي اعتمده البغوي في كتابه جعله ينزلق في كثير من الأحيان فيضع أحاديث في غير أبوابها، كما فعل في الحديث رقم (1886) و (2689).
انفراده باصطلاح الصحيح والحسن:
لقد اعتمد البغوي في هذا الكتاب اصطلاحًا خاصًا للحديث الصحيح والحسن، خالف به اصطلاح جمهور علماء الحديث، فالصحيح عنده -كما يصرّح- ما أخرجه الشيخان البخاري ومسلم، والحسن ما أخرجه غيرهما من الأئمة، بينما جاء تعريف الحديث الصحيح عند الجمهور على ما يذكره ابن الصلاح في "مقدمته" بأنه:(الحديث المسنَد الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذًا ولا معللًا)(1).
(1) ابن الصلاح، مقدمة علوم الحديث (بتحقيق عتر):10.
وجاء تعريف الحديث الحسن بأنه: (الذي لا يكون في إسناده من يُتهم بالكذب، ولا يكونَ شاذًا)(1).
تُرى ما هو السبب الذي دفع البغويّ لاعتماد هذه المصطلحات الخاصة؟ أهو عدم نضوج علم مصطلح الحديث في عصره، أم هو عدم إلمامه به ومعرفته باصطلاحات الجمهور؟ أم هو اجتهاد خاص به خالف به جمهور العلماء مع معرفته باصطلاحاتهم؟
الراجح أنه اجتهاد خاص به مع معرفته باصطلاحات الجمهور، فقد كان علم مصطلح الحديث حتى عصر المؤلف قد وصل لدرجة رَسَتْ فيه قواعده، وظهرت فيه المؤلفات الكثيرة ككتاب "المحدّث الفاصل بين الراوي والواعي" للرامهرمزي (360 هـ)، و"معرفة علوم الحديث" للحاكم النيسابوري (405 هـ) و"المستخرج على معرفة علوم الحديث" لأبي نُعَيْم الأصبهاني (430 هـ) استدرك فيه على الحاكم، و"الكفاية في علم الرواية" و"الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" كلاهما للخطيب البغدادي (463 هـ). . . وغيرها الكثير.
لكن البغوي بيَّن -في آخر كتاب المناسك من كتابه- مفهومه لهذه الاصطلاحات الخاصة بشكل أوضح فقال (جعلت أحاديث كل باب من هذا الكتاب قسمين: صحاحًا وحسانًا؛ فالصحاح منها ما أورده الشيخان محمد البخاري، ومسلم في كتابيهما الصحيحين. وشرطهما مراعاة الدرجة العليا في الصحة، وهو أن يكون الحديث يرويه الصحابي المشهور بالرواية عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم. ولذلك الراوي الصحابي ثقتان من التابعين، ثم يرويه التابعي المشهور بالرواية عن الصحابة، وله راويان من أتباع التابعين، ثم يرويه عنه من أتباع التابعين الحافظ المتقن المشهور، وله رواة من الطبقة الرابعة).
(1) المصدر نفسه: 26.
(وأردت بالحسان ما لم يخرجاها في كتابيهما، وخرجها غيرهما من الأئمة مثل أبي داود السجستاني، وأبي عيسى الترمذي، والنسائي، ثم منها ما يكون صحيحًا بنقل العدل عن العدل إلى الصحابي، ولكن لا يكون للصحابي إلا راوٍ واحد بنقل العدل إلى العدل، وإلى التابعي، ولا يكون للتابعي إلَّا راو واحد).
(ولم ينكر البخاري ومسلم أن يكون فيما لم يخرجاه من الأحاديث صحيح، فإنه رُوِيَ عن البخاري أنه قال: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف غير صحيح، وعن ابن حنبل رضي الله عنه أنه قال: صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم سبعمائة ألف حديث وكسر).
(إلَّا أن طريق ما لم يخرّجه الشيخان لا يكون كطريق ما أخرجاه في علوّ الدرجة، فكان مسلم يخرّج الصحيح على ثلاثة أقسام في الدرجة، فلما فرغ من القسم الأول أدركته المنيّة رحمه الله.
(والغريب: يكون من حيث ما يعرض للراوي في روايته، وهو مع ذلك صحيح لكون كل واحد من نَقَلَتِهِ ثقة مأمون، وقد يكون بمخالفة واحد من الثقات أصحابه).
(والضعيف: ما في إسناده مجروح أو مجهول، واللَّه أعلم بالصواب).
من كلامه هذا نستطيع تحديد بعض مفاهيمه الخاصة في مصطلح الحديث، وهي:
1 -
أن للحديث الصحيح عنده درجات، لم يخرِّج في كتابه منها إلاّ أعلاها مما أخرجه الشيخان، وهي أن يروي الحديث عن الصحابي المشهور ثقتان من التابعين، وعن التابعي راويان من أتباع التابعين شرط أن يكونوا من الحفاظ المتقنين المشهورين، وله رواة من الطبقة الرابعة.
2 -
أن الحديث الحسن عنده هو الصحيح الذي أخرجه غير الشيخين ولم يكن على شرطهما من حيث علو الدرجة في الصحة، ويصرّح